Accueilافتتاحيةالنفخ في قربة مثقوبة

النفخ في قربة مثقوبة

في رده على النواب الذين أبدوا مخاوف من تبعات اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمّق «الأليكا» خلال الجلسة العامة التي خصصت يوم الاربعاء الماضي 5 ديسمبر 2018 في مجلس نواب الشعب لمناقشة مشروع ميزانية وزارة التجارة، لاحظ وزير التجارة أنه لن يقع التوقيع على هذه الاتفاقية في سنة 2019 مشيرا الى أن هذه الاتفاقية يجب أن تكون فرصة أمام تونس لتأهيل القطاع الفلاحي الذي لم يقع تأهيله منذ 23 سنة، مضيفا أنه لن يقع الامضاء على الاتفاقية الا بعد القيام بتأهيل شامل على مدى عدة سنوات للقطاع الفلاحي.

في قراءة سريعة لموقفه من اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق ضرب وزير التجارة كل الانتقادات وأسقط كل المخاوف من تداعيات هذه الاتفاقية التي اعتبرها، وبالصوت العالي فرصة أمام تونس لتأهيل القطاع الفلاحي.

وقد كشف الوزير بذلك عن واقع القطاع الفلاحي في تونس، واقع يتسم بالتهميش منذ 23 سنة واليوم وبفضل الاتحاد الأوروبي سيخرج القطاع من الظلمات الى النور حيث سينعم ببرنامج تأهيل شامل على غرار ما شهده القطاع الصناعي في إطار اتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي لسنة 1995.

رد وزير التجارة كان واضحا ودقيقا ولا يحتمل التأويل، فحكومة الشاهد تنظر لهذه الاتفاقية كمنقذ للقطاع الفلاحي عكس كل التحاليل والدراسات التي تؤكد خطورتها استنادا الى حصيلة اتفاقية الشراكة لسنة 1995 في مستوى القطاع الصناعي والتصدير وخلق مواطن الشغل وديمومة المؤسسة الصناعية.

فبالنظر الى تجربة سنة 1995 في اطار اتفاقية الشراكة التي شملت انذاك تحرير القطاع الصناعي وبدرجة أقل تحرير قطاعي الفلاحة والخدمات والاستثمار، نتذكر جميعا الخطاب السياسي الذي سوّق له النظام السابق انذاك لاتفاقية الشراكة على اساس ما سيمنحه الاتحاد الاوروبي من اموال لتمويل برنامج تأهيل القطاع الصناعي حيث زرع النظام السابق انذاك الأمل لدى الصناعيين التونسيين في تطوير أساليب الانتاج واعتماد التكنولوجيا الحديثة، وتدعيم نسب التأطير وتعزيز القدرة التنافسية للمنتوج الوطني وانفتاح السوق الاوروبية امام المنتوج الصناعي التونسي ونقل التكنولوجيا بما يؤمن ديمومة المؤسسة وخلق مواطن الشغل وتدعيم التصدير وتحسين المبادلات التجارية والضغط على عجز الميزان التجاري وتعزيز الاحتياطي من العملة الصعبة بما سيعزز من نسب النمو ويحسّن المقدرة الشرائية ويقلص من نسبة البطالة ويدفع التنمية في الجهات… والقائمة تطول.

وبفضل الثورة، رفع الستار على هذه الآمال التي لم نجد لها أثرا في واقع الاقتصاد الوطني، بل تقف هذه الاتفاقية وراء الاسباب التي ادت الى خروج الشباب التونسي والشعب التونسي الى الشارع للمطالبة بحقه في العمل وفي الحياة الكريمة.

فعوض ان تتعزز مناعة القطاع الصناعي التونسي ويدخل مرحلة المنتوج النهائي ويروج لعلامته التجارية ويقتحم الاسواق الاوروبية والعالمية، وعوض ان تتقلص نسب البطالة وخاصة بطالة حاملي الشهادات العليا باعتبار تحسن نسبة التأطير ونقل التكنولوجيا وذلك بفضل برنامج التأهيل الصناعي الذي روج له كمفتاح سحري سيؤمّن القفزة النوعية والكمية للقطاع الصناعي، كما يتم اليوم في الخطاب الرسمي للترويج لاتفاقية «الأليكا»، عوضا عن كل ذلك اندثر ٪55 من النسيج الصناعي الوطني خلال الفترة بين 1996 ـ 2010 وذلك استنادا الى دراسة قام بها المعهد الوطني للاحصاء بالتعاون مع البنك الدولي وصدرت في سنة 2013، ودمّر فيما بين 300 ألف و500 ألف موطن شغل خلال نفس الفترة وحسب ذات الدراسة.

كما ان التفكيك الجمركي التدريجي على المنتوجات الصناعية المورّدة من الاتحاد الأوروبي أدى الى فقدان خزينة الدولة ما يقدر بـ 24 مليار دينار خلال الفترة ما بين سنة 1996 وسنة 2008.

ولعل ما يلفت الانتباه حقا ويدعو الى التحرك نحو فتح تحقيق بشأنه ان المؤسسات الصناعية التي استفادت من التمويل في اطار برنامج التأهيل الصناعي أغلبها ان لم يكن كلها هي مؤسسات تعمل في اطار نظام التصدير الكلي وهي شركات غير مقيمة وتنشط في اطار المناولة بما يكشف عن أن أموال الاتحاد الأوروبي ذهبت الى الشركات الأوروبية المنتصبة في تونس وتعمل في اطار المناولة وهي غير مقيمة في حين أن الشركات الصناعية ذات الاستثمار الوطني تركت كحطب وقود في سوق داخلية دمرها التوريد المنتظم والعشوائي وقضى عليها قانون صرف جائر وقانون استثمار ظالم منح كل الامتيازات المالية والجبائية للشركات غير المقيمة على حساب الشركات المقيمة.

ان دفاع وزير التجارة اليوم في مجلس نواب الشعب عن اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق ووصفها بالفرصة أمام القطاع الفلاحي الذي سيتم تأهيله بأموال أوروبية لن تذهب أبدا للتونسيين، هو دفاع يبقى غير موضوعي وفاقد للمصداقية في غياب دراسات تقييمية وطنية لتجربة سنة 1995، وفي غياب دراسات تقيّم التداعيات المحتملة لتحرير قطاع فلاحي مهمش منذ 23 سنة ينتظر تمويلا أوروبيا ملغّما.

اننا ندعو حكومة الشاهد الى التحلي بالجدية عند طرح ملف «الأليكا» والقول بان رئيس الحكومة لم يتعهد للاتحاد الاوروبي بالتوقيع عليها في سنة 2019 لا معنى له باعتبار ان الاطار القانوني والتشريعي لتطبيق اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق قد وقعت المصادقة عليه من قبل مجلس نواب منتخب من قبل شعب أمّنه على سيادته الوطنية ممثلا في قانون الاستثمار وقانون المنافسة والاسعار وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وقانون النظام الأساسي للبنك المركزي ومن خلال أيضا احياء المجلس الاعلى للتصدير واقرار الترفيع في صندوق النهوض بالصادرات.

بقلم: جنات بن عبد الله

 

 

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة