Accueilاقتصادالبنك المركزي يستخدم أسلحة الدمار الشامل

البنك المركزي يستخدم أسلحة الدمار الشامل

اكد مجلس ادارة البنك المركزي في اجتماعه الاخير المنعقد يوم 13 جوان 2018 على ان استمرار الضغوط التضخمية يشكل خطرا على الانتعاشة التي يشهدها الاقتصاد الوطني، وعلى المقدرة الشرائية للمواطنين ويستدعي بالتالي اتخاذ اجراءات استباقية ملائمة للحد من آثاره السلبية وذلك بتعديل السياسة النقدية في اتجاه الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي بـ100 نقطة اساسية لتنتقل من ٪5.75 الى ٪6.75.

قرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي اثار استنكار واحتجاج عديد الاطراف والفاعلين الاقتصاديين فيما اعلن الاتحاد العام التونسي للشغل عن رفضه لهذا الترفيع الذي يعمّق التهديدات المحيطة بالمقدرة الشرائية للمواطن.

فالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ولأول مرة منذ الثورة ورغم الترفيع المتواصل لنسبة الفائدة المديرية، أعرب عن استيائه الشديد من قرار الترفيع الذي ستكون له انعكاسات سلبية على تنافسية المؤسسة الاقتصادية وعلى تمويل الاستثمار بسبب الترفيع في كلفة التمويل البنكي، مكتفيا في هذا السياق بدعوة الجهات المعنية الى اتخاذ الاجراءات المناسبة لدفع الاستثمار.

من جهتها قرّرت الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية تعليق تطبيق الزيادة في نسبة الفائدة المديرية على قروض اقتناء وبناء مسكن الموجهة للأسر التونسية وخاصة منها الطبقة الوسطى وذلك لتأثر هذه الفئة بزيادة كلفة تمويل اقتناء وبناء المساكن. ولم تخف الجمعية في بلاغها هذا انخراطها في السياسة النقدية للبنك المركزي واصفة القرار بالاجراء الاساسي للحد من التضخم.

ولمزيد تفسير الاسباب التي دعت الى اتخاذ قرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي، اصدر البنك المركزي مذكرة لاحظ فيها أنه من المرجح ان يواصل التضخم نسقه التصاعدي ليناهز ٪8 كمعدل بالنسبة الى كامل سنة 2018 وهي نسبة لم يبلغها منذ 30 سنة وحدد في هذا السياق مصادر التضخم في الزيادة المشطّة للاسعار العالمية للطاقة ولاغلب المنتوجات الاساسية، وتطور التضخم لدى الشركاء الرئيسيين لتونس ونعني بذلك الاتحاد الاوروبي، وارتفاع الاجور دون تحسن الانتاجية، وتواصل العجز التجاري الى مستوى غير محتمل، والى تسارع الطلب الداخلي على الاستهلاك المتأتي من القطاع السياحي وليس من الأسر التونسية.

ومن خلال المواقف المعلنة من قبل منظمة الاعراف والجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية يتضح ان هذه الاطراف فضلت عدم المواجهة مع السلطة النقدية عوض فضح المغالطات التي اعتمدتها في تحليلها للمؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية.

فدعوة الجمعية المهنية للبنوك الى استثناء قطاع السكن وتعليق تطبيق الزيادة في نسبة الفائدة على قروض بناء واقتناء مسكن هو تأكيد على ان قرار الترفيع في هذه النسبة سيعمق الضغوط التضخمية ولن يساهم في الحد من ارتفاع الاسعار باعتبار ان الترفيع في هذه النسبة سينعكس على كلفة التمويل البنكي سواء في مستوى قروض البناء او قروض الاقتناء. ومن هذا المنطلق فان مثل هذه الانعكاسات لن تقتصر على قطاع السكن والبعث العقاري بل ستشمل كل القطاعات والانشطة الاقتصادية، وتحرك الجمعية المهنية للبنوك لاستثناء هذا القطاع فيه حيف وتكريس لسياسة المكيالين في التعامل مع الانشطة الاقتصادية والحال ان هذه الجمعية مدعوة للدفاع عن جميع الانشطة الاقتصادية، كما انها مدعوة الى التحذير من مخاطر السياسات النقدية الخاطئة والتي لا تستجيب لخصوصيات السوق التونسية.

موقف منظمة الاعراف جاء باهتا ولم يترجم حجم الصعوبات التي يعاني منها القطاع الخاص في مجال التمويل البنكي وكلفة الاستثمار، وكأنّ البلاغ جاء لتسجيل الحضور دون تغيير في الموقف او الدفع نحو المراجعة. وجاء البلاغ في صيغة سردية فاقدة لارادة التغيير والانقاذ بل انساقت المنظمة وراء اكبر مغالطة استند اليها البنك المركزي لاتخاذ قراره للترفيع في نسبة الفائدة والمتعلقة بانتعاشة النشاط الاقتصادي.

فجميع المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية تؤكد على ان الاقتصاد الوطني دخل مرحلة الركود التضخمي، وبالتالي فان الترويج لنسبة نمو للناتج المحلي الاجمالي في حدود ٪2.5 واعلان رئيس الحكومة الاسبوع الماضي عن ان نسبة النمو المنتظرة لكامل سنة 2018 ستكون في حدود ٪3 لا يمكن ان نجد له مرجعيات حقيقية، بل يدخل كله في سياق الاستهلاك الاعلامي الداخلي والخارجي أيضا.

فالسلطة التنفيذية والسلطة النقدية لا تتحكمان الا في أقل من ٪50 من الاقتصاد الوطني باعتبار ان اكثر من ٪50 ينشط في المجال الموازي، كما ان الاتصاد الوطني يقوم على التوريد وليس على الانتاج. وفي هذا السياق يلاحظ الجميع ان الحديث عن القطاع الصناعي والتصنيع غاب في الخطاب السياسي والبرامج التنموية وفي سياسة المالية العمومية للحكومات المتعاقبة بعد الثورة وحكومة الشاهد التي انخرطت في تكرار ما يمليه صندوق النقد الدولي من دمار شامل للاقتصاد الوطني من جهة، وما يمليه الاتحاد الاوروبي من شروط وما يروج له من أوهام من جهة اخرى في خرق واضح وجلي لسيادتنا الوطنية وتدخل سافر في قراراتنا السيادية التي تم تحويل وجهتها لخدمة اجندات الاستثمار الأجنبي والشركات العالمية وخاصة الناشطة في مجال الطاقة والطاقات المتجددة.

لقد اعلن الفيدرالي الامريكي (البنك المركزي الامريكي) في نهاية السنة الماضية وهذه السنة عن الترفيع في نسبة الفائدة المديرية التي اقتربت من الصفر بالمائة حيث بادر الفيدرالي الامريكي منذ الازمة المالية لسنة 2008 الى الترفيع في هذه النسبة للمرة السادسة على التوالي واخرها في مارس 2018 حيث بلغت الزيادة 0.25 نقطة أساسية ليستقر في حدود ٪1.75.وذلك لتدعيم الانتعاشة الاقتصادية ومساعدة الاقتصاد على الخروج من حالة الركود الانكماشي بمعنى ركود اقتصادي يرافقه انخفاض متواصل في الاسعار.

ما يلفت الانتباه بالنسبة الى الحالة التونسية ان قرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي يؤدي الى الضغط على التضخم والدليل على ذلك ان البنك المركزي بادر الى الترفيع في هذه النسبة استنادا الى نفس الخلفية الا انه لم يتمكن من الحد من ارتفاع الاسعار، بل ان قرار الترفيع غذّى تواصل ارتفاع الاسعار وساهم في تعطيل الاستثمار وفي مزيد تفقير المواطن التونسي.

إننا نستغرب المنطق الذي يحتكم اليه البنك المركزي لاحتواء ارتفاع الاسعار والحد من التضخم في ظل اقتصاد نصفه ينشط في المجال غير المنظم، ويقوم على التوريد الذي من شأنه ان يعمّق التضخم من خلال توريد التضخم والذي يغذيه من جهة اخرى انزلاق الدينار او التخفيض الارادي في قيمة الدينار باعتبار انه لا نجد اي تبرير علمي ولا منطقي لهذا الانزلاق الحاد للدينار مقابل تجاهل تواصل تفاقم عجز الميزان التجاري.

اننا لا نجد تفسيرا للسياسة النقدية للبنك المركزي والتي يروج لها على انها استباقية في مواجهة احتمالات منتظرة تتعلق بارتفاع الاسعار العالمية سواء للطاقة او المواد الاساسية او المنتوجات الكمالية، يمكن مواجهتها من خلال سياسات اقتصادية وجبائية وقطاعية.

ان القول بان الغاية من الترفيع في نسبة الفائدة هي ضمان الانتعاشة الاقتصادية لايمكن استيعابه باعتبار حاجة الاقتصاد الى تمويل بنكي ذي كلفة معقولة من جهة بما يفترض العمل على التخفيض في نسبة الفائدة المديرية، وباعتبار ان الانتعاشة في حاجة الى سياسة جبائية تحفيزية تقوم على التخفيض في الضرائب والاداءات ، والى سياسة قطاعية تقوم على وضع استراتيجيات قطاعية حقيقية.

موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الصادر يوم الاثنين 18 جوان 2018، عكس خطورة تداعيات قرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية محملا في بلاغه الحكومة مسؤوليتها للحد من التضخم ومواجهة ارتفاع الاسعار.

وكعادته لم يتبن اتحاد الشغل سياسة المجاملة تجاه البنك المركزي بل عبر عن رفضه لسياسته النقدية الخاطئة وغير القادرة على احتواء التضخم بل هي محدودة التأثير في ظل اقتصاد يعاني نسبة بطالة مرتفعة ونسبة نمو هشة وعجز تجاري قياسي.. بما يؤكد ان هذه السياسة النقدية لم تأت لضرورة محلية وسيادية بقدر ما هي اسقاط لاملاءات وشروط خارجية.

**** بقلم جنات بن عبدالله

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة