Accueilالاولىتقرير دولي : لفهم الفساد في تونس

تقرير دولي : لفهم الفساد في تونس

الفساد في القطاع العام هو ظاهرة معقدة متعددة الأوجه ويمكن أن يتخذ أشكالا كثيرة ويظهر في مجالات شتى.  فهو يتراوح من حالات الفساد الصغيرة بين المسؤولين الحكوميين الذين يستغلون مناصبهم أو نفوذهم لتحقيق مكاسب نقدية إلى الفساد في الضغط وجمع الأموال لحملات الانتخابات الديمقراطية

ويتراوح نطاقه من المشتريات العامة إلى التعامل مع تضارب المصالح.  ويستخدم أيضا في رشوة المبلغين وهو حاضر في جميع حالات التنفيع والمحاباة وإساءة استخدام الأموال العامة

وتعاني جميع بلدان العالم من الفساد بدرجات متباينة وبأشكال مختلفة بصرف النظر عن مستواها من التنمية. وتركز مؤسسات مثل البنك الدولي كثيراعلى الفساد لسببين:: أولا، لأنه كمستثمر يجب  أن يضمن لمجلس مديريه التنفيذيين الذي يمثل البلدان الأعضاء وعددهم 188 بلدا من بينها تونس بأن أموال قروضه أو منحه التي تقدم لمشاريع إنمائية تستخدم استخداما حذرا ولا تتعرض للاختلاس

ثانيا، لأن البنك الدولي وهو مؤسسة إنمائية يعتمد على مجموعة من البحوث النظرية وعلى مجموعة من التجارب العملية حول العالم يعلم الآن أن الفساد يشل النمو والتنمية الاقتصادية.  وكما يفيد المنتدى الاقتصادي العالمي فإن تكلفة الفساد على المجتمع والقطاع الخاص عام 2010 بلغت حوالي 2.6 تريليون دولار (أو 5 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي السنوي). ولا يمكن اعتبار الفساد نشاطا اعتياديا يسهل دوران العجلات، فهو يؤدي إلى خفض معدلات النمو وزيادة التباينات والفقر، ويكافئ أسوأ الأطراف

وبعد عرض المشكلة، ينبغي إدراك أن صانعي القرار من المسؤولين الحكوميين وشركائهم في التنمية يواجهون سلسلة من العقبات والكثير من الخيارات التي يصعب في الغالب التمكّن منها ودراستها.  فما هي الأدوات والنهج الفعالة في محاربة الفساد؟ هل ينبغي تعزيز فعالية أنظمة التدقيق الداخلي – مؤسسات مثل محكمة التدقيق وهيئات التفتيش وهيئات المراجعة الداخلية والهيئات المسؤولة عن التقاضي؟ هل ينبغي إنشاء هيئات متخصصة للتعامل مع قضايا الفساد؟ هل ينبغي بذل جهود لاستخدام أجهزة الكمبيوتر على أوسع نطاق ممكن في جميع الأموال العامة وعمليات الإنفاق (الجمارك، المشتريات الإلكترونية، أنظمة الإدارة المالية المتكاملة)؟
هل ينبغي زيادة اهتمام المجتمع المدني ودوره بدعم التحالفات المدنية لمحاربة الفساد؟ هل ينبغي تدعيم مكون الأخلاقيات المهنية في تدريب وتقييم الموظفين الحكوميين أو اتخاذ خطوات لضمان أن توفر لهم رواتبهم حياة كريمة؟ هل من الضروري وجود سياسة عامة لجميع القطاعات أو استهداف الروابط الضعيفة كالصناعات الاستخراجية؟ هل ينبغي أن تغطي وسائل الإعلام العقوبات القانونية المفروضة على بعض الشخصيات الفاسدة تغطية واسعة لتحذير الآخرين ؟ هل ينبغي التركيز على الشفافية وثقافة المساءلة في القطاع العام؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فكيف يتسنى ذلك؟

قد يتمكن الأساتذة الأكاديميون من تزويدنا برؤى لزيادة فهمنا عن طريق إلقاء الضوء على الجذور العميقة للفساد. فالنظريات الاقتصادية ظلت لسنوات طويلة تركز على عملية صنع القرار في القطاع العام.  وتسمح أحيانا بوضع نموذج لسلوك الأطراف أو الاستراتيجيات السياسية  وهي تتيح قياس الأثر الاقتصادي للسلوكيات الاجتماعية كالسلوكيات المرتبطة بممارسات الفساد 

وطور باحثون في كلية باريس للاقتصاد وبالأخص ضمن كوادر “مجموعة إقتصاديات الشفافية والمساءلة”خبرة تقنية معترف بها عالميا في هذا المجال.  فعن طريق استخدام أحدث أدوات التحليل الاقتصادي، يدرسون ما إذا كانت التقنيات الجديدة تتيح محاربة الفساد أم أن الفساد في بيئة الإدارة الضعيفة يعوض القصور البيروقراطي 

هذه هي الخبرة التي تسعى كلية القانون والعلوم السياسية والاجتماعية بجامعة تونس إلى الحصول عليها بعد أن أصبح من الواضح عدم وجود منهج في التعليم العالي يركز على قضية الفساد.  ولذلك اتخذت هاتان  الجامعتان قرارا مشتركا بإنشاء برنامج للماجستير متعدد الاختصاصات في بداية العام الجامعي 2015 في تونس يستهدف الطلاب وكبار المسؤولين الحكوميين لتزويدهم بادوات تحليلية للتصدي لقضايا الفساد التي قد يواجهونها في وقت لاحق من حياتهم المهنية في القطاعين العام أو الخاص أو في السياسة أو في منظمات المجتمع المدني. فعن طريق التعليم والبحث يمكن أن نفهم الفساد وهو ظاهرة اجتماعية معقدة مما يؤدي إلى تنفيذ سياسات عامة أكثر فعالية

Jamel Arfaoui
Présentation
مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة