Accueilالاولىالباحثة أمال قرامي تتساءل :لماذا تنخرط التونسيات في الارهاب

الباحثة أمال قرامي تتساءل :لماذا تنخرط التونسيات في الارهاب

الدكتورة أمال قرامي 

يتساءل أغلبهم عن الأسباب التي تجعل المرأة التونسية المحميّة بترسانة من الحقوق، تنجذب إلى  التطرّف وتساهم في دعم الجماعات

المتشدّدة بل تسعى إلى  تصدّر قائمة أشهر الإرهابيات. يُثير هذا ‘اللغز’ استياء  وغضب واستغراب واستنكار… البعض وفضول البعض الآخر . غير أنّ طرح مثل هذا السؤال معبّر ، في تقديرنا،عن نظرة تلحّ على تنميط التونسيات وكأنّهن جميعا يحملن نفس التصوّرات، ويتقاسمن نفس الحلم، ويعبّرن عن نفس الطموح. إنّ الإقرار بأنّنا إزاء نساء تونسيات مختلفات من حيث التنشئة الاجتماعية، والخلفية الثقافية، والأيديولوجية، والانتماء الطبقي و….يفضي إلى التدرّب على قراءة الواقع المتحوّل اجتماعيا وثقافيا وسياسيا من منظور مختلف ينبذ أحادية الرؤية ويعترف بالاختلاف. ولئن استطاع النظام السابق أن يصنع سردية المرأة التونسية الأنموذج الفخورة بمكتسباتها والمؤمنة بالليبرالية والحداثة و…فإنّ التحولات التي حدثت خلال هذه السنوات الأخيرة أبانت عن سرديات أخرى ما كان بالإمكان الانتباه إلى وجودها بسبب التضييق على الحريات وواقع التعتيم الذي كان سائدا

            اليوم وقد ازيل الستار وسقطت الأقنعة وبان المستور أضحى اختلاف النساء حول المشروع المجتمعي ومكانتهن وأدوارهن مرئيا ،وصار تعدّد المشاريع والأحلام  والخطابات واضحا. ولعلّ اللغة أبانت عن هذا التنوع والاختلاف في المناظير إذ بات الحديث عن العلمانية واليسارية والليبرالية والنهضاوية والسلفية ، والإرهابية…وعلى هذا الأساس نعتبر اندفاع فئة من النساء نحو المجموعات الإرهابية إيمانا بمشروعها أو رضوخا لجبروت بعض أعضائها أمرا متوقّعا. فبالرجوع إلى مدوّنات السلفيات الجهاديات وصفحاتهن الفايسبوكية (في عديد المدن التونسية) التي ظهرت مباشرة بعد الثورة نتبيّن أنّ مناخ الحرية مكّن عددا من الفتيات من التعبير عن أنفسهن فتبادلن صور ‘المجاهدات’ في الشيشان و فيديوهات تتعلّق بنساء القاعدة ، وكيفيّة استعمال المتفجرات ، وأماكن التدريبات وغيرها من المعلومات الكفيلة بتشكيل هويّة ‘الإرهابية’، ومعنى هذا أنّ الناشطات النسويات أو الحقوقيات أو الشخصيات النسائية  القدوة في بلادنا ما عدن مؤثرات في هذه الفئة من الشابات المتعلّمات في المؤسسات التونسية. فلا أنشطة المناضلات ولا خطاباتهن في وسائل الإعلام، ولا كتاباتهن استطاعت أن تحتّل مكانة في البنى الذهنية لهؤلاء الفتيات. لقد توارت هذه الفئات التي ساهمت في الدفاع عن قيم المساواة والعدالة الاجتماعية والحريات…ونحت معالم الحركة النسائية وحلّت محلّها رموز أخرى : النساء الجهاديات في الحركات المتطرفة وشيئا فشيئا صار تصوّر علاقة المرأة بالسلاح والمتفجرات والدمار والقتل ممكنا ومتوقّعا بل مغريا لبعضهن

            تتعدّد أسباب الانخراط في النشاط الإرهابي بتعدّد الظروف التي تساهم في تشكيل حيوات النساء منها :البيئة الأسرية والمنظومة التربوية، والتعليمية وبنية العلاقات ، والبنية النفسية والمستوى الثقافي وطبيعة التجارب ، وطريقة التلقي لخطابات الدعاة والمستقطبين للشباب وأشكال التفاعل مع المواد التي تنشرها الجماعات المتشددة  في مواقع التواصل الاجتماعي أو في الفضائيات أو في غيرها من الوسائل المؤسسة للثقافة المرئية’الجهادية’ كالأفلام والفيديوهات المتوفرة على شبكة اليوتوب. وبناء على تعدّد الأسباب لا يمكن إصدار الأحكام التعميمية بشأن  سرعة استقطاب الفتيات أو تقديم تحليل معمّق لظاهرة انتماء التونسيات للجماعات الإرهابية غاية ما في الأمر أنّنا نرجّح توفّر عوامل تدفع البنت إلى اختيار طريق التطرّف. إنّه في ظلّ غياب الدراسات الاستقصائية المتعددة الاختصاصات  لا يسع الدارسين إلاّ توفير بعض القراءات  التي تساعد على فهم جزئي للظاهرة

            لقد آثر البعض التركيز على تحليل أسباب مشاركة التونسيات في الأعمال الإرهابية مؤازرة وتسويقا للمشروع ودعما لوجستيكيا أو ماليا أو حتى جسديا من منظور يصوّر المرأة على أساس أنّها ضحية : ضحية الجهل، والفقر، والعنف الأسري، والحرمان العاطفي، وانعدام التوازن الأسري ،والعزلة الاجتماعية، و….غير أنّنا نذهب إلى أنّ هذه القراءة ‘البطريكية الهوى’تخفي هيمنة التصورات التقليدية لأدوار النساء وشيوع الأحكام المنمطة كما أنّها تسعى إلى تجريد النساء من الإرادة ، وسلطة القرار وحق الاختيار وتغيّب عامل التمكين الذي أفادت منه عديد النسوة في تونس. فليس بالإمكان اليوم أن نتجاهل وجود فئة من التونسيات المتحمسات والمقتنعات والمؤمنات والراغبات في تأسيس  الخلافة الإسلامية وليس بالإمكان إسدال الستار على وجود فتيات ساعيات إلى إثبات وجودهن من خلال الانخراط في الأنشطة الإرهابية . إنّ سياسة العمى التي يصرّ بعضهم على تبنّيها لن تؤدي إلى كشف النقاب عن هذه الظاهرة المعقّدة و’المستفزّة’ والمربكة لقناعات البعض

            يخال أغلبهم أنّ مجلّة الأحوال الشخصية مثّلت دستورا ضامنا لحقوق النساء وأنموذجا تسعى بقية النسوة في العالم الإسلامي إلى تكريسه ولكن إلى أيّ مدى ساهمت هذه المجلّة في خلق ‘جهاز مناعة ‘ يمكّن النساء من الوعي بحقوقهن وذواتهن؟ وإلى أي مدى نجحت المؤسسات التعليمية في بثّ التوعية والترويج لهذه المجلة ولثقافة المواطنة؟ وإلى أيّ مدى كرّست المؤسسات الثقافية والإعلامية سياسة تخدم توعية النساء بحقوقهن؟ ألم ننتقد منذ سنوات الفجوة بين التشريعات والواقع المعيش؟ ألم تتعالى الأصوات المنددة بالعنف الأسري والرمزي والنفسي والناعم…؟ ألم تشهّر الناشطات بالاستلاب الثقافي والاقتصادي والاجتماعي الذي تتعرّض له عديد النسوة؟ ألم تعبّر عديد الكاتبات عن البؤس الاجتماعي والأمية السائدة والتهميش الذي تعاني منه شرائح من النساء؟ ألم تؤكّد الدارسات ارتفاع منسوب العنف تجاه النساء وجهل هؤلاء بأبسط حقوقهن؟ ولكنّ هذه الملفات العديدة كان ينظر إليها على أساس أنّها “شأن نسائي” قابل للتوظيف  سياسيا وإعلاميا .ولعلّ الاهتمام اليوم بملف ‘الإرهابيات’ مندرج هو الآخر ضمن هذا التوجّه

            وطالما أنّنا ننظر إلى هذه المواضيع ذات الصلة بحق المواطن/ة في العيش الكريم والآمن من خلال هذه الزاوية فإنّ معالجة الأسباب الرئيسية وراء انخراط الشباب في الجماعات المتطرفة ستبقى محدودة جدّا وشكليّة بل غير قادرة على تقديم البدائل التي تقنع فئات من الذين اختاروا الانفصال عن هذا المجتمع والارتماء في أحضان جماعات عضوية عرفت كيف تحتويهم ، وتعترف بهم، وتشعرهم بكيانهم، وتحتضنهم وتلبي احتياجاتهم وتتفاعل معهم وتصوغ لهم ثقافة وخطابات ورسائل ‘مطمئنة’.وطالما أّنّنا  ننظر إلى النساء  اللواتي تبنّين الفكر المتطرّف وعبّرن عن اقتناعهن بمشروع لا يؤمن بحقوق إنسانية كونية للنساء على أساس أنّهن ‘الآخر’، الخائن للفكر البورقيبي،  والمتنكّر للقيم الحداثية ، والغريب، الهجين،الملعون، المجرم،…  فإنّنا سنعجز عن تقديم خطابات بديلة تؤثّر في الشباب وسنكتفي بالتعجّب والتباكي والتأسّف….ومادمنا نعتبر أنّ تحوّل فئة من التونسيات المحميات بمجلة الأحوال الشخصية إلى عناصر فاعلة في التنظيمات الإرهابية موضوعا مغريا وطريفا ومثيرا بل يكاد يتماهى في ذهن بعضهم بنظرة المستشرقين إلى أجساد النساء في المشرق فإنّ جديّة الطرح والمعالجة ستبقى خافتة

            ليست المؤمنات بضرورة إقامة الخلافة الإسلامية والعمولات من أجل توسّع نفوذها ‘كائنان من كواكب أخرى’ إنّما هنّ تونسيات يمثّلن فئة تتقاسم نفس الحلم الذي دفع بمئات من الأستراليات والفرنسيات والألمانيات والأمريكانيات …إلى شدّ الرحال إلى بلاد الشامّ …وهؤلاء لم تحصنّهن قوانينهن ولم يمنعهن نمط عيشهن ولا ثقافتهن من الركض وراء  المغامرة والبحث عن أفق يغري بالعجيب والغيب…إنّ تحوّل اتجاه البوصلة من التمّسك بالمكتسبات والمطالبة بتطوير الحقوق إلى التخلّي عن كلّ هذا الرصيد المنجز والدخول في مؤسسة الحريم وما تفرضه على النساء من ممارسات وأدوار وتشكيل للهويات يعدّ في نظرنا مؤشرا على أخطر عملية تزييف للوعي في عصرنا الحاضر تقاد بوسائل تكنولوجيا متطورة جدا

المصدر – صحيفة الطريق الجديد

 

Jamel Arfaoui
Présentation
مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة