لو أسلمنا بما هو معلن الى حد اليوم فان رئيس حركة النهضة يبحث عن اخر العجزات لتشكيل حكومته المنتظرة فحركة النهضة التي جاءت في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لم تتمكن الى حد اليوم سوى من اقناع حزبين اخرين وافقا على تراؤسها للحكومة التي ستدعى لتشكيلها وهذا لن يمنحها اضافة الى مقاعدها ال52 سوى 24 مقعدا اضافيا 21 لائتلاف الكرامة و3 للاتحاد الشعبي الجمهوري وهو ما يضعها امام مأزق كبير خاصة وان بقية الاحزاب الاخرى ترفض ماتسوقه الحركة اليوم من مطالبة برئاسة الحكومة مستندة في ذلك بأحكام الدستور ولكن الواقع الذي أفرزه صندوق الاقتراع يحرمها من التلويح بذلك الى ما لا نهاية فالوقت يمر وامامها سوى اسابيع قليلة قبل المرور الى الخيار الاخر الذي يفرضه الدستور فالحركة اعلنت قبل وبعد الاعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية وبقرار من مجلس الشورى انها لن تتحالف تحت اي ظرف من الظروف مع قلب تونس الذي وضعته الصناديق في المرتبة الثانية بحصوله على 38 مقعدا حتى ان هذا الاخير قالها مرارا وتكرارا انه لن يكر أخطاء الترويكا التي انتهت باندثار حزبين تحالفا مع الحركة وهما التكتل والمؤتمر حتى ان قلب تونس قدم مقترحا حسم فيه امره عبر هياكله العليا مقترحا “حكومة كفاءات تترأسها شخصية مستقلة وذات كفاءة اقتصادية و حولها إجماع” وبالتالي اقصاء حركة النهضة من رئاسة الحكومة ومن الحكومة أيضا بل انه ذهب الى ابعد من ذلك وهو يقدم مرشحا لرئاسة البرلمان وهو الموقع الذي يتطلع اليه راشد الغنوشي لحفظ ماء وجهه في حالة استحالة تراؤسه للحكومة ارضاء للثوريين داخل الحركة .
مقابل ذلك يبدو ان الأبواب أصبحت مغلقة في وجه الحركة التي سعت الى ترويض التيار الديموقراطي وحركة الشعب اللذين مازالا متمسكين بموقفيها السابقين فالأول يقترح رئيس حكومة من خارج النهضة مع حصوله ثلاث وزارات هي العدل و الداخلية و الاصلاح الاداري
اما الثاني فقد ذهب بعيدا وهو يقترح ” حكومة الرئيس” وهي حكومة يتشاور حولها رئيس الجمهورية قيس سعيد مع رفض ترؤس النهضة للحكومة الجديدة
حتى حزب الرحمة الذي يعتبر الأقرب الى حركة النهضة عقائديا فقد نأى بنفسه عن حكومة النهضة المرتقبة وهو يؤكد على اختياره لمقعد المعارضة رافضا اي تحالف مع حركة النهضة
وهذا الوضع المعقد جعل الحركة في حالة ارتباك قصوى عبر عنه كل من لطفي زيتون وعبداللطيف المكي وهما قياديان بارزان في الحركة الا ان موقفيهما الاخيرين متنافرين الى حد بعيد فلطفي زيتون لا يرى اي حرج في التحالف مع الحزب الدستوري الحر الذي لم تتوقف قيادات الحركة بوصفه بالحزب الفاشي اما عبداللطيف المكي فانه مازال متمسكا باستبعاد اي نقاش حول حكومة تقودها شخصية مستقلة وهو حسب ما اجمع عليه الكثيرون المخرج الوحيد لاستبعاد شبح اعادة الانتخابات
فبالأمس قال زيتون زيتون في مداخلة على قناة التاسعة انه من الخطا استثناء الحزب الدستوري الحر وقلب تونس مضيفا “لم اكن موافقا على هذا الامر في الحركة”.
وأضاف لطفي زيتون ” لقد اخطانا في عدم اشراك تيار المحبة في 2011 في المشاورات المتعلقة بالحكومة واليوم نعيد نفس الأخطاء”.
وتابع قائلا ” من هي حركة النهضة حتى لا تتشاور مع ممثلي جزء من الشعب التونسي مهما اختلفنا معهم سياسيا ومن هم حتى يرفضون توليها رئاسة الحكومة “هل نحن يهود””.
اما المكي فقد حذر مما اعتبره ” محاولات ممنهجة لاستبدال القوى السياسية بمستقلين مع احترامي للمستقلين المناضلين. كيف يضمن المستقلين تسييرا منسجما للدولة و من نحاسب إذا فشل المستقلون و ما هي نسبة المستقلين في الديمقراطيات الاروبية و الامريكية و حتى الإفريقة و الآسيوية؟
الشعب لم ينتخب المستقلين فمن بين قرابة 1400 قائمة مستقلة لم ينتخب الا12 نائبا و البقية أحزاب و ائتلافات.
للأسف البعض يسقط في هذه الفخاخ ”
ومثل هذه التصريحات لا تشير فقط الى المأزق الذي وقعت فيه حركة النهضة فقط بل الى مأزق اعمق من ذلك بكثير ويهم الوقاع السياسي الذي تعيشه البلاد في ظل نظام انتخابي هجين وهو ما عبرت عنه بالأمس أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي ” أنّ طبيعة الانتخاب هي السبب الرئيسي في تشظي المشهذ السياسي الذي قالت انه يسمح بمثل الضبابية القائمة. وتابعت “غياب الأغلبية المريحة لحزب ما ضمن الأطراف الفائزة في الانتخابات الأخيرة يجعل من تشكيل الحكومة رهانا صعبا وقد يستحيل ذلك إذا لم تنجح التحالفات والتوافقات لتحقيف ذلك. حينها، وبعد انتهاء فترتي الاستجابة باختيار شخصية ترشح لرئاسة الحكومة يصبح لزاما على رئيس الجمهورية اختيار الشخصية المناسبة بعد التشاور مع الأطراف السياسية المعنية بذلك وهو ما ينصّ عليه الدستور ولا مناص منه. وفي حال نجح رئيس الجمهورية في الفوز بموافقة تلك الأطراف ينظر مجلس نواب الشعب في ذلك الاختيار فيزكيه أو يرفضه.”
وأشارت القليبي الى أنّ الحكومة والبرلمان القادمين “معنيان بإعادة النظر في جملة من القوانين التي ستمكّن من تجاوز الوضع التشريعي الحالي إذا اقتنعت الأطراف الفاعلة بضرورة تلك المراجعة” مشددة على ان الانتخابات التشريعية الأخيرة أفرزت مشهدا مفتتا إلى أقصى حدود التفتت وعليه لا بدّ من التفكير في حلّ تشريعي بعد تدارس المسألة بتأنّ.