Accueilالاولىتحليل اخباري : ثلاثة حواجز أمام الحكومة القادمة

تحليل اخباري : ثلاثة حواجز أمام الحكومة القادمة

نورالدين المباركي

 ثلاثة عناوين كبرى قد تجعل مهمة الحكومة المقبلة غير سهلة في الدفع نحو استقرار حقيقي تكون له تداعياته الايجابية على الوضع العام في البلاد على الأقل خلال الفترة الأولى من حكمها

هذه العناوين هي: التجاذب الحزبي والسياسي والملف الاقتصادي وتداعياته الاجتماعية وملف الارهاب ، وهي ملفات موضوعية أي غير مرتبطة فقط بارادة الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية ، انما ايضا بإرادات الأحزاب الأخرى واكراهات الواقع خاصة في الملف الاقتصادي و الاجتماعي

ليس المقصود بالاستقرار الحقيقي ، الاستقرار المطلق الذي هو غير واقعي ولا وجود له في العلوم السياسية وإدارة الشأن العام ، المقصود هو الحد الأدنى الذي يمكّن مؤسسات الدولة وهياكلها والقطاعات الانتاجية من العمل و التقدم

هذه العناوين كانت مثلت عناصر ضعف تجربة حكم ” الترويكا” التي انتهت بتدخل “الحوار الوطني” وتسليمها الحكم لحكومة غير متحزبة على قاعدة خريطة تضمنت بنودها تجاوز اخلالات الترويكا في التوزيع ألاسترضائي للمسؤوليات والسيطرة على مفاصل الدولة والتعيينات القائمة على الولاءات الحزبية

وهي دروس من المفروض أن يستوعبها الحزب الفائز في انتخابات 26اكتوبر2014 وأن تستوعبها ايضا الحكومة المقبلة رغم انها افراز لانتخابات عادية وليست انتخابات تأسيسية ويضبط مهامها دستور دائم وليس نظاما مؤقتا للسلطات العمومية  ومدة عملها خمس سنوات وليس سنة واحدة ( وان تجاوزتها الترويكا تحت تبريرات مختلفة)

*****

التجاذب السياسي والحزبي سيكون العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة وتظهر مؤشرات ذلك من خلال كل هذا المد والجزر في المشاورات والتفاوض حول طبيعة الحكومة المقبلة وتركيبتها ومواقف الحياد الكامل والحياد الجزئي والحياد العلني  والانحياز الخفي تجاه المترشحين للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية ، وكل هذا التنبيه و التحذير من مخاطر عودة الاستبداد وتراجع مساحة الحريات خلال المرحلة المقبلة

وابرز أطراف هذا التجاذب ستكون، أولا: حزب حركة نداء تونس الفائز الأول في الانتخابات البرلمانية الذي يستند للتفويض الحاصل عليه من صناديق الاقتراع والصلاحيات التي يمنحها له الدستور ، لكن هذا التفويض وحده لا يكفي لتسيير البلاد بمفرده

ثانيا: حركة النهضة التي تستند لكتلتها البرلمانية وثقلها الشعبي وتعتقد أن حضورها في المشهد العام في البلاد يجب أن يتماشى وهذا الثقل ، وتقدم ذلك تحت عنوان التوافق

ثالثا:ائتلاف الجبهة الشعبية الذي قد يحتل المرتبة الثالثة في ترتيب الكتل البرلمانية ، يحرص على ضبط فواصل بينه وبين حزب حركة نداء تونس من ناحية وحركة النهضة من ناحية ثانية على قاعدة برنامجه ورؤيته لأوليات الحكومة المقبلة خاصة في باب الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية

رابعا: السيد المنصف المرزوقي ، سواء فاز في الانتخابات أو لم يفز

من الصعب أن تتمكن هذه الأطراف الاربعة من التوافق فيما بينها بسبب التباينات السياسية والإيديولوجية وأي توافق أو تقارب ثنائي  ستكون له تداعياته على بقية الاطراف

فرضية التقارب بين حزبي حركة نداء تونس والنهضة والحكم مع بعضهما لن يقبل بها ائتلاف الجبهة الشعبية الذي يرفض أي تقارب مع حركة النهضة وأحزاب الترويكا  لمسؤوليتها السياسية في اغتيال اثنين من قادتها شكري بلعيد و محمد براهمي ، وبقاء ائتلاف الجبهة الشعبية في المعارضة داخل مجلس نواب الشعب وخارجه لن يكون مريحا للحكومة المقبلة

أما التقارب بين حزب حركة نداء تونس و ائتلاف الجبهة الشعبية  ورغم انهما تحالفا مع بعضهما في صائفة 2013 ضمن جبهة الانقاذ فإنه يعني بقاء حركة النهضة في المعارضة  وهو ما يمكنها من ربط تحالفات اخرى مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية و التيار الديمقراطي وبذلك تتحول الى تحالف قوي داخل مجلس نواب الشعب ، اضافة الى الثقل الشعبي الذي يمكن تحريكه

تقول حركة النهضة  انها اختارت المعارضة فلن تكون ” معارضة معطلة” ، لكن هذا الأمر يبدو أنه مجرد رسائل طمأنة لأن طبيعة الملفات المطروحة خلال المدة القادمة قد تدفعها لممارسة المعارضة المعطلة وستقدم ذلك تحت عنوان ” المصلحة الوطنية”

السيد المنصف المرزوقي  سواء فاز في الانتخابات الرئاسية  أو لم يفز فإنه سيكون أحد عناصر التجاذب السياسي ، في حال فوزه سيجد نفسه يتعامل مع حكومة شكلها حزب حركة نداء تونس ، ورغم انه أكد في أكثر من مناسبة أنه سيتعامل مع أي حكومة وفق الضوابط الدستورية ، لكن هذا التعامل لن يكون سهلا بالنظر للموقع الذي اختاره السيد المنصف وهو أنه” ضامن الحريات” و” ضامن لعدم عودة الاستبداد” ” و”ضامن لعدم التغول” والمقصود بذلك حزب حركة نداء تونس

******

 مسالة ” التغول” و”عودة الاستبداد”.. شعار اساسي في حملة السيد المنصف المرزوقي للدور الثاني

هذا الشعار هو بمثابة “تقدير موقف ” مبني على نقطتين ، الأولى: ان وجود حزب نداء تونس على راس السلطة التشريعية وعلى راس رئاسة الجمهورية وتشكيله للحكومة يعني “تغول وهيمنة ” هذا الحزب ، ثانيا: ان حزب نداء تونس هو ” رسكلة للتجمع الدستوري ” أو ” التجمع تحت عباءة جديدة” وبالتالي فان هيمنته على السلطة التشريعية و التنفيذية تعني عودة الاستبداد ، لأن تاريخ التجمع ارتبط بالاستبداد

“تقدير الموقف” هو في احد جوانبه رسم الاحتمالات الممكنة من خلال مؤشرات ووقائع ، ويبقى كل”تقدير موقف ” نسبي ، مهما كانت قوة القرائن والمؤشرات و الدلائل.
نظريا كل حكومة هي بالضرورة ” تسلطية” بالقانون أو بالاستبداد ، يبقى أن أهم رقيب لهذه الحكومات هو: اولا القوانين المنظمة للحياة العامة وخاصة الدستور ، و ثانيا ” السلطة الموازية” أي رقابة المجتمع المدني و الاعلام . وثبت من خلال عديد التجارب أن هذه ” السلطة الموازية” قامت بدور ريادي في التصدي للهيمنة ومقاومة الاستبداد

المشكل ان الذين يرفعون شعار الخوف من ” التغول” و”عودة الاستبداد” لا يدفعون في اتجاه دعوة المجتمع المدني ليقوم بدوره مستقبلا و ليكون يقظا ، ولا يعولون على الاعلام ليقوم بدوره عند حصول التجاوزات ،ويعتبرون أن المخرج هو انتخاب السيد المنصف المرزوقي مرة لأنه الضامن لعدم عودة الاستبداد وأخرى لحصول ” توازن بين رأسي السلطة التنفيذية”

مسألة أن السيد المنصف المرزوقي هو الضامن لعدم عودة الاستبداد ، أرى أنها تقييم ذاتي يخص أنصاره ، أما الدعوة للتوازن بين رأسي السلطة التنفذية ، فهي مخرج سياسي يمكن أن يتم ” بالتوافق في توزيع المسؤوليات” ( يسمى ايضا المُحاصصة ) ، لكنه ليس مخرجا دستوريا ، لأن رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة تقوم دستوريا على الاستحقاق الانتخابي

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة