دأب اعلامنا ورجالات السياسة في منطقتنا العربية وحتى خارجها على استخدام كلمة ظاهرة تردف بكلمة الإرهاب وكانما الإرهاب حالة عابرة او حالة سنتعود عليها ونتعايش معها كبقية الظواهر التي يعالجها الطب او الظواهر الطبيعية التي يتصارع معها الانسان
لكن نسينا ان ندقق في الامر ليس من الزاوية اللغوية فحسب ولكن تغاضينا عن التمعن في تطورها للتحول من ظاهرة الى صناعة
مثل الصناعات الأخرى التي تتطلب مجهودا بشريا وخبرات وتسويق اعلامي ومسوقين وبورصات ووسطاء أيضا ومن اجل ذلك سنسعى اليوم لتشريح الامر وتقديم والشواهد
ففي تقريرصدر في جويلية 2015 لمجموعة الأزمات الدولية خلص الباحثون الذين اجروا تحقيقات معمقة حول العلاقة بين الإرهاب والتهريب في تونس وفي المناطق الحدودية المتاخمة لها وهي الجزائر وليبيا الى ان الحركات الإرهابية وشبكات التهريب دخلتا في علاقة عضوية بالمناطق الحدودية، وخاصة في المناطق التي تعرف تخلّفا تنمويا واضحا، وتوقع التقرير أن توفّر العلاقة بين الارهاب والتهريب الظروف المثلى لولادة عصابات مشتركة بين “الارهابيين والمهربين” عابرة للحدود بدرجة تنسيق عالية جدّاً”. النبوءة التي أطلقها تقرير”مجموعة الأزمات الدولية”، تحققت بالفعل بعد توالي إفادات العناصر الإجرامية التي قبض عليها مؤخّراً، حيث تبَيَن للأجهزة الأمنية والعسكرية التونسية، تورّط العديد منهم في تموين وتوفير الدعم المادي واللوجيستي للمجموعات الإرهابية، إضافة إلى تسهيل دخول السلاح للبلاد عبر الحدود التونسية-الليبية وتوفير الأدوية لها كحبوب الصداع ونزلات البرد، وخيوط الرّتق وموادّ التخدير والتّعقيم والضمادات. –
لم تتنتظر الطبقة السياسية في تونس كثيرا حتى يعلن المتفقد العام للأمن الوطني توفيق بوعون في تصريح صحفي يوم 14 سبتمبر 2015 ان تحقيقات إدارية قامت بها وزارة الداخلية اثبتت ان بعض العناصر الامنية تعاملت بصفة مباشرة او غير مباشرة مع عناصر ارهابية وهي الان رهينة الايقاف العدلي . كما أكد المسؤول الأمني ان الوزارة تعملعلى مكافحة ظاهرة التعاون مع المهربين وظاهرة استمالة الافراد من طرف بعض الجماعات المتطرفة وقد تمت احالة ملفات على مجالس التأديب للبت في وضعها .
وقبل أسبوع واحد عن اعترافات المتفقد العام للأمن الوطني انتحر عنصر خطير بمدينة ببن قردان المتاخمة للحدود الليبية التونسية بإطلاق النار على رأسه أثناء مداهة منزله فجرا من طرف وحدات أمنية ودون تبادل لإطلاق النار .
وقد تم العثور لدى هذا العنصر الصادرة ضده عدة برقيات تفتيش ومتورط في تسفير الشباب إلى سوريا وتهريب الأسلحة على مسدس ورمانة يدوية
الذي وقال رجال الشرطة الذين تابعوا الغعملية عن كثب أن الشاب الذي انتحر هو المهرب“حسن معيز” ،
يصنف ضمن أخطر المهرّبين ويوصف بـ”أمير الحدود”، و كان يدير شبكة واسعة لتهريب السلاح والإرهابيين وشبكات التسفير، وانه أدخل سلاح عملية باردو إلى تونس وأيضا سلاح عملية سوسة الأخيرة، و قام بإدخال منفّذي عملية باردو إلى تونس من ليبيا (ياسين العبيدي والخشناوي) وتكفّل بتهريب ماهر القايدي أحد العناصر الرئيسية في عملية باردو بعد العملية. وانه قام قبل ذلك بإدخال كمّيات كبيرة من السلاح وأيضا تهريب قيادات أنصار الشريعة في اتّجاه ليبي
وما تقوم به الجماعات المتطرفة في تونس ليس اكتشافا بل مواصلة لنهج خطه قبلهم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي عمل على تحويله الى صناعة اذ تمكن خلال اربع سنوات من جني 156 مليون دولار أمريكي، كعوائد على عمليات خطف أوروبيين منذ عام 2008 منها 66 مليون دولار دفعتها الدول الأوروبية
ولدى التنظيم قائمة في جنسيات الدول الغربية التي تدفع فدية والتي ترفض ذلك وهكذا يتم التعامل مع هوية المخطوفين
فمن بين الـ 53 رهينة الذين اختطفوا خلال السنوات الخمس الماضية فنسبة الفرنسيين منهم هي الثلث، أما بقية الدول مثل النمسا وإسبانيا فنسبتهم لا تتجاوز 20% والأمريكيين لا تتجاوز 5%
فرنسا – 58.1 مليون دولار
قطر وعمان- 20.4 مليون دولار
سويسرا – 12.4 مليون دولار
إسبانيا – 11.0 مليون دولار
النمسا- 3.2 مليون دولار
مصادر لم يتم تحديدها – 21.4 مليون دولار.
ولا تقوم التنظيمات الإرهابية بالضرورة باصياد فرائسها فهناك قطاع طرق من الطوارق يقومون بهذه العمليات ثم ينتقلون للتفاوض مع التنظيمات حول السعر النهائي للضحية
وبعد مقتل أسامة بن لادن وحصول الأجهزة الامريكية المختصة على الوثائق التي خلفها وراءه تبين ان القيادة المركزية في الباكستان كانت تشرف على عمليات تفاوض حول رهائن تبعد عنها آلاف الأميال وأن فروع التنظيم في المغرب العربي واليمن والصومال تقوم بالتنسيق فيما بينها وتلتزم بشروط وأصول التفاوض.
وحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمزالسنة الماضية فان جماعات القاعدة وفي محاولة منها لتخفيف المخاطر عن مقاتليها في عمليات الاختطاف وكلت جماعات إجرامية ممن يعملون مقابل عمولة، فيما يتلقى المفاوضون نسبة 10% . وخلال عمليات التفاوض يتم البحث عن طرق لزيادة قيمة الفدية، وتبدأ أحيانا بفترة صمت طويلة تهدف لخلق حالة من الفزع في داخل بلدان الرهينة يتبع ذلك ظهوره في شريط فيديو حيث يناشد حكومته بالتفاوض للإفراج عنه.
ووجد التنظيم في عملية الخطف وسيلة مربحة وسهلة خلافا لتهريب السجائر والمخدرات المحفوفة بالمخاطر والمكلفة جدا
اذ قبض سنة 2003مبلغ 200.000 دولار مقابل الرهينة الواحدة وبعد ان اكتشف ان الدول الغربية مستعدة للدفع أكثر حدد سعر الرهينة بمليون دولار وهو سعر يلتزم به الجميع .. حتى ان خلافا حادا بين مجلس شورى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومختار بلمختار بسبب عدم انضباطه للأسعار المحددة اذ وصلته رسالة مؤرخة ليوم 3 أكتوبر 2013 ، حملت انتقادات واتهامات لزعيم منطقة الصحراء في التنظيم سابقا. ومما جاء فيها أنه حصل على فدية زهيدة من وراء ”صفقة” الإفراج عن الدبلوماسي الكندي روبرت فاولر ورفيقه لويس غواي، عام 2009 بالنيجر. وتبلغ الفدية، حسب الرسالة، 900 ألف دولار
وتعد عملية انزال طائرة تحمل عشرة أطنان من الكوكايين المكسيكي في قلب الصحراء بمالي العملية الأكثر اثارة في تاريخ التهريب وتكشف أيضا عن مدى الارتباط العضوي بينه وبين الإرهاب عن شبكاته العابرة للحدود وعن دور رجال الاعمال ورجالات السياسة الفاسدين في الدول المتخلفة كما الدول المتقدمة
ففي سنة 2009 تبادلت أجهزة الاستخبارات الغربية والافريقية في العاصمة المالية باماكو ان طائرة من نوع بيونغ 727-200 نزلت في منطقة سنكريباكا الواقعة على بعد 1300 كلم شمال العاصمة المالية تحمل في بطنها 10 أطنان من الكوكايين وذخائر وأسلحة
وأول سؤال تبادر لاذهان من وصلهم الخبر كيف لطائرة بهذا الحجم وتلك الحمولة ان تحط في قلب الصحراء لكن السؤال وجد الإجابة لدى اول الواصلين الذين اكتشفوا مهبطا للطئراتاعده المهربون للغرض فيما لم يجد الا بقايا خردة للطائرة
اذ بعد التحقيقات تم اكتشاف ان أصحاب الطائرة عجزوا عن الإقلاع بسبب الكيروزان الذي وصلهم من احد المهربين بموريطانيا كان فاسدا فاضطروا للتخلي عنها بعد تفريغ حمولتها فيما تم اكتشاف ان السيارات التي بقيت رابضة امام المهبط فان لوحاتها المنجمية تعود الى دولة النيجر
اما الطائرة فهيمسجلة بغينيا بيساو وتامينها والتفقد الفني الذي خضعت له فقد تم تزييف وثائق باسم المملكة العربية السعودية
اما عن خط سيرها فقد سجل في سبتمبر 2009 في اتجاه باماكو عبر داكار
ثم غير مرة ثانية في أكتوبر ليصبح ماراكيبو بفنزويلا في اتجاه باماكو مرورا بالراس الأخضر فداكار بالسينيغال
اما الفريق الذي رافق الطائرة بين طيار ومساعده والميكانيكي فقد كانوا جميعهم من حاملي الجنسية الكولمبية
وبعد تحقيقات تواصلت نحو سنتين تمكنت الشرطة الدولية من وضع يدها على اسباني صاحب شركة للتصدير والتوريد في مالي اسمها المانيا للتصدير لها فرع أيضا في المغرب
كما تم إيقاف فرنسي يشتغل في ميدان الطيران ورجل اعمال مالي صاحب وكالة اسفار ورجل اعمال اسباني صاحب مشروع لتنمية شمال مالي تموله فرنسا
وفلاح اسباني بغرناطة باسبانيا واسباني اخر تقني في الميكانيك و30 مغربي رجلي اعمال نيجيريين وضابط كبير من غينيا بيساو ووزير تشادي سابق
لقد اثبتت هذه العملية بما لا يدع مجالا للشك بان ماحام حول الطائرة التي اطلقت عليها الصحافة المالية ” رحلة الكوكايين ” ان هذه المجموعات الاجرامية الدولية احتاجت لمساعدة الجماعات الإرهابية التي تملك سلطة على الميدان ومعرفة به مقابل جزء من المداخيل تتسلمه نقدا قبل أي تحرك وسط الصحراء الكبرى
فجزء من الحمولة التي بلغت حمولتها 10 أطنان كاف لتمويل هذه الجماعات لنحو سنة بالكامل اذا ما علمنا ان الكيلوغلرام الواحد من الكوكايين في السوق الأوروبية يتراوح ثمنه بين ال30 وال35 الف دولار .