Accueilافتتاحيةتعافي افتراضي

تعافي افتراضي

مع اقتراب العودة السياسية تشهد الساحة التونسية هذه الأيام تحركات في مستوى بعض الأحزاب والمنظمات ومراكز الدراسات في محاولة منها لرسم خارطة طريق وضبط أولويات المرحلة القادمة. وقد كان للملف الاقتصادي نصيبه هذه المرة في هذه التحركات باعتبار تأزم الوضع المالي في البلاد، وتواصل انهيار المؤشرات المالية والاقتصادية والاجتماعية مقابل تصريحات صادرة عن القصبة تسوّق لتعافي الوضع الاقتصادي وتوقع تحقيق نسبة نمو بـ ٪2،9 هذه السنة ترتكز على قطاع سياحي لا أثر لمداخيله في الاحتياطي من العملة الصعبة الذي بلغ مستويات تاريخية انحدرت الى 70 يوم توريد، وعلى قطاع فلاحي لا يزال خاضعا للموسمية ويعاني من التهميش.
وفي الوقت الذي تسعى فيه بعض الأطراف وخاصة الخبراء الاقتصاديون والماليون المستقلون إلى التحذير من خطورة الوضع الاقتصادي والمالي استنادا الى تدهور رصيدنا من العملة الصعبة وتواصل انزلاق الدينار وتواصل تفاقم عجز الميزان التجاري وتفاقم عجز ميزان المدفوعات وتفاقم العجز الجاري… تتعالى أصوات أحزاب الائتلاف الحاكم كاشفة عن توقعات تواصل تعافي اقتصاد «افتراضي» بعيدا عن مؤشرات مالية مسجلة دامغة وغير قابلة للمغالطة ولا المراوغة لاقتصاد في حالة احتضار اثقل كاهل مواطن مستهلك ومنتج ترجمتها مقدرة شرائية انهارت تحت قصف ارتفاع الاسعار وقدرة تنافسية دمرها توريد منظم مكثف من جهة وتوريد عشوائي ضخم من جهة ثانية.
ما يميز الحالة التونسية في هذه المرحلة والذي يحول دون تحقيق استحقاقات الثورة انه رغم وجود هذه الثنائية وهذا الاختلاف في الاطروحات والتوجهات فان طبيعة المنظومة السياسية والاقتصادية الموروثة عن الانظمة السياسية السابقة قد تم تثبيتها بعد الثورة في غياب ارساء مسار العدالة الانتقالية المنصوص عليه بالدستور الجديد وهو ما أمّن الطريق أمام أبواق صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي في تونس للاستخفاف بعقول التونسيين والتلاعب بمصير الاجيال الحالية واللاحقة وارتهانها للخارج بطريقة ممنهجة وقانونية.
ففي الوقت الذي كسر فيه محافظ البنك المركزي كل قيود الصمت وأعلن عن اعداد البنك لدراسة حول امكانية اقتراض العملة الصعبة من التونسيين المقيمين بالخارج كحل ممكن لمواجهة التراجع «المطرد» للاحتياطي من العملة الصعبة وامكانية تأجيل خروج تونس على الاسواق المالية العالمية لتعبئة مليار دولار باعتبار تدني الترقيم السيادي لتونس، لا يتردد وزير الاصلاحات في التباهي بتعافي اقتصاد شارف على الافلاس، بمعنى امكانية عجزه عن تسديد ديونه الخارجية في ظل تدني الاحتياطي من العملة الصعبة الذي استقر في مستوى 70 يوم توريد، والاعلان بان نسبة النمو المتوقعة في سنة 2019 ستكون في حدود ٪3،5 وذلك بناء على نسبة نمو متوقعة في هذه السنة في حدود ٪2،9. كما لم يتردد وزير الاصلاحات الكبرى للاعلان عشية انطلاق الحكومة في الاعداد لمشروع ميزانية الدولة لسنة 2019 ان الحكومة تعتزم خفض عجز الميزانية في سنة 2019 الى مستوى ٪3،9 من الناتج المحلي الاجمالي وذلك بناء على نجاحها في الضغط على عجز الميزانية هذه السنة الى حدود ٪4.9 وقد جاءت هذه التصريحات في تزامن مع انتهاء بعثة صندوق النقد الدولي من مراجعتها الرابعة المدرجة ضمن مسار حصول تونس على القرض الممدد من الصندوق بقيمة 2.9 مليار دولار حيث يعتبر الضغط على عجز ميزانية الدولة احد الشروط الاساسية المدرجة ضمن برنامج الاصلاحات الكبرى.
ان نجاح الحكومة الذي يسوق له وزير الاصلاحات في الضغط على عجز ميزانية الدولة هذه السنة والسنة المقبلة سيقابله كلفة اجتماعية عالية ستعصف بما بقي من استقرار اجتماعي واقتصادي هش وظرفي باعتبار ان هذا الضغط سيكون على حساب القطاعات ذات البعد الاجتماعي وفي مقدمتها قطاعات التعليم والصحة والنقل وعلى حساب ميزانية الدعم حيث ستقدم الحكومة في شهر سبتمبر المقبل على الترفيع في اسعار المحروقات وما يعنيه ذلك من تغذية لكل مصادر التضخم.
لقد أكد وزير الاصلاحات يوم أول أمس الأربعاء 29 أوت 2018 خلال تصريحاته المستفزة ان الطريق الذي اختارته الحكومة للضغط على عجز ميزانية الدولة لا يتقاطع مع طريق المواطن التونسي الذي قطع الأمل في حكومة ألقت به في مستنقع التضخم ورداءة المرفق العمومي والخدمات العمومية بتعلة ضعف الموارد المالية للميزانية وتقليص الاعتمادات بعنوان البابين الأول والثاني من الميزانية بما طعن في جودة المرفق العمومي على غرار التعليم العمومي الذي هجره اليوم الاولياء في اتجاه القطاع الخاص بما سيشكل مصدرا اضافيا للضغط على ميزانية المواطن وتدمير مقدرته الشرائية.
اننا لا نستغرب من تصريحات من هذا القبيل بقدر ما نستغرب من اطراف تتحدث عن انقاذ اقتصاد وطني يخضع يوميا إلى تدمير ممنهج يتغذى يوميا «باصلاحات» ترى في عجز الميزان التجاري مؤشرا لتعافي الاقتصاد وفي الحصول على قروض من الخارج مؤشرا على نجاح اداء الحكومة.

+++ جنات بن عبدالله

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة