Accueilافتتاحيةمن المستفيد من التهريب

من المستفيد من التهريب

المواجهة الدامية التي شهدها سوق سيدي بومنديل وسط العاصمة بين رجال الأمن وعدد من المنتصبين في السوق هي ليست الأولى ولن تكون الاخيرة أمام عجز السلطات عن إيجاد حلول جذرية لهذه الظاهرة التي تخرب الاقتصاد الوطني بشهادة الخبراء المحليين كما الدوليين بما في ذلك البنك المركزي التونسي وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وهو ما حمل العديد من الخبراء على التساؤل ان كانت هناك أطراف سياسية مستفيدة من هذا الوضع .

فأول أمس أكّد كاتب عام نقابة موظفي الشرطة البلدية محمد الولهازي أنّ حوالي 50 من الباعة المنتصبين بساحة «الخربة» بسوق سيدي بومنديل تجمهروا واعتدوا على أعوان الأمن ورشقوهم بالعصي والحجارة وبمواد صلبة مختلفة.

وأشار الولهازي إلى أنّ الاعتداء جاء بعد تنفيذ وحدات الشرطة البلدية بمشاركة وحدات الطريق العمومي وإقليم الأمن بتونس بحملة ميدانية للتصدي للانتصاب الفوضوي بسوق سيدي بومنديل بالعاصمة.

وأضاف أنّ الاعتداء أسفر عن إصابة 4 أعوان من وحدات الطريق العمومي والشرطة البلدية وأن ذلك استوجب نقلهم إلى مستشفى شارل نيكول بالعاصمة لتلقي الإسعافات اللازمة.

وأفاد أنه تمّ طلب تعزيزات أمنية لتفرقة الباعة المذكورين لافتا إلى أنّه تمّ ايقاف 6 أشخاص من المشاركين في الاعتداء على الأمنيين.

ولا تطال الاعتداءات رجال الأمن فقط وأعوان الشرطة البلدية بل امتدت الى رجالات الديوانة الذين يدفعون ثمنا باهظا للسيطرة على جرائم التهريب فيوم 28 أكتوبر الماضي أكد رضا النصري الكاتب العام لنقابة الديوانة أن اعوان الديوانة مواطنون تونسيون يدافعون عن الوطن وعن تونس،وقد تعرض 4 اعوان من الحرس الديواني لاصابات في سيدي حسين وهم في المستشفى ،واعوان الديوانة يتعرضون يوميا للاعتداءات.

كما اتهم المهربين والكناطرية بإحداث العنف خاصة وانهم اعتمدوا اللجوء للاحياء الشعبية وجعلها حاضنة اين اخفوا سلعهم المهربة في مستودعات وقد تم فتح تحقيق في الغرض،هذا كما ترحم على روح الفقيد أيمن مشددا على ان الرصاصة لم تكن متعمّدة.

وسياسة الكر والفر التي تعتمدها السلطات لم تأت بأية نتيجة تحسب لها بل الأمر يزداد سوءا يوما بعد اخر بعد ان شعر كبار المهربين بأنهم بمنأى عن اية ملاحقة صارمة .

وتزامنت أحداث سيدي بومنديل مع تصريحات يائسة لمحافظ البنك المركزي حول هيمنة المهربين على المقدرات الاقتصادية للبلاد اذ أكد السيد مروان العباسي خلال ندوة انعقدت الاربعاء بالعاصمة «أنّ الشيء الوحيد الذي يعمل في بلدان المغرب العربي هو التجارة الموازية».

وأضاف العباسي على هامش مشاركته في الدورة الرابعة عشرة للقمة المصرفية المغاربية تحت عنوان «تطور النشاط المصرفي : التحديات والآفاق للمصارف المغارية» أنّه رغم إقرار العديد من الإجراءات فإنّ ظاهرة التجارة الموازية مازالت مستفحلة.

العباسي لم يطرح أي حلول ملموسة لمواجهة هذا الخطر الداهم الا انه اكتفى بنفي نية التوجه لاصدار عملة جديدة بهدف القضاء على التجارة الموازية . وكان الحزب الجمهوري قد اقترح سن عفو جبائي استثنائي بالاضافة الى تغيير العملة وذلك للحد من القطاع الموازي.

ويتساءل الخبراء عن حقيقة العجز الحكومي عن ايجاد حلول خلاقة لغلق ملف التهريب والسيطرة عليه حتى ان هناك أسئلة محرجة بدأت تطرح بشكل خافت حول امكانية ضلوع أطراف سياسية تجد في التهريب مصدر تمويل لها سواء أكان ماليا ام انتخابيا والا لا شيء يفسر كل هذا العجز الصارخ .

ويجد كبار المهربين في الشباب العاطل عن العمل بمن في ذلك خريجو الجامعات مصدرا مهما لهم لتدوير عجلة اقتصادهم «الأسود».

وحسب الخبير المستشار لدى المنظمة الدولية للشغل جاك شارمس يعمل أكثر من 75 بالمائة من الشبان التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 سنة في الاقتصاد الموازي وفق ما توصلت اليه دراسة أنجزها مكتب العمل الدولي بتونس سنة 2015.

وأوضح شارمس أن الاقتصاد الموازي لا يمكن اختزاله فقط في التهريب اذ أنه يتضمن كذلك التشغيل غير المهيكل أي غير المشمول بالتغطية الاجتماعية وكذلك التشغيل بالمؤسسات الصغرى التي لا تقوم بالتصريح عن نفسها أو عن عمالها.

وأرجع شارمس تطور هذا القطاع أساسا الى الطابع الحمائي لنظام التغطية الاجتماعية المعمول به حاليا والذي لا يستهدف بطريقة محكمة المضمونين المفترضين.

ومن الأسباب المؤدية الى تطور الاقتصاد الموازي وفق ما جاء في الدراسة المقدمة النموذج الوطني للانتاجية الذي يرتكز على الانشطة ذات القيمة المضافة الضعيفة وتجارة التهريب العابرة للحدود.

وبحسب هذه الدراسة التي تم انجازها خلال سنة 2015 وشملت عشرة شبان بكل من القصرين والساحلين بولاية المنستير وحي التضامن بتونس العاصمة فانه يلاحظ أن هؤلاء الشباب يعتبرون أن العمل في الوظيفة العمومية هو الخيار الامثل بالنسبة اليهم لتحقيق طموحاتهم.

وبحسب الدراسة التي قام بانجازها ميدانيا المرصد الوطني للشباب فان الالتحاق بالوظيفة العمومية يحظى باعجاب الشباب على اعتبار ما يوفره من عوامل الاستقرار والحماية الاجتماعية رغم اعتقادهم بان الادارة تفتقد الى النجاعة المطلوبة بسبب انتشار المحسوبية والرشوة.

وبين شارمس أن استحالة الحصول على عمل في الوظيفة العمومية هو الذي يدفع الشباب الى الانخراط في الاقتصاد الموازي مؤكدا أن العمل في القطاع العام لن يحل مشكلة البطالة في تونس.

وحسب تقرير حديث لوكالة رويتر تتسبب التجارة الموازية بمختلف ولايات الجمهورية لاسيما المدن الكبرى منها في خسائر مالية ضخمة ساهمت بطريقة مباشرة في إختلال توازنات المالية العمومية قدّرت هذه الخسائر بنحو 1500 مليار سنويا دون إحتساب ما يسببه الإنتصاب الفوضوي من خسائر لأصحاب المحلات المنتصبين بصفة قانونية.

واحتلت تونس المرتبة 53 ضمن قائمة لـ84 دولة تعلقت بتصنيف البلدان وفق مؤشر اجمالي مناخ التجارة غير الشرعية الذي يعد مؤشرا لتصنيف القدرة الهيكلية أو هشاشة بلد ما للتصدي للتجارة غيرالمشروعة.

وتحصلت تونس وفق هذا التصنيف على 56 نقطة (من مجموع 100) مقابل معدل لبلدان الشرق الاوسط وشرق افريقيا في حدود 50 نقطة ومعدل عالمي يقدر بـ60 نقطة، وفق ما اعلن عنه المسؤولون بغرفة التجارة التونسية الأمريكية،يوم 28 أكتوبر الماضي بتونس خلال ندوة نظمتها الغرفة بالتعاون مع وحدة الاستخبارات الاقتصادية والتحالف العابر للحدود لمكافحة التجارة غير الشرعية وفيليب موريس الدولية.

وتمثل التجارة الموازية في تونس 35،5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وينشط 1.1 مليون شخص في اطارها مما يمثل 32 بالمائة من السكان النشيطين في القطاع غير المنظم مقابل 28 بالمائة في 2010. ويهم هذا النشاط خاصة الاشخاص، الذين لا يتجاوز سنهم 40 سنة.

ويظهر التصنيف، أيضا، أنّ 30 بالمائة من المواد المستهلكة في تونس متأتية من النشاط الاقتصادي غير المشروع. ويذكر على سبيل المثال ان المحروقات المهربة من ليبيا تمثل 17 بالمائة من الاستهلاك الاجمالي للبلاد.

ويمثل تهريب الوقود من الجزائر وليبيا إلى تونس مشكلة كبيرة، إذ يباع لتر البنزين المهرب بستة أضعاف ثمنه في البلد الأصلي بحسب البنك الدولي، فضلا عن تهريب منتجات مجهولة المصدر مثل السجائر والتي ألحقت ضررا كبيرا بالصناعة المحلية وأدت إلى غلق العديد من الشركات أبوابها.

وكشفت تحقيقات قضائية في وقت سابق أن أكثر من 120 شركة تونسية ودولية تورطت في إغراق الأسواق المحلية بالبضائع المهربة مشيرة إلى أنها كبدت خزينة الدولة خسائر تقدر بحوالي 750 مليون دولار بسبب تهربها من دفع الضرائب.

 

 

 

Jamel Arfaoui
Présentation
مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة