Accueilالاولىصحفعندما يشكر حسن بن عثمان الشيخ راشد الغنوشي

عندما يشكر حسن بن عثمان الشيخ راشد الغنوشي

تهنئة شكرية للشيخ راشد الغنوشي حفظه الله
بقلم: حسن بن عثمان
الحق أقول لك، سيدي الشيخ راشد الغنوشي، تفاديت مخاطبتك بالشيخ منذ طلع بدرك علينا في مطار تونس قرطاج الدولي، ذات يوم أغرّ من أيام الثورة التونسية، المسمّاة ثورة الياسمين، من إعلام دولي حالفك الحظ أو تقلبات الرياح على أن نفخ في الثورة وانتبه إلى ياسمينها. الياسمين الذي رأيناه في طلّتك المظفّرة البهيّة، وكان ذلك الإعلام يَصْدُرُ عن دول تعرف معنى الياسمين وبأن زمنه ذو ساعات معدودات، وتتبخّر رائحته في السموات العلا حالما تتفتّح زهراته وتزفر آخر أنفاس طيبها… لقد تفاديت مخاطبتك بالشيخ نأيا بالشيوخ من شرّ السياسة وتقديرا لمقامك كزعيم حركة تنوي أن تكون حركة سياسة لا تخلط الدّين بالسياسة ولا تتستّر به كقماشة. ونوّهت ونبّهت إعلاميا إلى ذلك على أساس أن يخاطبك الإعلام بلقب السيّد أو “الأستاذ”، كالأستاذ الباجي قائد السبسي مثلا، الذي أسرجت له الركاب إلى باريس، عاصمة الجن والملائكة، وعاصمة الأنوار أيضا حسب المثقفين، أي، بمعنى أنها عاصمة فاضحة للخلوات والصلوات والركعات لله ولغير الله، وليست الأنوار هنا للبهرجة أو للعلمانية التي يعشقها الغنوشي.
ولكنك شئت أن تكون الشيخ الأب الزعيم القائد الأستاذ المفكر نائب رئيس إتحاد العلماء المسلمين الذي تمرّد على السعودية. ولك ما شئت من مقام واسع متّسع تشيب له الولدان، ومعنى ذلك أنك ترغب في حساب سريع أشار له القرآن الكريم، وتتحمّل وزر نفسك المترامية الأطراف، ووزر السياسي، ووزر رجل دين أمين، ووزر مفكّر منظّر عقائدي صميم لكل المسلمين… تلك أمورك الخاصة جدّا، التي لعلّها تهمّ الخاصة والعامة، بما أنك شخصية عمومية شهيرة في الدّاخل والخارج، وتكاد تُنسب لك صفة الرسول الجديد للإسلام.
***
هذه المرّة أنحني تقديرا لكرامتك على كافة الأصعدة، وخصوصا كرامة مشيختك العتيدة، التي شملت عائلتي برحمتها في هذه الأيام، لذلك أناديك: سيدي الشيخ، وأنا على بيّنة من الأمر، وليس كحال مقداد السهيلي الذي يتساهل كثيرا في الألقاب والصفات والمقامات والنغمات.
سيدي الشيخ، أخاطب سماحتك تحديدا، وأعترف أنه لم يخب ظني ورجائي حين ذكرتك على إذاعة موزاييك مع الزميل نوفل الورتاني، بمناسبة سفر أخي محمد علي بن عثمان، الجامعي الذي يفوق عمره الأربعين، والذي يحلم بجهاد الكفرة من كثرة تقواه، وقصد سوريا مجاهدا، وقلتُ على الأثير مباشرة أنه من الشباب الذين يُذكّرون الغنوشي في شبابه، وقلت أنك المسؤول الوحيد عن دم أخي، فيما لو أهدر دمه في سوريا، وقلت أنه رسّام تشكيلي ويدرّس فنّ النّار في معهد رسمي بنابل، وقلت أنه متزوج بزميلته في الاختصاص وفي التدريس، وقلت أنه له ثلاثة أطفال، وقلت أنه تلمّ به بعض النوبات الفنية الدنكيشوتية من فرط هوسه بالطواحين، ولم أقل أن عنده ملفّ طبي اكتشفت العائلة أنه ضاع من المستشفى عندما رغبت في توكيل محام كان بالمصادفة الأستاذة إيمان الطريقي… 
***
الحقيقة أنه من طبعي المزاجي أنني أقول أشياء وأخفي أشياء أخرى إذا لم أبصرها، أمّا إذا أبصرتها بصرا أو بصيرة ألقيها إذا جاء أجلها، كما لا يخفى على نباهة خبرائك وفطنتهم في المجال. 
من ذلك، سيدي الشيخ، أنني حال سماعي بما ارتكبه أخي من أمر جلل تتزعزع له الجبال، وأترك لفهمك الشيخوخي إدراك معنى شخص يترك أمّا تتلوّى، أمّ عائلة أنا أحد أفرادها، وزوجة في مقتبل العمر، وثلاثة من فلذات أكباده الصغار، ووضعية اجتماعية مرموقة، فداء لما يؤمن به استلهاما منك ومن شيوخ أمثالك، كثّر الله من أمثالك وأباد أمثالي… سيدي الشيخ، سارعت وأنا في حالة حمّى عائدا إلى القرية بالاتصال بمن أعرف، وكل قدير وقدره. اتصلت مثلا بالسيد محمد الأزهر العكرمي وزير أمن سابق ومن أقطاب النداء، سبق له أن درس في سوريا ويعرف أجواءها. كان صديقا وكان يعرف أخي واشترى منه لوحة ذات زيارة له إلى منزل عائلتي، وانقطعت المكالمة للمشاغل العظمى في تحديد مصير البلاد التي كان يتجشمها الندائي في نداء تونس ولا يسمع إلا نداء تونس ولا أحد سواها، وكأن تونس ستكلمه من تحت اللحود… وكان في بالي أن لنا رجالا في النداء، كان الله في عونه وكان معه سيدي بن عروس، إذا عرف كيف يناديه وكيف يبخّر له… واتصلت مثلا بالزميل سمير الوافي، رجل إعلامي أبهة، من أكابر الإعلام في البلاد، وكَلِمَتُهُ مسموعة، وعشّاق صوته وصورته وقلمه بالآلاف، وحكيت له خرافتي من الألف إلى الياء وأشرت له، في حرف الشين، إلى أن راشد الغنوشي هو من تسبب فيما أصاب وما سيصيب أخي، وأن دمه في رقبة الغنوشي. وكان الزميل سمير الوافي سخيا ومساندا وخدوما ورائعا، واقترح عليّ أن أزيح من اهتمامي مسألة الشيخ راشد الغنوشي، وإذا كنت أرغب حقّا في عودة أخي سالما من ساحة الوغى في سوريا، فهو مستعدّ ليرتّب لي قهوة مع سي شفيق جراية، وسي جراية سيتكفّل بدوره من خلال أساليبه وعلاقاته العابرة للقارات باللازم منه، لإعادة أخي المجاهد في سوريا إلى أرض الوطن، دون أن يلحقه أي ضرر، فهو على سرير نفطي وجرّاية موز…
***
حين سماعي باسم شفيق جراية اختلجت. تذكّرت على الفور أن ذلك السيّد من الشخصيات العظمى التي أنجبتها الثورة، مع أن الرجل كان قبل الثورة من الشخصيات التي لها علاقات وطيدة مع الجماهيرية العظمى، والعظمة لله وحده، وتلك العلاقات وقع تفعيلها في اتجاه غير تجاري هذه المرّة، توسّعت النصبة البوعزيزية وصارت التجارة في المرئي والمسموع والمقروء، فيما يخص الإعلام، وفيما يخص السياسة الدموية فهي مسائل أخطبوطية جعلت من ليبيا رهينة لدى من أكل من ولائم القذافي، وذلك بفضل البغدادي المحمودي الذي سلّم أرقام المبالغ والأسماء بعد تسليمه للسلطة الثورية الإسلامية الليبية ومن راهن عليها من الترويكييييييا…
تخلصت من الموقف مع الزميل المخلص بالفأفأة، وبأني أعاف ذلك الشخص، لسبب بسيط، فقد عيّفني فيه زوز من الصحافيين من الأسماء القصديرية الرنّانة ـ ولا فائدة في ذكر الأسماء ـ تعلّلت بذلك فتفهّم سمير الوافي وأسمعني رنّة صوته وودّعني على خير.
***
وكنت أعرف أنفة أخي الصغير ونزعته القصووية، وأنه لن يرضى أن يتدخّل أي أحد لتخليصه من بطولته الجهادية الانتحارية التي ينوي بها محاربة الكفّار في سوريا، والموت في سبيل الله، خصوصا من أخيه الكبير في العمر الرذيل، وكنت أحترمه جدّا، من بعيد لبعيد، وأحترم قناعاته وخياراته، ولم يكن لي خيار. وبما أني شخص من قرية الصقالبة فأنا متمدّن بطبعي وأحترم أجهزة الدولة ولا أتجاوزها، وسارعت من فوري لمركز الحرس لأعلمه بما أصابنا من نائبة عائلية مدمّرة، وكنت أرجو تحديد مكان أخي، ووجدت رئيس المركز أمام المركز مع شخصيتين مهمّتين من القريّة. 
لم أزره في السجن لسببين اثنين. الأوّل، أننا في زمن ثورة، وكل شيء من وقائعها يسجّل تسجيلا يُحصي الأنفاس، ولا أرغب في أن تتقطّع أنفاسي ولا أنفاس أخي. والثاني، ما نمرّ به خلال فترة الثورة الترويكية من ضنك عيش يمنعنا من تسهيل التنقّل إلى مثل تلك الأماكن النائية، التي أتهيّبها لطبع إجرامي فيّ، كبته روائيا نهائيا منذ وعيت الجريمة وأطرافها وقضاتها ومساعديها ومحاميها ودوائرها، وتلك مسألة يطول شرحها لأنها قد تظهر كإدعاء…
***
الحمد لله، سيدي الشيخ، أن أخي طلع غانما سالما من سفرته السياحية إلى سوريا المتفجرة المرعبة، وهي نزهة تستحق التسجيل في السفرات السياحية للفنانين الكبار، دون حاجتنا للبرهنة على عبقرية الفنّ التصويري بملفّ طبيّ اختفى لأنه ليس بملف فنّان في عرف من سرقه، ولكنّ فيه رائحة البوعزيزي حسب حاسة أنفك التي لا تخطئ الروائح. وتلك حكاية لا نرغب في إثارتها بتاتا لعدم أهميتها بالمرّة في مثل هذه الوقائع الياسمينية، من السمنة، هذه المرّة، وما تدرّه من عرق وروائح وخيرات.
وكما تعرف، سيدي الشيخ، ونحن قد سبق أن تقابلنا مرّة واحدة، في حفل تأشيرة حزب نجيب الشابي في الماجستيك. قلت لي، وثالثنا المنصف السليتي، أنك تقرأ ما أكتب، فقلت لك، وأنا جذلان، “حتّى أنا أتابع ما تقوم به”، ومسكت لساني خشية شمّ رائحته التي كانت عليها آثار شارع باريس، بلا أنوار هذه المرّة… وبطبيعة الحال فقد قرأ، عبدكم الفقير دائما إلى ربّه، ما تيسّر من دهاء ساسة العرب القدامى في غبراء والبسوس وفي كل الخرائب والسوس، ولكن لم يسبق لي أن قرأت، لكثرة فقري المعرفي، دهاء مثلك دهائك، سيدي الشيخ راشد الغنوشي.
من أفضال دهائك أنه هداني الله أخيرا وعرفت مقامك، وناديتك:
ـ سيدي الشيخ، 
وذلك مباشرة إثر متابعتي الهاتفية لفرح القرية العارم، وكذا بعض وفود العواصم والمدن والمداشر المحيطة بها، واطمئنانها على أن الإسلام بخير في هذه الربوع مادام أحد جهاديي الإسلام الأبطال قد رجع سالما، حليقا، متماسكا، له صيت ورمزيّة، ينفع في تأليف عروق القلب الواحد للإسلام السياسي من نهضة وحزب التحرير وأنصار شريعة، والسلفية في الرهان، وكذا عموم الصقالبة تقريبا، وتلك مسألة حُسمت قبل الانتخابات من قبلكم، وهكذا تكون التحالفات من شيخ وسياسي يعرف كيف يكون شيخا على الميدان ورجل سياسة في مكتبه الوثير الوفير في منبليزير، مكان المتعة بالعربية الفصحى.
***
حفظه الله تعالى في كتب التاريخ بإذنه ورحمته. 
كم هو داهية..؟؟؟؟
خصوصا بالمعنى الفصيح للغة العربية القديمة وبالدّارجة المصرية الإخوانية، حتّى…
وكم أنا “في داهية”؟؟؟ 
بالمعنى المصري الفصيح، فقط. 
***
ورغم الداهية والدهاء فإنني أحمّلك دمي الشخصي، سيدي الشيخ راشد الغنوشي، هذه المرّة وليس دم أخي، الذي أنقذ بفضله تعالى وإن شاء تعالى بالعودة سالما إلى سالف نشاطه التربوي في فن النّار، اختصاصه، الذي انقطع عنه في سفرته، رغم تعليماتك الواضحة من آثار عبقريتك الداهية. إذن، فلا مهرب لك سيدي شيخ، خصوصا بعدما هتف بك التوانسة ذات هتاف تقشعرّ منه الأبدان… وأعلمك حالا، سيدي الشيخ، أن أهل قريتي من أصحاب الشهادتين العدول تعرف أنني أنطق بالشهادتين، وتعرف من أكون، وتعرف أنني “بايعها بلفتها غير السكّري”، ذلك إلى حدّ قدومكم الميمون الذي لن يغرّنا ولن نعبدك أبدا، أبدا، أبدا، جدّااااااا… وأننا مسلمون في هذه البلاد ولا نشرك بالله أحدا، على وزن جدّا، ولا نؤمن بالطواغيت أمثالك، والطاغوت عند زميلك يوسف الصدّيق هو الإله توت، في الديانة المصرية القديمة، كما تعلم يا مدرّس الفلسفة في التعليم الثانوي باللغة العربية.

***
ختاما، وبعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، خمس مرّات، والبسملة كاملة، فأننا ندعو الله بأن يحفظك عنده للأبد، وينفعنا ببركاتك مثل هذه المرّة، وكلّ مرّة، فلعلّك من صلاّح البلاد الذين يُتبرَّك بهم، مثل أولئك الذين أشار إليهم الجنرال رشيد عمار في رسالة ألغاز للشعب التونسي الشقيق. الشعب التونسي الذي خرّ مغشيا عليه إثر الثورة بفعل الإرهاق جرّاء حرب العلمانيين والإسلاميين في تونس، التي بشّر بها سيدي الشيخ راشد الغنوشي، وأهدرت طاقات البلاد ومازالت تهدر، إلى أن تحلّ بالبلاد البركات الشاملة لسيدي الشيخ برحمته تعالى.
***
وتفضل بقبول فائق تقديري واحترامي وولائي، سيدي الشيخ، ولك، إن شاء الله، زاوية في الحامّة من اللغة باسمك الذي طبقت شهرته الآفاق . 
والله من وراء القصد. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
***
تنشر هذه الشكرية في الجريدة “الصحافة اليوم” الألكترونية والورقية وفي الفايسبوك في التوقيت نفسه

Jamel Arfaoui
Présentation
مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة