Accueilالاولىتوفيق بكار يكتب عن الهادي نويرة :ما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه...

توفيق بكار يكتب عن الهادي نويرة :ما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه القامات

المرحوم الهادي نويرة مناضل من الرعيل الأول أفنى حياته في خدمة البلاد و مصالحها العليا. ناضل من اجل استقلال تونس و كان من بناة دولة الاستقلال حيث اشرف على تركيز البنك المركزي و النظام البنكي و إحداث العملة الوطنية.و هو من المسؤولين الذي كان بالرغم من حسّه السياسي و نضالاته في هذا المجال واعيا بأن الاستقلال لا يستكمل إلا باقتصاد عتيد و قدرة تنافسية عالية و عملة وطنية قوية ومهابة و استعادة البلاد استقلالية قرارها الوطني. و إن المواطن التونسي يشعر اليوم أكثر من أي وقت مضى بأهمية هذه العوامل التي لم يكن يعيرها لسنوات طويلة الاهتمام اللازم لأنها كانت إلى حدود سنة 2010 من باب الثوابت التي لا يمكن الحياد عنها. و كلما ذكر اسم المرحوم الهادي نويرة اليوم إلا و تنتاب اغلب التونسيين الحسرة على تلك الفترة و عن فقدان البلاد لرجالات من هذا الحجم و من طينة المرحوم الهادي نويرة.
و لا يخفي علي احد ان فترة الهادي نويرة كوزير أول شهدت انجازات و نجاحات اقتصادية و اجتماعية هامة لا يمكن إنكارها. فخلال إشرافه على الوزارة الأولى فاق معدل النمو حدود 7٪ لعشر سنوات متتالية و هي نسبة لم تشهد لها تونس مثيلا. كما شهد الاقتصاد الوطني بروز أنشطة جديدة و تطور الصادرات كعامل للنمو و ذلك خاصة عبر اعتماد قانون أفريل 1972 لتشجيع تركيز المؤسسات المصدّرة. و قد رافق هذا النمو مكاسب اجتماعية هامة برزت في اعتماد العقد الاجتماعي و تحسين الدخل الفردي الذي ارتفع بقرابة 50٪ خلال العشرية 1970- 1980 و التحكم في مستوى التضخم الذي انحصر معدله لفترةًطويلةً في حدود 4٪ و ارتقاء التحويلات الاجتماعية إلى مستويات لم تشهدها تونس من قبل مما يسر بناء طبقة وسطى و تأمين الاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي للبلاد إلى حدود نهاية السبعينات و من تقاسم ثمرات النمو بأكثر ما يمكن من العدل و بشكل يضمن استمرارية المسيرة التنموية.
لقد لمسنا أثار الرجل عند مرورنا بوزارة المالية و خاصة عند إشرافنا على البنك المركزي التونسي الذي أعطاه المرحوم الهادي نويرة انطلاقة صحيحة جعلت منه على مر السنين مؤسسة عتيدة ناجعة و مهابة وطنيا و عالميا.
لمسنا سمعة المرحوم العالمية عند ترأس تونس في 2009 للاجتماع السنوي للمؤسسات المالية و العالمية عندما توجه لي المدير العام لصندوق النقد الدولي أنذلك قائلا أن آخر تونسي ترأس هذه الاجتماعات هو المرحوم الهادي نويرة في 1969 و كان موفقا في ذلك بكل المقاييس.
لقد تميّز المرحوم بوضوح الرؤيا و الوطنية المرهفة و نجح في حسن توظيف الطاقات الوطنية و إحداث مكامن كفاءة في مجالات عدّة كالطرقات و التجهيز و الموارد المائية و الاتصالات و التخطيط و الإحصاء و النشاط المصرفي و المالي و غيرها من المجالات الحساسة.

و لقد أمكن لمدة 30 سنة (1980-2010) الحفاظ على المكاسب المحققة و تطويرها و توفقت بلادنا في تجاوز الأزمات التي شهدتها هذه الفترة و أخطرها تلك التي عرفتها في 1986 من جراء الشعوبية و الحياد عن التصرف الناجع في الموارد و السياسات الاقتصادية و المالية الخاطئة التي ميزت الفترة 1980-1985 و هي فترة تشبه في جانب منها ما تعرفه تونس اليوم.
فمنذ 2011 تراجع النمو إلى اقل من 1.5٪ و هو اضعف مستوى حققته تونس في تاريخها و ارتفعت مستويات البطالة و الفقر و الخصاصة و تراجع الدينار بصفة حادة دون أن يكون لذلك أي تأثير ايجابي يذكر على التوازنات الخارجية و انخفض الترقيم السيادي للبلاد ستة مرات متتالية دون أية ردة فعل تذكر من السلطات المعنيّة و تراجع صيت تونس في الأسواق المالية العالمية و ارتفع مستوى الدين إلى حدود تهدد مستقبل البلاد و تكبل الأجيال القادمة.
فليس من الصدفة أن يتحسر التونسي اليوم على المناضل الهادي نويرةلما يحمله الشخص من مبادئ أهمها الوطنيةالصادقةً و الكفاءة و الاتزان.
ما أحوج تونس اليوم إلى مثل هذه القامات.
رحم الله الهادي نويرة و اسكنه فراديس جنانه.

*** محافظ البنك المركزي السابق

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة