Accueilافتتاحيةطاحونة الشيئ المعتاد

طاحونة الشيئ المعتاد

أثار قرار مجلس ادارة البنك المركزي الصادر يوم 13 جوان 2018 والقاضي بالترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية للبنك المركزي من 5.75 % الى 6.75 % ردود افعال الفاعلين الاقتصاديين والمنظمات المهنية والنقابية تتراوح بين الرفض والاستنكار وتعليق التنفيذ فيما أقر البنك المركزي تدابير مصاحبة لفائدة المشاريع الجديدة والمنجزة من قبل المؤسسات الصغرى والمتوسطة.
قرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية جاء لمواجهة واحتواء الضغوط التضخمية المرجحة للتفاقم في الفترة المقبلة استنادا الى مؤشرات عدّدها بيان مجلس ادارة البنك وتتمثل في ارتفاع الاسعار العالمية للطاقة ولأغلب المواد الأساسية، واستمرار العجز التجاري في مستويات مشطة وارتفاع الطلب الداخلي الذي سيتأتى من القطاع السياحي.
واستنادا الى تركيبة مجلس ادارة البنك المركزي الذي يضم ممثلين عن السلطة التنفيذية مثل وزارة المالية ووزارة التجارة، يعكس قرار الترفيع وأي قرار صادر عن المجلس قناعة جميع الاعضاء الممثلين عن السلطة التنفيذية والسلطة النقدية بجدوى القرار والتزام الجميع بتحمل مسؤولية انجاحه لضمان الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد.
ولئن نقر بصعوبة احتواء الضغوط التضخمية استنادا الى احدى آليات السياسة النقدية خاصة في ظل تواصل انخفاض قيمة الدينار وانهيار المؤشرات الاقتصادية والتجارية وخاصة تواصل تفاقم العجز التجاري، فاننا نتساءل عن موقف السلطة التنفيذية وخاصة وزارة التجارة، اذ يبدو أنها ورغم خطورة الوضع، قد غرقت في متاهات التجاذبات السياسية والضغوط الحزبية الملغمة والضائعة بين مطالب بإبقاء الشاهد واقالة حكومته للدخول مرة أخرى في مرحلة اللااستقرار التي تكلف البلاد، في كل تغيير حكومي، خسائر نعجز عن تقديرها ولكن يمكن حصر نسبة منها من خلال حالة التردد وغياب الحزم في اتخاذ القرارات من جهة، ومن خلال تأجيل المصادقة على مشاريع القوانين وتنفيذ المشاريع من جهة اخرى، بما يعطل عملية تأمين متابعة الاجراءات والخيارات المتضمنة في قوانين المالية ويوفر الحد الأدنى من النجاعة والحوكمة.
في هذا السياق، ورغم تعبير مجلس ادارة البنك المركزي عن تخوفه من تواصل النسق التصاعدي للتضخم ليناهز 8 % كمعدل خلال كامل سنة 2018، حيث من المنتظر ان يبلغ 9 % خلال الثلاثي الرابع من السنة، ورغم تحديده لمصادر هذا الارتفاع ومن بينها ارتفاع نسق التوريد الذي يترجم الى توريد التضخم من جهة، وارتفاع الطلب الداخلي المتأتي من ارتفاع استهلاك القطاع السياحي من جهة اخرى، وبعد مرور اسبوع عن صدور القرار، كنا ننتظر تحركا من قبل وزارة التجارة ووزارة الفلاحة للاعلان عن اجراءات استثنائية تساند السياسة النقدية وتؤمن لها الحد الأدنى من النجاعة وتقطع الطريق امام ارتفاع رابع وخامس لنسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي.
ان صمت وزارة التجارة تجاه تواصل تفاقم عجز الميزان التجاري، وتوظيفها لنتائج موسمية وظرفية كتلك المتعلقة بتصدير زيت الزيتون للتباهي بتحسن الصادرات يخفي حقائق تضرب السيادة الوطنية والمصلحة الوطنية لخدمة اطراف خارجية ولوبيات داخلية وخارجية نجحت في ضمان تموقعها في السلطة التنفيذية.
وبقطع النظر عن التوجه السياسي والانتماء الحزبي، تقتضي المصلحة العليا للبلاد الحسم العاجل في العجز التجاري وذلك منذ الأيام الأولى من الثورة، حيث كلفنا ذلك انهيار الدينار التونسي ومزيد اللجوء الى الاقتراض الخارجي، فضلا عن تدمير منظومة الانتاج وارتفاع نسبة البطالة وتدمير مواطن الشغل، الا انه والى اليوم ورغم بلوغ عجز الميزان التجاري مستويات قياسية خطيرة لم تسارع حكومة الشاهد الى تطبيق اجراءات حمائية استثنائية مسموح بها من قبل المنظمة العالمية للتجارة ومنصوص عليها في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لسنة 1995 وبالتحديد الفصل 35.
مثل هذا الصمت ترك المجال أمام تواصل تدهور العجز التجاري وقلص من جدوى السياسة النقدية التي يفترض ان تجد في السياسات القطاعية وسياسة المالية العمومية سندا لتأمين الحد الأدنى من النجاعة.
وعلى غرار وزارة التجارة، وانطلاقا من بيان مجلس ادارة البنك المركزي الذي نبّه الى ارتفاع الطلب الداخلي المتأتي من موسم سياحي واعد واستثنائي، كنا ننتظر تحركا من وزارة الفلاحة ومختلف الوزارات والهياكل المعنية بتأمين حاجيات المستهلك من مواد غذائية ومحروقات وكهرباء وخدمات ومواد استهلاكية اخرى لطمأنة الرأي العام والقطع امام كل من يفكر في ضرب السياحة من زاوية ما يمكن ان تمثله من تهديد لمزيد ارتفاع الاسعار.
لقد كشف بيان مجلس ادارة البنك المركزي الأخير عن ضرورة تدعيم التنسيق بين السلطة التنفيذية والسلطة النقدية والعمل على توفير شروط ذلك باعتبار أن غياب وعي احزاب الائتلاف الحاكم بهذه الضرورة وتحويل هذا الوعي الى قرارات واجراءات عملية وعاجلة سيزيد في تعميق الوضع وانفلاته عن السيطرة.

*** بقلم جنات بن عبدالله

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة