Accueilاقتصادوزير المالية التونسي: لن نقع في فخ التقشف

وزير المالية التونسي: لن نقع في فخ التقشف

قال وزير الاقتصاد والمالية التونسي حكيم بن حمودة في مقابلة مع “العربي الجديد”، إن حكومة بلاده لن تقع في فخ التقشف لتقليص عجز الموازنة، مشيرا إلى أن تجارب الأخرين في اتباع هذه السياسة ولد اليأس لدى الشعوب

وأضاف أنه لابد من اتباع سياسة إصلاحية، لزيادة إيرادات الدولة، منها مواجهة التهرب الضريبي، وترشيد الإنفاق الحكومي، مشيرا إلى أهمية إصلاح القطاع المصرفي لدعم الاقتصاد الوطني

وهذا نص مقابلة وزير الاقتصاد والمالية التونسي. مع العربي الجديد

  ما هي المبادئ الرئيسية التي قام عليها مشروع الميزانية التكميلي في تونس لانعاش الاقتصاد؟ .

– يتسم الوضع الاقتصادي العام في تونس بثلاثة معطيات أساسية، يتمثل الأول في تدهور هام للميزانية العامة في تونس منذ سنة 2011، وهذا ناتج عن النمو الكبير في الإنفاق من دون تحقيق إيرادات تغطي النفقات المتزايدة، وخصوصاً نمو الإنفاق على دعم المحروقات الذي ارتفع من مليار و200 مليون دينار سنة 2008 إلى ما يقارب خمسة مليارات دينار سنة 2013. (الدينار التونسي يساوي 0.5807 دولار أميركي

وبالتالي يجب العمل على إيقاف هذا النزيف، وهذا هو الاهتمام الأساسي لمشروع الميزانية التكميلي. المعطى الثاني هو هشاشة الوضع الاقتصادي لأن المالية العامة ترتبط ارتباطا وثيقا بالوضع الاقتصادي الداخلي باعتبار أن مداخيل الدولة تتأتى منه، فعملية إيقاف التدهور ستكون صعبة، لأن وضع الاقتصاد الداخلي هش، كما أن نسبة النمو ضعيفة ولا تتجاوز 2.8 في المائة

ويتعلق المعطى الثالث بالوضع الخارجي ونسبة النمو لدى شريكنا الأساسي، أي أوروبا، إذ إن دول الاتحاد تعاني مشكلات اقتصادية تؤثر مباشرة على الاقتصاد التونسي. والتحدي الأساسي لدينا هو التوفيق بين وقف النزيف المالي من جهة، وعدم الوقوع في فخ السياسة التقشفية من جهة أخرى

اصلاح ليس سهلا

كن هذا التحدي صعب التحقيق؟.

– من الواضح أن عملية الإصلاح هذه ليست سهلة، فأنا ضد قوانين التقشف التي تولد العديد من الصعوبات، وهو ما اتضح لنا في تجارب حصلت في أوروبا التي لم تتوصل إلى أي تحسن في موازناتها العامة، وعلى المستوى السياسي فقد رأينا أن التقشف ولد اليأس لدى الشعوب، وأدى إلى صعود اليمين المتطرف

  ما هي الإجراءات التي ستتخذونها كحكومة لتنمية موارد الدولة من دون السير نحو التقشف؟.

– حددنا جملة من الأولويات الضرورية: الأولى هي محاربة التهرب الجبائي ” الضريبي”، وهذا في تقديرنا مسألة هامة. فقبل الثورة كان المواطن فاقدا لإحساسه بالانتماء، والمواطن لم يكن مقتنعا بأن واجبه نحو الوطن يفرض عليه تأدية واجبه الجبائي، لأن علاقته بالدولة كانت علاقة تسلط تمارس عليه، في حين أن المواطن الفرنسي، مثلا، لا يقتطع من أجره بل يمنح إليه كاملا، ولكنه يبادر كل عام بالتصريح عن مداخيله، والقيام بواجبه الجبائي

  ما هي الآلية التي ستعتمدونها لإقناع الناس بالواجب الجبائي؟ .

– سنعتمد سياسة التعامل مع الناس من خلال توعيتهم بأن الديمقراطية هي حقوق وواجبات، وأن من أهم الواجبات على المواطن الواجب الجبائي. وأتمنى أن نصل إلى اليوم الذي نقول فيه إننا في دولة ديمقراطية، تحترم الدولة المواطن ويحترم المواطن كذلك الدولة ويقوم بجميع واجباته.

  كيف ستتم زيادة موارد الدولة، خصوصاً أن المجلس التأسيسي أوقف رخص استغلال بعض آبار النفط، بالإضافة إلى الحد من نفقات الدولة؟.

– ترشيد نفقات الدولة مسألة هامة، ونحن قمنا ببعض المبادرات واتخذنا العديد من القرارات في هذا الشأن، أما مسألة البترول والنفط فقد صارت من أهم التحديات بالنسبة إلينا، نظراً، لحاجتنا للنفط، خصوصاً أن الأسعار العالمية آخذة في الارتفاع، في حين أننا مرتبطون بالاستيراد أكثر من السابق. وفي هذا الوضع، يجب الإسراع في إيجاد حلول للموضوع، لأن هناك صعوبات في منح رخص التنقيب عن البترول. وأعتقد أن تحدي الطاقة استراتيجي، ولا بد من التسريع في إنتاج النفط وإنتاج الطاقات المتجددة، وكذلك بالنسبة إلى الغاز الذي من المفروض أن نسرع في الاطلاع على الدراسات الأولية المتعلقة به، وأعتبر أن التحدي الأكبر لتونس في السنوات المقبلة هو تحدي الطاقة

إصلاح القطاع المصرفي

  هناك موضوع آخر ورد في القانون التكميلي، ويتمثل في إصلاح القطاع المصرفي بشكل عام، فكيف سيتم الإصلاح؟

– إصلاح المصارف مسألة قديمة جداً، فمنذ دخولي إلى الجامعة وقضية إصلاح المصارف مطروحة. ونؤكد أنه من الضروري إيجاد استراتيجية للدولة من أجل إصلاح المنظومة المصرفية، فبدأنا بثلاثة مصارف وطنية: البنك التونسي وبنك الإسكان والبنك الفلاحي، لأنها تعيش بعض الصعوبات

ولكن أردنا أن نتجاوز هذه المشكلة بدراسة الوضع المصرفي بصفة عامة، ويتمثل توجه الدولة أساسا في إعادة العافية المالية لهذه المصارف، من دون اللجوء للخصخصة، على الأقل، في السنوات الثلاث المقبلة. ولا بد بعد ذلك من النظر في إمكانية إيجاد شريك استراتيجي لهذه المصارف

 ماذا تقصد بشريك استراتيجي؟ .. هل يعني تفريط الدولة بهذه المصارف؟.

– كانت المصارف التونسية في السبعينيات من أهم المصارف العربية، ولكن في فترة التسعينيات مع نظام الفساد، تراجعت هذه المصارف، في حين شهدت المصارف في الخليج العربي تطوراً كبيراً وكذلك في المغرب العربي، ونحن نسعى إلى إعادة مصارفنا إلى المقدمة، والشريك الاستراتيجي هو شريك خارجي عادة، مثلما حصل مثلا في المصارف المغربية

ويأخذ الشريك الاستراتيجي نسبة من أسهم المصارف ويساهم في تطوير النظام المعلوماتي وتطويره على جميع المستويات، وهناك العديد من المسائل الفنية التي تتطلب العديد من الاستثمارات  وسنحاول في المصارف العمومية المحافظة في السنوات الثلاث المقبلة على وجود الدولة بنسبتها الحالية، أي واحداً وخمسين في المائة من نسبة الأسهم الإجمالية، ولكن في بقية المصارف التي لا تتعدى نسبة مساهمة الدولة فيها 10 و15 في المائة مثل المصارف المشتركة للتنمية، فسنفرط في مساهماتنا فيها، وننشئ بمواردها قطب تمويل للمصارف العمومية حتى لا نقوم بعملية إصلاحها من الموارد الحالية للدولة ونثقل على الميزانية

من جملة المقترحات الموجودة في القانون، قطب يتكون من مصارف ذات مساهمة عمومية بعد إعادة هيكلتها في شراكة مع القطاع الخاص، فهل يعني هذا دمج المصارف في مؤسسة واحدة؟

لمن لا يعلم عن المصارف العمومية ليست مملوكة للدولة مائة في المائة، ولكن بواحد وخمسين في المائة فقط، والباقي مساهمة القطاع الخاص الذي يلعب دوراً مهماً في القطاع وليس من الجيد الآن تجميع المصارف العمومية الثلاثة باعتبار أن تجربة تونس في دمج المصارف مثلما حصل مع البنك التونسي أدت إلى تجميع المشاكل وتجميع الديون

هدفنا في السنوات المقبلة رسملة المصارف وتطهيرها من الديون والمشاكل لتعود إلى عافيتها وتصبح مصارف ذات دور هام، وعندها تتوضح الأمور أكثر ويمكن النظر فيما يمكن أن نتخذه من قرارات

تطوير قطاع التأمين

  المجلس التأسيسي وافق على طرح التأمين التكافلي الذي يعتبر فكرة جديدة، فهل من توضيح؟

 بعد الثورة، أصبحت المالية الإسلامية تلعب دوراً كبيراً وهاماً، ومن الضروري التعامل مع هذا الجانب بطريقة براجماتية  وهناك فئة من المواطنين تريد أن تلعب دوراً اقتصادياً، ولكنها لا تتعامل إلا مع التمويل الإسلامي وهذا حقها، والتجربة بدأت قبل الثورة مع بنك الزيتونة، ولكن بعدها تم إقرار جملة من التشريعات التي ستمكننا من تطوير هذا الحقل 

وبالنسبة إلى النظام التكافلي فهو يعتبر نظاماً لشركات التأمين، ولكن بمرجعية إسلامية، وتمت المصادقة عليه في المجلس التأسيسي منذ أيام، والهدف منه إعطاء المجال للناس التي تملك أموالا للإسهام في هذه الشركات

* هل دفع التكنوقراط ثمن اتخاذ قرارات “لاشعبية” مثل الأتاوة على الزواج مثلا؟.

– نحن اتخذنا العديد من الإجراءات الإدارية لتصحيح وضع نعتقد أنه خاطئ، فهناك العديد من الخدمات التي تقدمها الدولة إلى المواطنين ولها تكلفة على الإدارة، ونعتقد أن جزءا من هذه التكلفة لا بد أن يعود إلى خزينة الدولة

أما بالنسبة إلى الأتاوة على الزواج، فالطابع الجبائي هو طابع على عقد الزواج وليس على الزواج، والتونسي يدفع اليوم إلى شاهد الإثبات الذي يكتب عقد الزواج نحو 75 ديناراً في حين أنه لا يدفع شيئا للدولة إذا عقد زواجه في البلدية

ولهذا قلنا إن مبلغ 30 ديناراً هو مبلغ معقول، ولكن التونسيين استقبلوا هذا الإجراء بكثير من المرح ونحن، أيضاً، بادلناهم نفس المرح وشرعنا في الوزارة في انتخاب أجمل وأطرف النكت التي وقع تداولها بين التونسيين، والمهم أن الإجراءات حققت هدفها

لا تراجع

  هل ستتراجعون عن هذا القرار؟.

– عندما نتخذ قرارا فإننا نأمل في أن يطبق، ولكننا نتحاور مع نواب الشعب، وهناك العديد من المقترحات بخصوص هذه الإجراءات الجديدة، ونحن طبعا منفتحون على كل الاقتراحات والآراء

متفائل

  سؤالي الأخير يتعلق بمدى تفاؤلكم كحكومة في الخروج من الوضعية الصعبة للاقتصاد التونسي؟

– يعندما اقتُرح علي هذا المنصب نصحني كثيرون بالرفض، نظرا للوضع الصعب للاقتصاد الوطني، ولكن الواجب حتّم علي أن أقبل هذا التحدي
صحيح أن فساد عقدين من الزمن منع تونس من أن تكون ضمن كوكبة الدول الصاعدة مثل البلدان الآسيوية، ولكن أعتقد أنه إذا تواصل الوضع السياسي سليما، فإن تونس ستشهد مع مطلع سنة 2016 انطلاقها وستنضم إلى الاقتصادات الصاعدة

 
وليد التليلي
موقع العربي

وليد التليلي
Jamel Arfaoui
Présentation
مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة