Accueilالاولىهالة وردي : الرسول توفي محبطا

هالة وردي : الرسول توفي محبطا

هالة الوردي: الرسول توفي "مُحبطا" .. التراث الإسلامي كنز محنّط

حاورَها: وائل بورشاشن (صور: محمد اكريمي)الثلاثاء 06 غشت 2019 – 09:00

من التخصّص في الأدب الفرنسي شدّتِ الباحثةَ التونسيّةَ هالة الوردي نصوصُ التراث الإسلامي، خاصة تلك المتحدّثة عن تاريخ الإسلام الأوّل، التي تناولت لحظات مفصلية من تاريخ جماعة المسلمين. وكتبت فيها، خلال السنوات الثلاث الماضية، كتابَين آخرهُما يتناول “تاريخ الخلفاء الذين لعنتهم فاطمة”.

وأثارت الباحثة هالة الوردي جدلا واسعا خلال مشاركتها في الدورة الخامسة عشرة في المهرجان المتوسّطي للثقافة الأمازيغية “ثويزا” بعدما انتقلت من تقديم “البعد المأساوي” في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الدعوة، في سياق تفاعلها مع أسئلة الجمهور، إلى طرح “أسئلة مستفزّة”، وفق تعبيرها، من قبيل: “هل محمّد حقيقة أم أسطورة؟ هل وُجِدَ فعلا؟ ما هو اسمه الحقيقي؟ وأين وُلِدَ؟ وهل مات في المدينة؟”…

وسبق أن أثارت الباحثة جدلا كان من أوجهه رأي المؤرّخ التونسي هشام جعيط في كتابها الأخير “الخلفاء الملعونون” الذي وصفه بـ”التحايل الفظّ”، وأضاف في مقال له أن المؤلّفة رغم تقديمهِا الكتاب على أنّه “تاريخ يعتمد على قراءة للمصادر والمراجع المعمَّقة.. هو في الواقع رواية تاريخية خياليّة ذات منحى إيديولوجي”، وهو نفس ما وسم به كتابها الأوّل “الأيام الأخيرة في حياة محمّد” الذي صنّفه ضمن أعمال “الروايات التاريخية والأدب الروائي”. وردّت هالة الوردي على هذا في مقال قالت فيه: “.. كنتُ أتمنّى أن أقرأ نقدا منهجيّا لعملِي، وأن تبيِّن لي مواضع الضّعف – إن وُجِدَت – حتّى أتعلّم منك وأتحسّن. بدلا عن ذلك أطلقت العنان لعدائيّة مجّانيّة تسيء إليك قبل أن تسيء إليّ”.

التقت جريدة هسبريس الإلكترونية الباحثةَ التونسية هالة الوردي، التي تروَّج دعاوى منع كتابَيها السّابقين في المغرب منذ مدّة، واستقَت آراءها في مواضيع من قبيل أسطرَة التاريخ الإسلامي، واستغلاله في بناء الشرعيات، والفرق بين تصرّفات الرسول صلى الله عليه وسلّم بالإمامة والرسالة..

ما سبب استمرار عقلية المنع إلى اليوم والذي من نتائجه منعُ كتابَيك السّابقين في المغرب؟

المنعُ دليل على الخوف، وأي سلطة.. أريد أن أتحدّث في العموميات لأنّه ليست لديّ قرائن ماديّة في ما يخصّ منع كتبي في المغرب. لكن، بصفة عامة أيّ سلطة تمارس المنع، على الفكر أو على الإبداع أو حتى على النّشاط العلمي بصفة عامّة، تتصوّر أو يُخَيَّل لها أنّها تُمارِس قوّة.

في حين أنّ هذا دليل على الضّعف، لأنه إذا كانت السّلطة تحسّ بأنّ كتابا -ما – خطرٌ عليها، يعني أنّها “إنسان” ضعيف، ومناعته ليست لها إمكانية مقاومَة كتاب، وهذا يطرح ألف سؤال.. ودائما من يمارسون القمع أو المنع والرّقابة بصفة عامة، يفضحون ضعفهم.

إذا كان الشّخص متيقّنا من نفسه، إذا سرنا بشكل طبيعي ومنطقي، لا يمكن أن يزعجهم كتاب، ولكن إذا مارست المنع فأنتَ ضعيف وتخاف حتى من كتاب.

لما يجب نزع الأسطرة عن التاريخ علما أن كلَّ الشعوب تؤسطِر تاريخَها؟

حقيقة الموضوع شائك، ويجب أن يكون موضوع كتاب. الأسطَرَة في حدّ ذاتها ليست عيبا، لأن كلّ شعب يحتاج إلى أن يكوِّن في مِخيالِه أسطورة ملحميّة لتاريخه.. مثل الأساطير الرومانية، وأسطورة “رومولوس ورموس”، و”إنياذة” فرجيل حول تأسيس روما، أو غزو الغرب في أمريكا.. كل هؤلاء يقدّمون العنف الذي مارسوه لتأسيس دولهم في صورة ملحميّة، وهذا أمر عاديّ.

لكن، الإشكال في أسطرَة تاريخ الإسلام هو أنّه وقع تمجيد العنف ومفهوم الجهاد، لأنه في القرن السابع وحتى بعده كانت كل المشاكل تحل بحدّ السّيف، وكأنّ ليس لهم خيارٌ آخر، ولم يكن عندهم لا أمم متّحدة ولا محكمة لاهاي.. فكل شيء – إذن – كان يحلّ بحدّ السّيف والبقاء للأقوى، وكانت شيئا ما غابة.

المشكل مع أسطَرَة تاريخ الإسلام الأوّل، وملحمة الخلافة وما بعد ذلك، وحتى سيرة الرسول، هو أنّه لمّا وقعت أسطَرَة هذه المرحلة التاريخية، وتمجيدها وتقديمها بصورة مثالية، مجّدنا في نفس الوقت العنف، وأصبحت ممارسته كأنّها ركنٌ من أركان الدّين، وهذا هو الخطير.

فلو ميّزنا بين ما هو أسطوري، في الجزيرة العربية في القرن السابع، شخصٌ اسمه محمّد أو قُثمّة أو ابن القاسم لأنه ليس هناك حتى اتفاق على الاسم الحقيقي للرسول، قام بشيء غيّر مسار العالم، الذي هو الدّين الإسلامي الذي مكّن النّاس الذين كانوا في الجزيرة العربية، وقد كانت قبائل مشتّتة، من أن يغزوا العالَم. وهذا حدث عظيم في حدّ ذاته. لكنّ الطريقة التي صارت بها هذه الغزوات، التي تسمّى فتوحات بينما هي في الواقع غزوات واستعمار، هو ما جعل الناس الذين يريدون استعادة ذاكرة هذا التاريخ، تعيد نفس الطريقة التي وقع بها هذا التّأسيس.

أكبر دليل على ذلك، هو داعش التي تكرّر تاريخ الإسلام الأوّل بحذافيره، وليس من الصّدفة أنّ خليفة داعش المدعو إبراهيم عوّاد اختار لنفسه اسم “أبو بكر البغدادي”، لأنه يعتبِر نفسَه كأبي بكر الصدّيق مؤسِّس الخلافة ولعودة الخلافة الأولى بأمجادها وبطولاته إلى آخره..

يتصوّر العديدون أن تاريخ الخلفاء الراشدين كان راشدا ومعبّرا عن الكمال الإنساني بينما تصوّرينه على أنه شيء آخر تماما..

أنا لا أقول شيئا آخر بل كتُب التراث الإسلامي تقول شيئا آخر، ولا أفشي سرّا عندما أقول إن الخلفاء الراشدين الأربعة ثلاثةٌ منهم قُتِلوا بطريقة فظيعة، خاصّة مقتل عثمان بن عفّان، الذي مات تقريبا كما مات القذّافي ضربا حتى الموت.

حتى مصير الرسول نفسه خصّصت له كتابا، فهل قُتِلَ الرسول؟ ومن قتلَه؟ والحقيقة أن مفهوم الخلافة الرّاشدة تأسّس بعد قرون، فبعدما كُتِبَت كُتب التراث الإسلامي بعد قرن ونصف على الأقلّ من الأحداث التي ترويها، كان من مصلحة نظام الحكم وقتها في الدّولة الأمويّة وخاصة بعد ذلك في الدّولة العبّاسية، أن يؤسّس شرعيّة دينية لحكمهم وأن تكون مرجعيّتُهم الخلافة الراشدة.

وحقيقة دون إطالة في التّفاصيل، عموما كان تمجيد الخلافة الأولى في إطار الحروبِ والصّراع على الحكم مع الشّيعة، لأنّ شرعية الحكم في اعتقاد الشيعة يجب أن تبقى في آل البيت، أي عائلة الرسول، وحتى يخلقوا منافسين لعائلة الرسول خلقوا أسطورة الخلفاء الرّاشدين الذين لهم هم أنفسهم شرعية يستمدّونَها من قربهم للرسول ومن علاقتهم المميّزَة به.

لكن، بعد دراسة الأحداث وقراءة كتب التراث الإسلامي، الجيل الأوّل من المسلمين لم تكن عنده هذه النّظرة للخلافة والدّليل على ذلك، هو أنّهم قتلوا الخلفاء الرّاشدين ومن قتَلَهم مسلمون، وصحابة.

أين تكمن أهميّة الوعي بالفرق بين تصرّفات الرسول بالإمامة وتصرّفاته بالنبوّة أو الرّسالة؟

حقيقة هناك خلطٌ بين المهمّتَين السياسية والدينية، لكن عموما، وهذا ما بيَّنَه المرحوم المفكّر السوداني العظيم محمّد محمود طه في “الرّسالة الثانية من الإسلام”، هو أنّه يمكن تقريبا الفصل بين المُهمّتَين، بين الفترة المكّيّة التي كانت فيها دعوة دينية بحتَة، وبعد ذلك الفترة المدنيّة بعد الهجرة إلى يثرب، بدأ يؤسّس وقتَها للدّولة وحتّى السّور القرآنية التي نزَلَت في تلك الفترة لها علاقة بالتّشريع وبتنظيم المجتمع الإسلامي الجديد.

لكن، في الحقيقة وهذا أكثر ما شدَّني لشخصيّة الرسول، هو أنّه أوّل نبيّ، حَسَبَ رأيي، استقال من مهمّته النّبويّة، بمعنى أن نُبوّته انتهَت قبل موتِه، وهذا ما أعلنه هو صراحة في خطبة الوداع، “اليوم أتممت لكم دينكم..”، “اللهم إني بلّغت فاشهد”، انتهى.. بمعنى أنّه إنسان قرّر أن يحيل نفسه على التقاعد. انتهت المهمّة، بلّغت الرسالة.

وعندما رجعت، لاهتمامي بصورة خاصّة بالأيام الأخيرة من حياة الرسول، وجدتُ أنّ حتّى الأحاديث التي تروى عنه في تلك الفترة يكرّر فيها كلمة “بلّغت” في العديد من المرّات، يعني بالنسبة له النبوّة انتهت، وكان هو في تلك الفترة الصّعبة من حياته لأنه واجَه صعوبات سياسية وأزمة سياسية كبيرة خاصة فشل المواجهة مع الدّولة البيزنطية الذي أثّر فيه كثيرا، وعوامل شخصية مثل فقدانه ابنه إبراهيم أشهرا قبل وفاته.

ووجد الرسول نفسه في حالة انسحاب من السّاحة، وبعدما قام بحجّة الوداع، تقريبا لم يخرج من بيته، وهذا جاء طبعا بعد المرض الذي جعلَه تقريبا سجينا لفراشه. وأهمّ شيء شدّني في هذه الشّخصيّة في فترتها الأخيرة هو بعدها المأساوي، وليس بعداهَا الديني والسياسي؛ ففي المصادر الأورثودوكسية الأكثر أهميّة للتراث الإسلامي، نرى مشاهد يأتي فيها جبريل للرسول وهو مريض ويقول له: كيف أجِدُكَ يا محمّد؟ فيقول له: يا جبريل تجدني مهموما يا جبريل تجدُني مكروبا.

وأياما معدودة قبل وفاته زار مقبرة البقيع، للدّعاء مع الأموات، وقال لهم هنيئا لكم، أقبلَت الفتن كقطع اللّيل المظلم، ومات في حالة من الحزن والأسى، وكان متشائما، ويمكن أن نعبّر على ذلك بلغتنا العصريّة بقول إنه كان في حالة إحباط، وكان في حالة كآبة.

هذا أثّر كثيرا في الوسط المحيط به، لأنه في ذلك الوقت بدؤوا يستعدّون، وخاصّة بعد خطبة الوداع التي هي فترة حسّاسة جدا ومفصليّة في تاريخ الإسلام الأوّل، لشغورٍ في السّلطة، وللاستِعداد للانقضاض على الحكم.

خلافا لدعوات القطيعة، تشدّد هالة الوردي على ضرورة الرجوع إلى التراث وقراءته والتمكّن من مضامينه، لم ذلك؟

طبعا، أنا دائما أقول إنني أَعتَبر نفسي أصوليّة سلفيّة، لكنّني سلفيّة أصولية؛ لأنّ التقدّم والتطوّر بالنّسبة لي لا يمكن أن يحصل بالقطيعة مع الماضي، بل بإعادة صياغته، لأن كلّ فترة تاريخية تحتاج إلى إعادة قراءة وكتابة ماضيها، ولا يمكن لنا تطوير نظرتنا للإسلام دون عودة إلى التراث الإسلامي، لا لتكراره وتلاوته بل لقراءته قراءة نقديّة.

وحقيقة تجربتي المتواضعة في هذا المجال كانت ثريّة جدا، ومنحتني ثراءً شخصيّا، لأني اكتشفتُ كنوزا في كُتُب التراث، لأن من كتبوا هذه الكتب رغم الجانب التّمجيدي للفترة.. تحسّ بأنّهم مفكّرون وعُلماء، وتشعُر بأنّ عندَهم رسالة، وأنّه من اللازم أن يبلّغوا جزءا من الحقيقة التّاريخية.

وكأنّهم في جزيرة معزولة، ويرمون قارورة في البحر، ولا بد أن يجد أحد ما القارورة، ويقرأ الرسالة الموجودة فيها. وأعتبِر أنّ التراث الإسلامي كنزنا الذي حنّطناه، وهو صندوق كبير أغلقْنَاه وتناقلنَاه كعبء، وما أقترحه هو أنّ هذا التراث الإسلامي الذي يوجد في صندوق كبير فيه كتبٌ رائعة، يجب أن نضعه على الأرض ونفتَحَه ونقرأه، لا أن نحمِلَه كعبء فوق ظهورنا.. وقد تعبنا..

ولنقارن بين النّهضة الأوروبية التي لم تقع لأنّ إصلاحا دينيا وقعَ بل العكس، حركة الإصلاح الديني تولّد عنها عنفٌ كبير وفظيع، بل ما صار في النهضة هو أنّهم عادوا للنّصوص القديمة؛ أي نصوص الإغريق والرومان وأعادوا قراءتها، وترجمتها، وأعادوا كتابتَها. وأدعو إلى العودة إلى التراث الإسلامي.

كيف انتقلتِ من التخصّص في الأدب الفرنسي إلى البحث في تاريخ الإسلام المبكّر؟

أنا لم أغيّر الاختصاص، ولكن في البداية كان هذا مشروع قراءة، فاختصاصي ودراساتي الأكاديمية أبعدَتني قليلا عن اللغة العربية، لكن منذ صِغَري كنت أحبّ القراءة بالعربية، ولمّا أكملت واجباتي الأكاديمية في الجامعة في مجال اختصاصي، أحسست بنفسي لا أزال شابّة نوعا ما، وقلت إنه عليّ أن أعود إلى النّصوص العربية، وكان عندي حبّ اطّلاع شخصيّ، وهو أن أقرأ السّير والصّحاح، لأنني كنت أسمع مثل الجميع وأقول ما هو الصحيح؟ وما هو الخاطئ؟ وقلتُ دعني أميّز لأنني إنسانة تعتبر نفسها مكوَّنَة، وعندي الآليات التي تُخوّل لي التّمييز بين الغثّ والسّمين.

وكان هذا مشروع قراءة، بدأت معه في كتابة ملحوظات، بحكم العمل الأكاديمي الذي يجعلنا نأخذها دائما، واتّضح لي أن الفترة الأخيرة من حياة الرسول أخذت عنها مقولة ومصادر.. واهتممت بها، وفي حديث مع الأصدقاء سألتهم هل هناك كتاب عن حياة الرسول؟ فقالوا لي لا، هناك كتب عن حياة الرسول، فقلت لهم إنني أريد كتابا مخصّصا لوفاة الرسول.. فبعد نفيهم وجوده، قلت لهم دعوني أقم بمحاولة.

ومن حسن حظّي أنّي وجدت حولي أناسا شجّعوني فعلا، لأن الأمر كان محاولة بسيطة، لصياغة هذه الفترة التي تمتدّ لفترة تقلّ عن سنة، وهي التي تناولتها في كتابي الأوّل “الأيّام الأخيرة لمحمّد”، وتمتدّ من خريف 631 إلى يناير 632. ومن حسن حظّي أنني لما أعطيت للأصدقاء محاولَتي شجّعوني على أن أنشرها، وبعد التجاوب الكبير من القرّاء، دفعني إلى أن أُثابِرَ وأُواصل على هذا الطّريق، وأزيد في البحث أكثر في تاريخ الإسلام الأوّل.

كيف سيتمّ نزع الأسطرة عن التاريخ الإسلامي بينما تستند عليها مجموعة من المكوّنات السياسية في شرعيتها؟

هذا توظيف، طبعا، فاضح وسافر للتاريخ الإسلامي، ومصادرة له، فيأتي شخص ويتحدّث معك وكأنّ عنده تكوين من عند ربّي، فيكون هو حزب الإسلام، وهو الذي سيساهم في إعلاء راية الإسلام. وهذا ليس خاصّا بالدين الإسلامي بل التّوظيف السياسي للدين موجود، وحتى التوظيف السياسي لبعض النّظريات الفكرية، مثل الشيوعية التي وظّفت سياسيا نظريّة ماركس للتاريخ “الماديّة الجدليّة”. فهذا ليس شيئا جديدا.

لكن الحقيقة أن الصّدمة بالنسبة إلى العالَم الإسلامي، لما يكتشف أنّ هناك أُناسا ينبشون في هذا الماضي، وأنّ هناك أناسا يحاولون إخراج الجانب الواقعي، الذي ليس مظلما ولا مضيئا، لأننا نبحث عن الواقعية في التاريخ: أي ماذا صار بالضبط.

ولما أقول إن أبا بكر الصّدّيق وعمر ابن الخطّاب لم يحضُرا جنازة الرسول، فذا موجود في كتب التراث الإسلامي، ومن له عكس ذلك فليتفضّل.

ولأعود إلى سؤالك، التوظيف السياسي للدين هو سلاح الضعيف، فليست لك شرعية شعبية لأنك لست منتخَبا، وليست لك شرعية عائلية.. وليست لك شرعية اقتصادية برأسمال أو إمبراطورية اقتصادية تجعلك تحاول الوصول إلى الحكم، والدين يبقى دائما سلاح الضّعيف لأنه يدخل للناس من العاطفة، ويؤثِّرُ عليِهِم، وخصوصا المؤمنين؛ لأن لديهم دائما غيرة على دينهم. ولذلك يستعمَل الدّين كفزّاعة: الإسلام في خطر، الإساءة إلى الإسلام، الإساءة إلى الرسول.. حتى يحرّكوا مشاعر النّاس، ويقع بتلك الطّريقة السّيطرة على عقولهم.

فيكون الدخول إلى الناس من قلوبهم ليصلوا إلى عقولهم ويخدِّروا فكرَهم، ويُنسونَهم أنّهم مواطنون، وأنّ لهم حقوقا وواجبات، وما يهمّهم هو حقّ الدّين قبلَ حقّ الإنسان.. وكأنّ الإنسانَ خُلِقَ لا للعيش الكريم، بل لِنُصرة الدّين، بينما العكس هو الصّحيح، لأن الدّين وُجِد ليُوفّر للإنسان العيشَ الكريم.

ألا ترين أنّ مسار “نزع الأسطرة عن التاريخ” سيؤدّي إلى اصطدام مع الأنظمة التي تبني شرعيتها على هذا التّاريخ المؤسطَر؟

طبعا، ومن اللازم أن تصطدم، لأنّه لا محالة من الصّدام، فالقطيعة مع الأنظمة التي تستغِلُّ الدّين وتوظِّفُه لإضفاء شرعيّة على من لا شرعيّة له، لا محالة منها. ولا نفرُّ منه.

وفي بعض الأحيان، أقول إننا نعيش في عالَم عنيف، ولكنّنا ضحايا العنف، فدعونا على الأقلّ ندخل المعركة، ودعونا نصطدم، وليستلَّ كلٌّ سلاحَه. هم عندَهم المدافع الرشّاشة، ونحن لدينا الأقلام، وأنا متأكّدة أنّ القلم أخطر بكثير من المدفع الرّشّاش. وإلا لما قتلوا المفكّرين، ولما سجنوهُم، ولما حرقوا كتُبَهَم.

في الحقيقة، الاصطدام الذي عبّرتَ عنه، شيء حميد، والتغيير لن يقَع بباقات الزهور، وهي معركة ستكون شرسة، ولكنّ البادي أظلم.

لماذا يُحصَر تاريخ الدول المغاربية في تاريخ الوجود الإسلامي بها، مع تناسي مكوّناتها التاريخية الأخرى؟

هذه هي المعضِلَة، خاصّة في منطقة المغرب العربي، فكأنّ التاريخَ بدأ بالفتوحات الإسلامية.

ونحن مثلا في تونس، لا نعيش القطيعة مع ما قبلَ الإسلام، لأن عندنا أسطورة قرطاج، التي جعلت نوعا من التّوازن يقَع، لأن عندنا تاريخا، ودولة إمبراطورية عظيمة تاريخ تأسيسها من قدوم علّيسة من الدولة الفينيقية، وهي أسطورة كانت في حجمِها وثقلها يمكن أن تحدث توازنا مع الفتوحات الإسلامية.

ففي تونس ليست عندنا هذه القطيعة الكبيرة مع الماضي، فكلّ من يجيء إليها يجد في متحف باردو الآثار الرومانية، وفي الوقت نفسه يوجد جامع الزّيتونة أو جامع عقبة بن نافع في القيروان؛ فهناك توازن.

ومن حسن حظِّنا أنّ دولة قرطاج تأسّست في تونس. ويمكن أن الوضع مختلف -في أماكن أخرى-، كما أنّ مصر لديها الحضارة الفرعونية التي خلقت توازنا جعل المصريّين لا يقولون إنّ تاريخنا بدأ مع الإسلام، بل نحن بلاد حضارة قبل الإسلام.

*** هسبريس

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة