Accueilافتتاحيةأرقام ومغالطات

أرقام ومغالطات

جاءت الاحصائيات الاخيرة الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء بخصوص نسبة التضخم التي بلغت مستوى قياسيا وصل الى ٪7.7 في شهر أفريل الماضي، وبخصوص نسبة النمو التي بلغت ٪2.5 خلال الثلاثي الاول من السنة بحساب الانزلاق السنوي اي مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية و٪1 مقارنة بالثلاثي الرابع من السنة الماضية، وتلك الصادرة عن البنك المركزي المتعلقة بتطور المبادلات التجارية خلال الثلاثي الاول من السنة الجارية والتي تفيد بتطور الصادرات بنسبة ٪35.2 مقابل ٪7.4 خلال نفس الفترة من السنة الماضية ملغمة بمؤشرات متناقضة ومتضاربة فيما بينها مؤكدة حالة الانهيار التي وصل اليها الاقتصاد الوطني وفشل حكومة الوحدة الوطنية في ادارة الازمة والاصرار على اخفاء حقيقة الوضع التي يختزلها تواصل انزلاق الدينار وتواصل تراجع الاحتياطي من العملة الاجنبية الى 75 يوم توريد حسب البنك المركزي بتاريخ يوم 16 ماي 2018.
فبخصوص تطور نسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي الذي حقق تطورا بنسبة ٪1 مقارنة بالثلاثي الأخير من السنة الماضية وتطورا بنسبة ٪2.5 مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية يتضح ان هذا التطور يعزى الى اسباب ظرفية مرتبطة بموسم الزيتون وبإنتاج زيت الزيتون ليسجل القطاع الفلاحي خلال الثلاثي الاول من السنة الجارية تطورا بنسبة ٪11.9 مقابل ٪3.1 خلال نفس الفترة من السنة الماضية.
في المقابل تعرف اسعار المواد الغذائية في السوق الداخلية ارتفاعا جنونيا يشمل كل المواد المكونة لقفة المواطن من خضر وغلال ولحوم حمراء وبيضاء وبيض وحليب وزيوت، ساهمت كلها في بلوغ نسبة التضخم ٪7.7 في شهر أفريل الماضي. ولئن يعود هذا الارتفاع الى اسباب اخرى الى جانب ندرة العرض حسب التحاليل الاقتصادية فان الوضع يكشف عن معادلة مختلة بين العرض والطلب بما يؤكد هشاشة نمو القطاع الفلاحي الذي شكل قاطرة نمو الناتج المحلي الاجمالي خلال الثلاثي الاول من السنة الحالية حسب الجهات الرسمية حيث كانت مساهمة قطاع زيت الزيتون في حدود ٪16.7 في تطور القيمة المضافة لقطاع الصناعات المعملية التي بلغت ٪2.9 مقارنة مع الثلاثي الاخير من السنة الماضية.
وبالرجوع ايضا الى هيكلة القيمة المضافة لقطاع الصناعات المعملية والتي تضم قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية الذي حقق نموا بنسبة ٪5.3 وقطاع النسيج والملابس والاحذية الذي حقق هو ايضا نموا بنسبة ٪0.2 بما ساهم في تطور القيمة المضافة لقطاع الصناعات المعملية بـ٪2.4 خلال الثلاثي الاول من السنة الجارية مقابل ٪3.3 حققها قطاع الخدمات المسوّقة الذي يضم قطاع الخدمات المالية وقطاع النقل وقطاع خدمات النزل والمطاعم المقاهي، ونسبة سلبية بـ٪5.3 حققها قطاع الصناعات غير المعملية الذي يضم قطاع استخراج النفط والغاز الطبيعي والذي سجل تراجعا بنسبة ٪5.3. لابد من التساؤل حول طريقة احتساب القيمة المضافة لقطاعي الصناعات الميكانيكية والكهربائية من جهة والنسيج والملابس والاحذية من جهة ثانية اللذان ينشطان في اطار المناولة وتحت نظام التصدير الكلي (le régime off shore).
فحسب النشرية الاخيرة للبنك المركزي الصادرة بتاريخ 8 ماي 2018 حول المبادلات التجارية للثلاثي الاول من السنة الجارية فان ثلاثة ارباع (3/4) هذه الشركات هي غير مقيمة بما يعني ان مبادلاتها تتم خارج اطار قانون الصرف بمعنى انها غير مطالبة باسترجاع مداخيل صادراتنا.
كما أن هذه الشركات غير المقيمة الناشطة في مجالي الصناعات الميكانيكية والكهربائية، والنسيج والملابس والاحذية ذوو القدرة التشغيلية والتصديرية العالية تعمل في اطار المناولة وبالتالي تورّد كل موادها الاولية والتجهيزات والمواد نصف المصنعة ولا تلجأ الى السوق الداخلية لتأمين حاجياتها، لتقتصر مساهمتها في الاقتصاد الوطني على تشغيل اليد العاملة.
الى جانب ذلك فان كل عملية توريد وتصدير تقوم بها هذه الشركات لا تخضع للرقابة الدقيقة حيث يسمح لها القانون التونسي بالاكتفاء بالقيام بتصريح لدى الديوانة. ومن هذا المنطلق وفي ظل التسهيلات التي تتمتع بها الشركات العاملة في مجالي الصناعات الميكانيكية والكهربائية من جهة والنسيج والملابس الجاهزة والاحذية من جهة ثانية نتساءل عن مدى صحة ودقة الارقام التي اعتمدها المعهد الوطني للإحصاء لضبط القيمة المضافة لهذين القطاعين والتي سمحت بتضخيم مساهمتهما في القيمة المضافة لقطاع الصناعات المعملية من جهة وفي نمو الناتج المحلي الاجمالي من جهة اخرى.
في المقابل يفترض ان يكون لتطور القيمة المضافة لهذين القطاعين انعكاس ايجابي على نسبة البطالة وعلى ميزان المدفوعات باعتبار تحسن الصادرات في هذين المجالين الا ان النتائج تكشف عن استقرار لنسبة البطالة وتراجع للاحتياطي من العملة الصعبة الى 75 يوم توريد بما يكشف عن حجم المغالطات التي بنيت عليها هذه الارقام وتعمل هذه الحكومة على تسويقها لإقناع الرأي العام الوطني بجدوى الاجراءات التي اتخذتها لتحفيز الاقتصاد والتقليص من تفاقم عجز الميزان التجاري والضغط على التضخم.
ان اصرار حكومة الشاهد على مجانبة الحقيقة وعلى اتباع طريقة احتساب خاطئة لضبط القيمة المضافة للشركات غير المقيمة والمصدرة كليا، وضبط العجز الحقيقي للميزان التجاري لن يسعفها لمواصلة المشوار باعتبار اتساع الهوة بين المعاش والارقام.
ولئن تتحمل حكومة الشاهد جزءا كبيرا من مسؤولية الفشل، فان البحث اليوم عن حكومة تاسعة لن ينقذ الاقتصاد من الانهيار اذا واصلت السلطة السياسية تجاهل الاسباب الحقيقية لهذا الانهيار المرتبطة بالتشبث بمنوال تنمية يقوم على المناولة وعلى الشركات غير المقيمة والخاضعة لنظام التصدير الكلي.
ان المأزق الذي وصلت اليه لجنة الخبراء المنبثقة عن الموقعين على وثيقة قرطاج لا يعود الى عجزها عن بلورة خارطة طريق أو رسم أولويات المرحلة بل يعزى الى طبيعة الحدود التي رسمتها وثيقة قرطاج الاولى والتي جاءت وفية لمنوال التنمية الحالي الذي يقوم على خيارات سابقة انخرطت فيها بلادنا منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي في اطار برنامج الاصلاح الهيكلي الذي جاء به صندوق النقد الدولي، واستمرت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة في تنفيذه في اطار برنامج الاصلاحات الكبرى للصندوق والتي تستند الى مزيد تحرير الاقتصاد وتخلي الدولة عن المؤسسات العمومية والبنوك العمومية ومنح القطاع الخاص وخاصة الاستثمار الاجنبي كل الامتيازات.
انه لا يمكن الحديث عن تحسن في الميزان التجاري ولا تحسن للاحتياطي من العملة الصعبة.ولا تحسن لنسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي في غياب القطع مع منوال التنمية الحالي، والغاء نظام التصدير الكلي والغاء المناولة.
ان الهرولة اليوم نحو حكومة تاسعة لا تأخذ بعين الاعتبار الاسباب الحقيقية لفشل الاجراءات والخيارات ستكون لها تداعيات خطيرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي وعلى مناخ الاعمال ليترجم الى مزيد من التضخم وضرب المقدرة الشرائية وتعطيل وتدمير الانتاج.

*** بقلم جنات بن عبدالله

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة