Accueilالاولىجزء حلو من حقيقة مرة

جزء حلو من حقيقة مرة

سجلت نسبة التضخم عند الاستهلاك خلال شهر جويلية الماضي تراجعا الى حدود ٪7.5 بعد ان كانت في مستوى ٪7.8 خلال شهر جوان 2018 وذلك حسب المعهد الوطني للاحصاء الذي كشف عن ان هذا التراجع هو الاول منذ بداية هذه السنة في ظل اتباع نسبة التضخم نسقا تصاعديا دفع بالبنك المركزي الى اتباع سياسة نقدية متشددة من خلال الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي ثلاث مرات منذ بداية السنة كان آخرها يوم 13 جوان 2018 بـ100 نقطة اساسية لتنتقل من ٪5.75 الى ٪6.75 سبقها ترفيع بتاريخ 5 مارس 2018 بـ75 نقطة اساسية لتنتقل من ٪5 الى ٪5.75.

ان قراءة متأنية في تراجع نسبة التضخم خلال شهر جويلية 2018 تستدعي فك رموز هذا التراجع وتشخيص أسبابه وطبيعته، هذه الاسباب ان كانت ظرفية او هيكلية خاصة وان المواطن فوجئ بهذا التراجع الذي لم يلمسه في مقدرته الشرائية وفي قفته اليومية في ظل الارتفاع الجنوني لكل اسعار المواد التي تشكل قفته، إرتفاع اكده المعهد الوطني للاحصاء من خلال تعرضه لتطور الاسعار فيما بين شهري جوان وجويلية 2018 من جهة وتطور نسبة التضخم بين سنتي 2017 و2018 من جهة ثانية.

فبالرجوع الى مؤشر أسعار الاستهلاك خلال شهر جويلية 2018 يتضح ان هذا المؤشر سجل ارتفاعا بنسبة ٪0.6 خلال شهر جويلية مقارنة بشهر جوان من هذه السنة. ويعود هذا الارتفاع بالاساس حسب المعهد الوطني للاحصاء الى الزيادة التي سجلتها اسعار مواد وخدمات النقل بنسبة ٪3.1 واسعار خدمات المطاعم والنزل بنسبة ٪1.7.

في نفس الوقت أفاد المعهد الوطني للاحصاء ان مؤشر مجموعة التغذية والمشروبات قد شهدت تراجعا في شهر جويلية بنسبة ٪0.5 مقارنة بشهر جوان 2018 لأسباب مرتبطة بتراجع اسعار البيض بنسبة ٪3.2 والدواجن بنسبة ٪2.8 والخضر الطازجة بنسبة ٪2.2 والغلال الطازجة بنسبة ٪1.5، وهي الاسباب التي تقف وراء تراجع نسق وتيرة ارتفاع اسعار المواد الغذائية خلال شهر جويلية 2018 الى ٪8.3 بعد ان كان في مستوى ٪8.6 في شهر جوان 2018.

تراجع نسق وتيرة ارتفاع اسعار المواد الغذائية خلال شهر جويلية 2018 يفسر الى حد كبير تراجع نسبة التضخم عند الاستهلاك لشهر جويلية 2018 حسب المعهد الوطني للاحصاء، تفسير يبقى في حاجة الى تحليل علمي واقتصادي للتعرف على حقيقة الاسباب التي تقف وراء هذا التراجع وهل هي مرتبطة بالسياسة النقدية التي اتبعها البنك المركزي والتي اعتمدت على نسبة الفائدة لاحتواء التضخم من خلال الضغط على الطلب الداخلي بما يعني ان هذا التراجع في نسق وتيرة ارتفاع اسعار بعض المواد يعود الى تراجع الطلب والى تراجع المقدرة الشرائية للمواطن، او انها مرتبطة بسياسة الحكومة للضغط على الاسعار؟

الاجابة عن هذه الاسئلة نجدها في احصائيات المعهد الوطني للاحصاء وفي نشريته الاخيرة المتعلقة بمؤشر اسعار الاستهلاك العائلي لشهر جويلية 2018.

ان التراجع المسجل في اسعار بعض المواد وخاصة مواد مجموعة التغذية والمشروبات مثل البيض والدواجن والخضر والغلال استنادا للتغيير الشهري بين شهري جوان وجويلية 2018 يجب ان لا يخفي عنا طبيعة تطور الاسعار وخاصة اسعار هذه المواد استنادا الى التغيير السنوي.

ففي الوقت الذي عرفت فيه اسعار بعض المواد مثل البيض والدواجن والغلال الطازجة والاسماك والاجبان ومشتقات الحليب تراجعا في شهر جويلية 2018 مقارنة بشهر جوان 2018 على التوالي بنسبة ٪3.2 و٪2.8 و٪1.5 و٪0.6 و٪0.2 عرفت اسعار هذه المواد ارتفاعا كبيرا من جويلية 2017 الى جويلية 2018 على التوالي بنسبة ٪19.4 و٪21.8 و٪18.9 و٪8 و٪7.4 وهو الارتفاع الذي يسجله المواطن في قفته اليومية ويعيش على ضغوطاته.

واذا ما اعتمدنا قفة المواطن بصفة عامة ودائما حسب احصائيات المعهد الوطني للاحصاء فان الارتفاع الضعيف في اسعار كل المواد المكونة للقفة في ما بين شهري جوان وجويلية 2018 والذي تجسد من خلال تراجع نسبة التضخم خلال شهر جويلية 2018 الى ٪7.5 يقابله ارتفاع هام لاسعار كل هذه المواد استنادا الى التغيير السنوي اي اسعار شهر جويلية 2018 مقارنة باسعار شهر جويلية 2017.

ان متابعة وتحليل نسبة التضخم من خلال التغيير السنوي للاسعار يكشف لنا حقيقة تطور الاسعار وحقيقة الضغوط التضخمية الجاثمة على المواطن وعلى الاقتصاد الوطني الذي دخل مرحلة الركود التضخمي. وحسب المعهد الوطني دائما واستنادا الى التغيير السنوي للاسعار فقد عرفت مجموعة النقل اكبر ارتفاع بنسبة ٪11 مقابل ارتفاع بنسبة ٪3.1 في شهر جويلية 2018 مقارنة بشهر جوان 2018. اما المرتبة الثانية فقد احتلتها مجموعة المطاعم والنزل بتسجيل ارتفاع بنسبة ٪9.8 من شهر جويلية 2017 الى شهر جويلية 2018 مقابل ارتفاع بنسبة ٪1.7 في شهر جويلية 2018 مقارنة بشهر جوان 2018 تلتها مجموعة الاثاث والتجهيز المنزلي بنسبة ٪9 فمجموعة الترفيه والثقافة بنسبة ٪8.9 فمجموعة التغذية والمشروبات بنسبة ٪8.3 استنادا للتغيير السنوي مقابل تراجع بنسبة ٪0.5 سجلته اسعارها في شهر جويلية 2018 مقارنة بشهر جوان 2018 وهو التراجع الذي يقف اساسا وراء تراجع نسبة التضخم المسجلة في شهر جويلية 2018 والتي بلغت ٪7.5 مقابل ٪7.8 في شهر جوان 2018.

من هذا المنطلق يتضح ان القول بان نسبة التضخم قد تراجعت في شهر جويلية 2018 مقارنة بشهر جوان 2018 لا يعكس الحقيقة الكاملة لتطور الاسعار باعتبار ان التعريف الاقتصادي لنسبة التضخم يفترض متابعة تطور الاسعار على امتداد سنة كاملة وهو ما ترجمته الارقام التي اشرنا اليها والمتعلقة بكل المواد المكونة لقفة المواطن والتي كشفت ان كل هذه المواد ودون إستثناء قد سجلت ارتفاعا تراوح بين ٪0.6 بالنسبة للتبغ والمشروبات الكحولية و٪11 بالنسبة لمجموعة النقل نتيجة ارتفاع اسعار المحروقات كل ثلاثة أشهر التزمت بها حكومة الشاهد بناء على شروط صندوق النقد الدولي.

وفي غياب اجراءات ترمي الى الضغط على الاسعار، وفي ظل صمت الحكومة تجاه الارتفاع الجنوني للاسعار، يبدو ان التراجع الذي سجلته نسبة التضخم في شهر جويلية مقارنة بشهر جوان 2018 يعود الى تعديل السياسة النقدية للبنك المركزي التي اعتمدت نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي، نتيجة ستمكن البنك المركزي من الحصول على تنفيل من قبل صندوق النقد الدولي عند حلول بعثة خبرائه بتونس يوم 15 أوت الجاري.

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة