Accueilالاولىفي انتظار زلزال مالي

في انتظار زلزال مالي

أفاد المعهد الوطني للاحصاء في آخر تقرير له حول المبادلات التجارية التونسية مع الخارج بالاسعار الجارية بتحسن نسق الصادرات خلال الخمسة أشهر الاولى من السنة الجارية مسجلة ارتفاعا بنسبة ٪27.5 مقابل ٪14.2 خلال نفس الفترة من السنة الماضية.

ومن المفارقات العجيبة والغريبة للاحصائيات التونسية في مجال المبادلات التجارية الخارجية ان هذا التحسن للصادرات لم يتبعه تقلص في العجز التجاري الذي تعمق خلال الخمسة أشهر الاولى من السنة ويبلغ 6624.5 مليون دينار مقابل 6475.1 م.د سنة 2017 حسب طريقة الاحتساب المغلوطة المعتمدة من قبل المعهد حيث ان العجز الحقيقي بلغ 10851 مليون دينار خلال هذه الفترة.

فاذا ما اعتبرنا ان الغاية من التصدير ليس التصدير في حد ذاته بل في علاقته بالاحتياطي من العملة الصعبة وما يوفره من مداخيل بالعملة الصعبة تؤمن لنا توريد حاجياتنا من النفط والمواد الاساسية مثل التغذية والادوية الى جانب التجهيزات والمواد الاولية وغيرها من المواد من جهة الى جانب ما يؤمنه لنا من امكانيات وقدرة على تسديد الديون الخارجية من جهة اخرى، يتضح من الاهمية بمكان مراعاة النظام التصديري الذي تخضع له الشركات المصدرة.

فحسب قانون الصرف التونسي فان الشركات المصدرة الخاضعة لنظام التصدير الكلي (régime off shore) غير مطالبة باسترجاع مداخيل صادراتها وبالتالي فان كل عملية تصدير تقوم بها لا تؤثر على الاحتياطي من العملة الصعبة، في حين ان الشركات المصدرة الخاضعة للنظام العام (régime général) مطالبة باسترجاع مداخيل صادراتها.

من هذا المنطلق فان دمج صادرات الشركات المصدرة الخاضعة لنظام التصدير الكلي مع صادرات الشركات المصدرة الخاضعة للنظام العام يخفي مغالطات ممنهجة، الغاية منها تضخيم حجم الصادرات مع جهات معينة، وتجاهل ضغوط ضعف الاحتياطي من العملة الصعبة وتداعياته الخطيرة على سيادتنا الوطنية والتي تترجم الى تكثيف اللجوء الى الاقتراض الخارجي.

ومن المفارقات العجيبة والغريبة ايضا للاحصائيات التونسية في مجال المبادلات التجارية الخارجية ان هذا التحسن للصادرات لم يتبعه تحسن في الاحتياطي من العملة الصعبة ليواصل الاحتياطي انحداره الى مستويات قياسية بلغت في تاريخ 8 جوان 2018 حسب البنك المركزي 72 يوم توريد والحال ان كل تحسن للصادرات يترجم الى تحسن في الاحتياطي من العملة. هذه المفارقة تخفي هي ايضا مغالطات وتلاعبا ممنهجا الغاية منه تضخيم الصادرات مع جهات معينة في حين ان هذه الصادرات الخاضعة لنظام التصدير الكلي والمنجزة في اطار المناولة ليس لها اي تأثير على الاحتياطي من العملة الصعبة كما هو الشأن مع السوق الفرنسية التي نصدر لها اكثر مما نورد منها حسب احصائيات المعهد الوطني للاحصاء لنتساءل فعليا عن طبيعة هذه الصادرات التونسية التي يتجاوز حجمها حجم السيارات الفرنسية التي أغرقت سوقنا في حين ان اغلب الصادرات تنجز من قبل الشركات الخاضعة لنظام التصدري الكلي والناشطة في اطار المناولة لنكتشف ان هذه الصادرات ليس لها اي تأثير على الاحتياطي من العملة الصعبة وليس لها أثر في ميزان المدفوعات الذي يحدد حجم العجز الجاري الذي يترجم حاجة الاقتصاد من التمويل الاجنبي.

في المقابل كشف تقرير لصندوق النقد الدولي صدر مؤخرا حول تحليل القدرة على تحمل الديون أنه ينتظر أن تبلغ نسبة الدين الخارجي لتونس خلال هذه السنة رقما قياسيا في حدود ٪81 من الناتج المحلي، وان خدمة الدين بلغت هي ايضا مستوى قياسيا في حدود ٪22 من النفقات العامة لميزانية الدولة.

وفي نفس السياق أشارت جهات مطلعة أن الكلفة السنوية لخدمة الدين في تونس تضاعفت من 3600 مليون دينار في سنة 2010 الى 7 آلاف مليون دينار في سنة 2017، وضع يفترض وقفة حازمة من قبل السلطة التنفيذية في اتجاه ايقاف هذا النزيف من العملة الصعبة الذي سيتجه الى تسديد الديون الخارجية حيث يقدر مجموع الديون التي حلّ أجل سدادها هذه السنة بـ9 آلاف مليون دينار، عوض استغلال هذا الاحتياطي في تدعيم تمويل الاقتصاد الوطني وتدعيم ميزانية الدولة في اتجاه بعث مشاريع عمومية في جميع الجهات.

ان اصرار هذه الحكومة على تجاهل حقيقة العجز التجاري وتواصل العمل باتباع طريقة احتساب مغلوطة للتغطية على حقيقة المبادلات التجارية مع فرنسا والاتحاد الأوروبي بصفة عامة والتي تنجز أغلبها في إطار المناولة ومن قبل شركات مصدرة خاضعة لنظام التصدير الكلي، كلف البلاد خسائر ضخمة وينذر بزلزال مالي خطير سيسحب البساط من السلطات السياسية لفائدة المؤسسات المالية الدولية والاتحاد الأوروبي.

ان خروج تونس هذه الأيام الى السوق المالية العالمية لتعبئة ألف مليون دولار في ظل مؤشرات مالية واقتصادية مغلوطة على غرار نسبة النمو الهشة للناتج المحلي الاجمالي للثلاثي الأول من السنة الحالية وعجز تجاري بعيد عن الحقيقة وعجز جاري لا يعكس حقيقة ميزان المدفوعات من شأنه أن يسرع في هذا الزلزال المالي الخطير الذي بدأ التونسي يشعر بقوته من خلال ملف الأدوية المفقودة في السوق التونسية وما يعنيه ذلك من تهديد حقيقي لحياة المواطن.

لقد غرقت البلاد بعد الثورة في صراعات سياسية غطت على التحديات الحقيقية التي تهدد الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وفي الوقت الذي يتطلب فيه الملف الاقتصادي والمالي اهتماما استثنائيا من قبل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والنقدية والمنظمات المهنية والنقابية في اتجاه الضغط على المديونية الخارجية وحماية العملة الوطنية والضغط على العجز التجاري والعجز الجاري بعيدا عن سياسة التقشف المزعومة والمغلوطة والمدمرة للاستقرار الاجتماعي والمهددة للسيادة الوطنية، غرق المشهد السياسي في تجاذبات سياسية وأخرى فكرية عوض الارتقاء به الى مستوى تأمين الانتقال الديمقراطي، تم تنزيلها الى مستوى «العامة» وتوظيفها لاشعال فتيل الفتنة بين أبناء الشعب الواحد وذلك على حساب الملفات المصيرية على غرار العجز التجاري وحجم الاحتياطي من العملة الصعبة وقيمة العملة الوطنية وهي ملفات استحوذ عليها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لخدمة أجندات الشركات العالمية والعابرة للقارات التي تجد في تدهور المؤشرات المالية في كل بلد مناخا ملائما للاستحواذ على خيراته تحت عناوين جديدة مثل البحث عن شريك استراتيجي وإقامة منطقة تبادل حر واتباع سياسة صرف مرنة لتشجيع التصدير واقرار سياسة التقشف للحد من عجز ميزانية الدولة…

+++ بقلم جنات بن عبدالله

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة