Accueilالاولىتحقيق - هيئة الرقابة المالية والادارية : اخلالات وتجاوزات بلا حدود

تحقيق – هيئة الرقابة المالية والادارية : اخلالات وتجاوزات بلا حدود

في خضمّ الأحداث الصاخبة التي تمرّ بها تونس من حين لآخر وفي غمرة القضايا الجوهرية والأولويات المتراكمة انحسرت الرؤيا عن العديد من أجهزة الدولة التي كان بالإمكان أن يكون لها بعد الثورة شأن لو توفّرت الإرادة الحقيقية…ولكن سوء حظّ هذه الأجهزة وحسنه لدى البعض ممّن يتضخّمون في المياه الآسنة، يقتاتون من صمت الجبناء ويشربون من عرق الشرفاء….هي كلّها عوامل تضافرت لتفرز لنا هياكل تهرّمت بفعل النسيان وتآكلت بسبب التهميش والتناسي الإرادي وأصبحت مجرّد بناءات إدارية تشغّل ما تيسر من العملة والأعوان وتؤدّي وظيفة اجتماعية صرفة لا غير…. ولعلّ في الهيئة العليا للرقابة الإداريّة والماليّة التابعة لرئاسة الجمهورية أحسن دليل وأفضل عنوان.  فبمجرّد أن يطّلع المواطن العادي على المعطيات الواردة بالموقع الرسمي للهيئة ويتصفّح ما تيسّر من تقارير نشاطها المنشورة هدرا على الموقع ويتمعّن للحظات في فحوى الحديث الصحفي الذي أدلى به رئيسها إلى جريدة الصريح بالمرجع أسفله وبعض المقالات الصحفية المكتوبة والالكترونية التي شهّرت بالإخلالات المسجّلة بهذا الهيكل….سيعرف أنّه بفضل الحظ الوافر لرئيسها السيد أحمد عظوم الذي تفتّقت عنه الثورة ذات فجر عسير، يوم فرّت الكفاءات الحقيقية خوفا من العقاب العشوائي والمحاسبات الثورية التي لا ترحم ولا تريم، وبسبب الحظ العاثر لهذا الهيكل الذي أصبح آيلا للسقوط…يجوز اليوم أن نتحدّث عن النّسي المنسيّ.

 

وللتوضيح تمّ إحداث الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية بمقتضى الأمر عدد 906 لسنة 1993 المؤرّخ في 19 أفريل 1993 وفي مرحلة لاحقة تمّ التنصيص عليها بمقتضى القانون عدد 50 لسنة 1993 المؤرّخ في 3 ماي 1993. وهي مؤسّسة عمومية ذات صبغة إدارية تخضع إلى إشراف رئاسة الجمهورية. وهي تقوم بمهمّة التنسيق بين برنامج دائرة المحاسبات وبرامج هيئات الرقابة العامة (هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية التابعة لرئاسة الحكومة وهيئة الرقابة العامة للمالية التابعة لوزارة المالية  وهيئة الرقابة العامة لأملاك الدولة التابعة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية) والتفقديات الوزارية، وتتولّى من جهة أخرى تقييم مدى تنفيذ الهياكل والجهات التي خضعت للرقابة للتوصيات الكفيلة بتدارك النّقائص وتلافي الإخلالات الواردة بالتقارير الرقابية التي تختصّ الهيئة بمتابعتها والنظر فيها، “بما من شأنه أن يضع حدّا لإهدار المال العمومي” وهو ما جاء حرفيا بالموقع الرسمي وبتقاريرها المنشورة دون أدنى تحريف.

ولكن المتأمل لهذا الهيكل من خلال موقع الواب الرسمي الخاصّ به ومن خلال تقارير نشاطه المنشورة وكذلك من خلال غيابه عن المشهد العام يجد نفسه محمولا على التساؤل حول مدى وجود نوايا لتحويله من هيكل رقابي إلى مجرد عبء مالي تتحمل وزره المجموعة الوطنية (أجور وامتيازات وإعانات اجتماعية لا غير) إلى حين طمسه والقضاء على معالمه شيئا فشيئا وهو توجّه لا يستغرب في هذا الخضمّ:

1-الإخلالات والتجاوزات عنوان قائم على رأس الهيئة ورقابة المصاريف العمومية تتجاهل الأمر:

فحسب الإطار القانوني المنظم للهيئة يعيّن رئيس الهيئة بمقتضى أمر وهو من يضبط ميزانيتها ويسهر على حسن التصرّف في مواردها البشرية والمادية الموضوعة على ذمتها والإشراف على مختلف الأنشطة المرتبطة بمهامها. ومن المعلوم أنّ السيد أحمد عظوم قد عيّن على رأس الهيئة خلفا للسيد غازي الجريبي بمقتضى القرار الجمهوري عدد 51 لسنة 2014 المؤرخ في 21 مارس 2014 الصادر عن السيد منصف المرزوقي الرئيس السابق. إلا أن هذا الملفّ تشوبه العديد من الإخلالات والتجاوزات:

  • فرغم بلوغه سن التقاعد في جويلية 2014 ظل السيد أحمد عظوم في حالة مباشرة دون أي سند قانوني والحال أن الهيئة التي يرأسها ما انفكت توصي باحترام القانون والتراتيب من خلال تقاريرها السنوية وتتابع المخلّين وتحرّر التقارير في شأن أبسط المخالفات والتجاوزات بما فيها حالات “البقاء في وضع مباشرة دون سند قانوني” وهو خطا تصرف على معنى القانون المنظم لدائرة الزجر المالي”. وقد ندّد الكثير من المراقبين والمتفقدين بأبسط الإخلالات التي عاينوها بالهياكل التي خضعت لرقاباتهم وتفقداتهم خاصة بعد الثورة وتعالت أصواتهم تشهيرا وتكبيرا ولكن حين تعلّق الأمر برئيس الهيئة التي تشرف عليهم وتدير منظومتهم كمّموا أفواههم وغضّوا البصر إلى حدّ الإحراج ولا حياة لمن تنادي.

تمّ إثر ذلك،(وبعد تهاطل العديد من المقالات الصحفية بجرائد ومواقع معروفة بالتشهير شهّرت بهذا التجاوز الذي لا يجوز في هيكل مسؤول عن معاينة التجاوزات والتصدي لها في الإدارة العمومية وفي الدولة ككلّ) بمقتضى الأمر الحكومي عدد 470 لسنة 2015 المؤرخ في 17 جوان 2015 التمديد في فترة مباشرة السيد عظوم لمدة سنة انطلاقا من 1 أوت 2014 وهو تمديد يثير العديد من الملاحظات أوّلها: لماذا صدر هذا التمديد متأخرا بسنة وعلى سبيل تسوية لسنة كاملة من المباشرة غير القانونية لوظيفة رئيس مؤسسة عمومية تابعة لرئاسة الجمهورية؟ ثم إن كانت رئاسة الهيئة خطة سياسية لماذا تم التمديد من أصله حيث لا يتم التمديد للوزراء الذين تتجاوز أعمارهم سن التقاعد بل وكيف تعتبر خطة سياسية والحال أنّ المعايير الرقابية الدولية الصادرة عن منظمة الانتوساي (الجامعة لهياكل الرقابة والأجهزة العليا للرقابة) تؤكّد على ضرورة ضمان الاستقلالية الإدارية والوظيفية للأجهزة الرقابية؟ ولماذا تمت التسمية بقرار جمهوري من رئيس الجمهورية في حين تمّ التمديد بأمر حكومي صادر عن وزير العدل والحال أن وظيفة السيد عظوم وهيئته لا تمتّ بأي صلة لوزارة العدل أو القضاء؟؟؟؟ ثمّ تولّت رئاسة الجمهورية التي عيّنته ووزارة العدل التي مدّدت له فترة المباشرة تقييم أداء السيد عظوم وأثره في الهيئة حتى يتبيّن أساس التمديد وتبريراته؟ والغريب في الأمر أنّ المسألة قد بدت مجرد شكلية لسدّ شغور بل وتوزيع للمناصب مع العلم بأنّ السيد عظوم محسوب على حركة النهضة وسبق لاتحاد الفلاحين أن اقترحه لترأس الحكومة سنة 2014 بما يضع حياده كقاضي واستقلاليته كرئيس هيكل رقابي محلّ شك قريب من اليقين، في حين أن الإدارة التونسية عامة وهياكل الرقابة العامة خاصة (أكثر من 100 مراقب) ودائرة المحاسبات (أكثر من 120 قاضي مالي) تعج بالكفاءات من أهل الاختصاص؟

  • والملحوظ أيضا أن فترة التمديد التي جاءت على سبيل التسوية بصورة رجعية لا غير انتهت منذ 01 أوت 2015؟؟؟ ولم يعقبها إلى حدّ تاريخ اليوم أمر حكومي يمدّد ويجدّد الاستثناء ولا إنهاء مباشرة من قبل مصالح رئاسة الجمهورية التي يستنتج من خلال الظروف السياسية الحالية أن الهيئة غير موجودة بقائمة اهتماماتها وهو أمر أثار ويثير إلى اليوم الاستغراب من هذا الإهمال الذي شابها وشاب الرقابة ككلّ منذ سنة 2014 رغم أنّ الجميع كان يضع على رأس أولوياته، أثناء الانتخابات وبسط البرامج السياسية والحكومية في ما بعد، مقاومة الفساد وإصلاح الإدارة والحد من إهدار المال العام وترشيد التصرف فيه؟؟؟؟ كما لم تعقبها استقالة من قاض من المفروض أنه مجبول ومحمول على احترام القانون وهو ما يشكّك في مدى نزاهة قراراته الصادرة قبل الثورة ومدى احترامه لمقتضيات القوانين ومبادئ العمل القضائي؟

والأغرب من كلّ هذا هو حصول خرق شهري كلّ مرّة تصرف فيها الأجور والرواتب وتسند فيها المنح والامتيازات حيث يقوم مراقب المصاريف العمومية بالتأشير على المصاريف المنفقة على السيد أحمد عظوم في غياب مرجع قانوني صريح يسمح بذلك بل وفي ظل انتهاء النص القانوني الذي سوّى الخروقات السابقة المرتكبة طيلة فترة عام…وكان السيد مراقب المصاريف يسمح لنفسه، ومن ورائه لسلط الإشراف عليه، بتجاوز القانون إلى حين يتم استصدار أمر ثاني للتمديد قد يأتي متأخرا كالعادة وقد لا يأتي أبدا…ليمسح هذا الكمّ المخجل المربك الغامض الهجين من التجاوزات التي تكاد تكون يومية….فأين المسؤول عن كل هذا بل ومن سيساءل من في ظلّ التهافت على المضحكات المبكيات؟ وللتذكير فقط لا ننسى الصراخ الذي تعالى حين بلغ البعض ممن عينتهم الترويكا سنّ التقاعد سنة 2012 و2013 وتمادوا لأسابيع في ممارسة وظائفهم وقامت الدنيا آنذاك ولم تقعد واتهمت الحكومة وقتها بخرق القانون واستغباء الادارة التونسية والتهافت على المناصب وخلق مقاييس ذاتية مجحفة (عبد الرزاق الكيلاني مثلا)؟ فماذا يسمّى وضع أحمد عظوم اليوم ولماذا لم يصرخ ولم يندّد أحد بأيّ شيء؟.

 

2- تراجع نشاط الهيئة في مجال متابعة التقارير الرقابية بنسبة ناهزت 50% وهي المهمة الرئيسية للهيئة : بالاطلاع على التقارير المنشورة على موقع الواب والمقارنة بين أرقامها الصادرة في الصفحات الأولى يلاحظ انخفاض عدد التقارير التي تمت متابعتها من 150 تقرير سنة 2012 (في عهد السيد غازي الجريبي) إلى 73 تقرير فقط سنة 2014 وتم تبرير ذلك في مقدمة التقرير السنوي لسنة 2014 المنشور بانفلات الوضع بعد الثورة وصعوبة العمل الإداري؟ ولكن نذكّر السيد عظوم أنّ سنة 2012 كانت هي الأصعب ورغم ذلك كان نسق العمل فيها مرتفعا بفضل حزم وجهود السيد الجريبي من جهة، ومن جهة أخرى وعلى عكس ما جاء بالمقدمة المذكورة شهد المشهد الرقابي زخما كبيرا بعد الثورة وأنجزت عشرات المهام الرقابية وصدرت في شأنها تقارير أحيلت للهيئة وبالتالي كان من المنتظر ان تتابعها الهيئة وتنمي بها نشاطها شبه الراكد كما نتساءل حول مآلها. وبالتالي وبما أن مهام رئيس الهيئة تنسيق أعمالها وتسييرها فإنه يتحمل مباشرة مسؤولية تقهقر نشاطها والذي يفسّر إمّا بعجزه عن تشغيل إطاراتها وحسن توجيههم وتأطير أعمالهم وإما بجهله بمتطلبات الرقابة والمتابعة مع كامل الاحترام لاختصاص السيد عظوم (قضاء عدلي) وإما وهذا هو الأصحّ بوجود إرادة للتقوقع وعدم تحريك الملفات خاصة التي تحتوي على شبهات فساد تجنبا لإثارة الانتباه للوضعية غير القانونية لرئيس الهيئة وتجنيبه الجدال في مجال لا يتقنه وحمايته من إثارة حفيظة أي طرف بما قد يؤدي إلى العزل (سياسة المياه الراكدة).

3– هيئة لا تكافح الفساد؟: جاء في حديث صحفي أدلى به السيد أحمد عظوم لجريدة الصريح ووقع نشره على امتداد يومي السبت والأحد 23 و24 ماي 2015 وهو منشور بموقع الهيئة، أنه “…و لعلَّهُ تجب الإشارة في هذا الصَّدد إلى دور الرقابة الأساسي الذي لا يستهدف مكافحة الفساد لِذَاتِهِ ، بل هو بالأساس دور وقائي يرمي إلى تبين مدى سلامة التصرف الإداري و المالي بالإدارة أو المؤسسة..“.وهكذا نجد في هذا التصريح استقالة تامة من مهمة مكافحة الفساد الإداري والمالي وخروج بل ومروق عن الخط الذي أعلنت عنه دائرة المحاسبات وهياكل الرقابة العامة والهيئة العليا في حد ذاتها (زمن الجريبي) وهو مكافحة الفساد الإداري والمالي بالتكامل مع وظيفة هيئة مكافحة الفساد لسمير العنابي  وهذا يثير العديد من الملاحظات:

.أولا ما معنى دور وقائي؟ وهل كان السيد عظوم يعلم أن وظيفة الهيكل الذي يرأسه هي وظيفة لاحقة (متابعة لاحقة لرقابة لاحقة وليست رقابة متزامنة أو مسبقة) أم انه عوّل على الصبغة التقنية لمجال الرقابة وبالتالي غياب إمكانية محاسبته على تصريحات مغلوطة؟ فهيئات الرقابة العامة الثلاث تمارس رقابة لاحقة وبالتالي الهيئة العليا تمارس متابعة لاحقة وبالتالي لهذه الهيئات دور هام جدا في مكافحة الفساد الإداري والمالي (وليس القطاع الخاص) والحدّ منه عبر الكشف عن الإخلالات والأخطاء الجسيمة (إهدار مال عام، اختلاس، منح وامتيازات من دون وجه حق،  وغيرها من الأخطاء خاصة وأن مفهوم الفساد عام وشامل) ورفعها للسلط ذات النظر ونشرها في التقارير السنوية والتشهير بها.

.ثانيا ما معنى انخراط الهيئة (انظر موقع الواب) في الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد إن لم تكن معنية بمكافحة الفساد؟

.وأخيرا ما معنى تنظيم الهيئة سنة 2013  برئاسة السيد غازي الجريبي لملتقى سنوي تحت عنوان “نحو إصلاح منظومة الرّقابة الإدارية والمالية في تونس لتفعيل دورها في مقاومة الفساد” لنجد في ما بعد تراجعا من قبل السيد عظوم عن تفعيل التوصيات الناجمة عن هذا الملتقى وتجميد مجهود إصلاح المنظومة الرقابية وإنكار مهمة مكافحة الفساد؟؟ هل هذا يعني تراجع في مكانة الهيئة وتقزيم لدورها  أم نتيجة توجه على مستوى سلطة الإشراف تكفل السيد عظوم بتنفيذه حرفيا؟ مع العلم أن السيد عظوم قام في إطار الشبكة المذكورة (انظر الموقع) بزيارة عمل خلال الفترة من 1  إلى 3 سبتمبر 2014 لمدينة بيروت وذلك في إطار  الاستعداد لانتقال رئاسة الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد إلى الجمهورية التونسية والتي تعتبر الهيئة عضوا من أعضائها وهذه من أغرب المفارقات؟

4-شبه جمود على مستوى باقي الأنشطة : حيث يلاحظ أنه حسب موقع الواب الخاص بالهيئة آخر ندوة سنوية  تحمل عنوان “الرقابة الإدارية والمالية ضمان لحسن التصرّف ودعم للنظام الديمقراطي الناشئ ” ولا أثر لأي ندوة سنوية بعنوان سنة 2014 ولا 2015 إلى حد الآن أي طيلة فترة تولي السيد عظوم رئاسة الهيئة؟؟ ونفس الشأن بالنسبة إلى التكوين حيث توقف هذا النشاط في سنة 2012 وهو ما يثير التساؤل حول دور الهيئة في تكوين المراقبين وخاصة المتفقدين الوزاريين حول آليات ومنهجية المراقبة والتدقيق وإعداد تقارير الرقابة كما نتساءل وحول مدى جديتها في الاضطلاع بهذه المهمة التي بدأ السيد غازي الجريبي في تكريسها سنة 2012 وتراجع عنها السيد عظوم لأسباب  لا يعلمها غلى الله والسيد عظوم نفسه والمستند عليهم في دوام نعمة التناسي والنسيان ؟؟

وخلاصة القول يبدو لأوّل وهلة أن هذه الهيئة تشهد تراجعا مشهودا لمكانتها في المنظومة الرقابية وفي دورها وفي نشاطاتها كلها دون استثناء فضلا عن ترأسها بصيغة غير قانونية، وهو ما يطرح التساؤل حول دور مصالح رئاسة الجمهورية في كل هذا كسلطة إشراف؟ وما هي النوايا الحقيقية وراء هذا التجميد والتهميش إلى حد يثير الشكوك حول صدق النوايا في  مكافحة الفساد ومراقبة المسؤولين ومتابعة التصرف في الشأن العام؟ فهل من المعقول أن تتحوّل الهيئة العليا بعد الثورة إلى مجرد أعباء مالية في الميزانية وقد كان بالإمكان أن تصبح خطا أوّلا في ترشيد التصرف والإصلاح لو توفرت العزيمة والإرادة  الحقيقية من رئيسها ومن مراجع النظر…ثمّ إنّ التغاضي عن هذه التجاوزات وهذا الركود يندرج ضمن سياسة كاملة لتهميش الرقابة وإقصائها واعتبارها مجرد مناصب في الكعكة، إلى جانب مصالح الموفق الإداري والتي تترأسها القاضية السيدة فاطمة الزهراء بن محمود عيّنت خلفا لأحمد عظوم من قبل الرئيس السابق السيد منصف المرزوقي سنة 2014 بعد أن اعترضت جمعية القضاة على تسميتها كرئيسة للمحكمة العقارية لشبهة في عدم الحياد؟ هذا ودون أن ننسى أنّ مصالح الرئاسة لم تعيّن رئيسا لمعهد الدراسات الاستراتيجية (السيد حاتم بن سالم) إلا بعد الرسالة المدوية التي وجهها السيد طارق الكحلاوي إلى  رئيس الجمهورية منددا بالشغور الدائم على رأس المعهد؟ فأين هي  الكفاءات وهل نحن بحاجة كلّ مرّة إلى طارق كحلاوي لتتم إعادة النظر في توزيع المسؤوليات على رأس بقية المؤسسات التابعة لديوان رئيس الجمهورية ولتطوير نشاطها؟ وهل أن مقترح حذف الهيئة هو الرد الوحيد الذي وجد لتدارك مهازل السيد عظوم ومداراتها وطمس التجاوزات إلى الأبد؟؟؟

وأمام ما ترزح تحت وطأته الهيئة النّسي المنسيّ من تصرّفات “سياديّة خرقاء” من أطراف كثيرة تنم عن عقلية سائدة بعد الثورة كرّسها غياب المحاسبة وعدم تقييم أداء المسؤولين عامة واعتبار الهيئة العليا منصبا يتمتع صاحبه بامتيازات ومنح وزير دولة لا يسعنا… إلاّ ان نقرّ بأنّ النّسي المنسيّ لا يكافح الفساد وإنما يندرج ضمن حفلة اقتسام الكعكة لا غير…

[1]  بمقتضى أمر حكومي عدد 470 لسنة 2015 مؤرخ في 17 جوان 2015:

“أبقي السيد أحمد عظوم، القاضي من الرتبة الثالثة، بحالة مباشرة لمدة سنة ابتداء من أول أوت 2014”.

 

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة