Accueilالاولىدراسة ألمانية تكشف عن المافيات التي تتحكم في العاصمة الليبية

دراسة ألمانية تكشف عن المافيات التي تتحكم في العاصمة الليبية

كشفت دراسة ألمانية حديثة أن أكبر أربع مجموعات تسيطر على العاصمة هي «كتيبة ثوار طرابلس» بقيادة هيثم التاجوري، و«كتيبة النواصي»، بقيادة عائلة قدور، وقوات الردع الخاصة بقيادة عبدالرؤوف كارة، ووحدة «أبو سليم» التابعة لجهاز الأمن المركزي، بقيادة عبدالغني الككلي.

وتحدثت الدراسة عن تحول المشهد الأمني في طرابلس، من «خليط معقد من المجموعات المسلحة إلى احتكار عدد من الميليشيات الكبرى»، وهو ما ساهم في تحسين الوضع الأمني بالنسبة إلى نسبة كبيرة من المواطنين.

ولفتت أيضًا إلى أن «الأمم المتحدة والسفارات الغربية، والتي دعمت ضمنيًا التوسع السريع للمجموعات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق الوطني، أعربوا عن ثقتهم في الوضع القائم، وبدؤوا تدريجياً في العودة إلى العاصمة»، لكن الدراسة حذرت من أن ما سمته «كارتل ميليشيات العاصمة» يهدد بإفشال مساعي الأمم المتحدة للوساطة والتوصل إلى تسوية سياسية، وينذر بإشعال صراع أكبر على طرابلس.

وتابعت الدراسة ظهور هذا الـ«كارتل»، وقالت إن البداية كانت مع وصول المجلس الرئاسي إلى طرابلس، حينها أعلنت بعض المجموعات المسلحة التزامها بدعمه، بينما رفضت المجموعات الموالية لـ«المؤتمر الوطني العام» المنتخب في 2012 وحكومته، المجلس الرئاسي بزعم أنه «مفروض من الخارج».

ولفتت إلى أن «مجموعات من مصراتة انضمت جزئياً إلى قيادات المدينة السياسية في دعم المجلس الرئاسي، بينما تحركت ميليشيا هيثم التاجوري علناً ضد المجلس، فيما أبقت مجموعات مسلحة أخرى خياراتها مفتوحة».

وقالت إن «وصول المجلس الرئاسي إلى العاصمة أجبر المجموعات المسلحة على اتخاذ جانب معين، وهذا لا يقوم على مبدأ واحد»، وأشارت إلى أن «المجلس الرئاسي ركز على الفوز بدعم (كتيبة النواصي) وقوات الردع الخاصة، وكلتاهما متمركز في منطقة سوق الجمعة وتسيطران على المنطقة حول القاعدة البحرية، حيث يتواجد المجلس، وتسيطر قوات الردع على المطار العامل الوحيد في العاصمة».

وتابعت: «لكن في رد فعل غير محسوب، أعلنت كتيبة التاجوري دعم المجلس الرئاسي قبيل وصوله العاصمة، وبعدها انضمت (وحدة أبو سليم) إلى التحالف. والمجموعات الأربع دخلت في تنافس مع مجموعات أخرى للسيطرة على الأراضي والأصول، وبالتالي وجد منافسوهم أنفسهم في المعسكر المعادي».

ورأى معد الدراسة أن «المجلس الرئاسي وقع سريعاً تحت تأثير الميليشيات التي تحميه، وبذل جهداً ضعيفاً من أجل التواصل مع مجموعات أخرى»، مضيفاً أن «الميليشيات الأربع بدأت في التوسع».

وتحدثت الدراسة عن بعض العوامل التي حددت خطوط المعارك في طرابلس، أهمها ولاءات المجموعات المسلحة والانقسامات الأيديولوجية، موضحة أن «عناصر السلفية المدخلية تهيمن على قوات الردع الخاصة، وهم يعتبرون الإسلاميين السياسيين مرتدين».
وفي بعض الأحيان تحددت خطوط الصراع عبر المنافسات والمناوشات المسلحة، إذ قالت الدراسة إنه «بحلول مارس 2017، سيطرت الميليشيات الأربع على وسط طرابلس. وفي مايو 2017، طردوا المجموعات المنافسة من جنوب طرابلس. ولا توجد معارضة سوى في منطقة تاجوراء».

ورأت الدراسة الألمانية أن «البعثة الأممية إلى ليبيا دعمت ضمنياً توسع المجموعات المسلحة عبر مشورتها المقدمة إلى مسؤولي حكومة الوفاق الوطني الذين تواصلوا مع تلك المجموعات».

وتابعت: «هذا الدعم قائم على توقعات بأن المجلس الرئاسي سيقوم تدريجياً ببناء القوات الخاصة به، وهي قوات الحرس الرئاسي»، لكن «النفوذ المتنامي السريع للميليشيات الأربع الرئيسة يضمن عدم نمو الحرس الرئاسي إلى قوة بارزة».

وتساءلت الدراسة ما سمح للميليشيات الأربع الرئيسة بالتوسع في طرابلس والسيطرة عليها خلال عام واحد؟ وقالت إن «الرواتب التي تحصل عليها المجموعات الأربع من الحكومة لا يمكن أن تكون مسؤولة عن ذلك».

وأوضحت أن «المجموعات الأربع، مثلها مثل أي مجموعة أخرى، هي جزء رسمي من المؤسسات الأمنية للدولة. فمجموعة التاجوري وككلي وقدور جزء من جهاز الأمن المركزي».

لكنها قالت إن «ذروة توسع المجموعات المسلحة باستخدام أموال الدولة كان في عامي 2012 – 2013، فيما تراجعت عائدات الميليشيات بحلول منتصف العام 2014. ولم يتغير ذلك مع مجيء المجلس الرئاسي، حيث لم يسمح مصرف ليبيا المركزي للرئاسي بالوصول إلى عائدات الدولة».

وأكدت الدراسة الألمانية أن الأساس المالي لتوسع المجموعات المسلحة يكمن في تدفقات العائدات التي طورتها تلك المجموعات، مع انكماش العائدات الحكومية منذ 2015، مشيرة إلى زيادة كبيرة في أنشطة الخطف في طرابلس، خلال 2015 – 2016. وبدأت المجموعات المسلحة أيضاً في إنشاء «جيوب حماية» وفرض ضرائب على الأسواق.

واستغلت المجموعات المسلحة أيضاً تدهور الأزمة الاقتصادية في ليبيا، مما حدا بهم إلى «اختراق» البنية التحتية للنظام المالي. وأشارت الدراسة إلى تراجع الثقة في العملة المحلية، منذ نهاية 2014 حتى الآن، بسبب انهيار الإنتاج النفطي وانقسام المؤسسات الحكومية.
بالإضافة إلى ذلك، توسعت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في الأسواق السوداء، ما وفر هوامش ربح متزايدة لمن يستطيع الحصول على العملة الصعبة بسعر الصرف الرسمي.

وفي ظل تلك الفجوة في سعر الدينار، لفتت الدراسة إلى ظهور أنشطة «حماية المصارف وفروعها» في طرابلس، وهي أنشطة بدأتها المجموعات المسلحة لتحظى بامتياز الوصول إلى العملة الصعبة بالسعر الرسمي، تقوم بعدها ببيعه في الأسواق السوداء.

وفي نهج أكثر تعقيداً، استغلت تلك المجموعات إصدار خطابات الائتمان من أجل استيراد بضائع من الخارج، ثم تقوم باستيراد كمية أقل من تلك المنصوص عليها في الخطاب، ثم تحويل باقي العملة إلى السوق السوداء. وعادة ما يقوم قادة المجموعات المسلحة بابتزاز مديري المصارف، أو التواطؤ معهم من أجل إصدار خطابات الائتمان.

ونوهت الدراسة أن «النفوذ المتزايد للمجموعات المسلحة في المصارف تسبب في انهيار الثقة بالنظام المصرفي، حيث انتشرت إشاعات زعمت بتعاون موظفي المصارف مع عصابات الخطف وإمدادهم بمعلومات حول ودائع المتعاملين».

ومع هذا التحايل، اضطرت السلطات الليبية إلى فرض قيود على العملة الصعبة من المصارف، مما دفع التجار إلى سحب ودائعهم والتوجه إلى الأسواق السوداء للبحث عن العملة الصعبة، وبالتبعية، تسبب ذلك في أزمة السيولة.

ووفرت أزمة السيولة أيضاً فرصاً أكثر للمجموعات المسلحة، بحسب الدراسة، فوجود تلك المجموعات في المصارف سمح لها بسحب رواتبها نقدًا فور وصول الأموال إلى المصرف. واتخذت قيادات المجموعات المسلحة «عملاء» من المواطنين العاديين، مقابل إمكانية أفضل للوصول إلى النقد، وتربح هؤلاء القادة عبر شراء أذونات الصرف (الشيكات) من المواطنين بالخصم.

بالإضافة إلى ذلك، حصلت المجموعات المسلحة على وراتب شهرية مقابل حماية فروع المصارف، إلى جانب الرواتب الحكومية التي يتلقاها أفرادها من الحكومة. وأصبحت العقود المدفوعة لتوفير الأمن هي «العرف السائد» في الشركات المملوكة للدولة والمباني المكتبية الكبرى. وبالنظر إلى التغيرات في القاعدة المالية للمجموعات المسلحة في طرابلس، قالت الدراسة إن «ذلك يعني أن التنافس فيما بيها له بعد اقتصادي قوي، وأن التوسع الإقليمي يمكن الحفاظ عليه، بما أن السيطرة على مناطق جديدة تعني السيطرة على مصادر جديدة للدخل».

«مافيا الميليشيات»
ولم تكتف المجموعات المسلحة باستغلال تدهور الوضع الاقتصادي فحسب، بل قالت الدراسة إن «احتكار الميليشيات في طرابلس تطور، تحت مرأى ومسمع المجلس الرئاسي، ليتحول إلى كارتل»، موضحًا أن «الميليشيات لم تعد مجرد مجموعات مسلحة تمارس نفوذها عبر القوة، بل نمت إلى شبكات تسللت في أعمال السياسة والإدارة والأعمال».

وقالت إن نهج الاحتيال الذي تستخدمه تلك المجموعات لإصدار خطابات الائتمان من المصارف كان دافعًا رئيسًا في هذا التطور، إذ ارتبط بعض رجال الأعمال بقادة مجموعات مسلحة للاستفادة من خطابات الائتمان المزورة، مع استثمار جزء من الأرباح في المجموعة المسلحة الموالين لها».

ولفتت الدراسة إلى أن الإطار المنظم لخطابات الائتمان أصبح أكثر تعقيداً، متحدثة عن إجراءات تدقيق للمصرف المركزي وإنشاء لجنة للإشراف على إجراءات إصدار الخطابات، إلى جانب قرار ديوان المحاسبة تعليق مئات من الخطابات التي جرى إصدارها بالفعل.
ولمواصلة عملها، فإن المجموعات المتورطة في تزوير خطابات الائتمان عادة ما تمارس نفوذها داخل تلك المؤسسات الحكومية وفروع المصارف وهيئات الجمارك. ومن أجل مواصلة أنشطة الاحتيال المتعددة، بدأت المجموعات المسلحة الأكبر في طرابلس في وضع عملاء لها داخل المؤسسات الحكومية.

ومنذ نهاية العام 2016، تمت تعيينات جديدة بشكل كبير في الوزارات والهيئات تحت ضغط المجموعات المسلحة، ومن ثم تستطيع الشبكات المرتبطة بالمجموعات المسلحة الرئيسة في العاصمة العمل والتنسيق داخل مؤسسات الدولة. ونوهت الدراسة إلى أن معظم الذين جرى تعيينهم أخيرًا من طرابلس نفسها، مما يقضي على صيغة التنوع الجغرافي الذي تقوم عليه حكومة الوفاق.

وقال المعهد الألماني إن «الخناق الذي فرضته (كارتل الميليشيات) على مؤسسات الإدارة يعني أن أرباح أنشطة نهب موارد الدولة تصب لصالح مجموعة صغيرة من الأطراف، وهذا ما يتسبب في تأجيج الصراعات».

ونقلت الدراسة عن سياسيين وقيادات مجموعات مسلحة أن «المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني أصبحا مجرد واجهة، تعمل خلفها المجموعات المسلحة والتابعون لها».

وقالت: «بعض مجموعات مصراتة المسلحة تتواجد في طرابلس وتدعم الوضع القائم. لكن جزءاً كبيراً من مجموعات طرابلس المسلحة، وكثيراً من السياسيين، يشعرون بغضب متزايد نتيجة تهميشهم على يد (كارتل الميليشيات الرئيسة)».

وفي مدينة الزنتان، التي تضم ثاني أكبر قوات في غرب ليبيا، قالت الدراسة إن «هذا الاستياء والغضب موجود ومصحوب بالرغبة في العودة إلى العاصمة والتخلص من الذل إلى لاقته تلك المجموعات في 2014 عندما طُردت من طرابلس قسراً على يد تحالف تقوده مصراتة».

واعتبرت الدراسة أن «تعيين بعض رموز الزنتان في مواقع مهمة بطرابلس ليس كافياً لتهدئة تلك الرغبة». ولفتت إلى قوة أخرى تتطلع أيضاً للعاصمة موجودة في ترهونة. وخلال الأشهر الأولى من 2018، حاولت المدن الثلاث بناء تحالف لدخول طرابلس بالقوة، لكن تعقد شبكة التحالفات حول العاصمة، وانخراط البعثة الأممية منع مثل تلك المحاولات، لكن الدراسة حذرت من أنه كلما استمر الوضع الراهن في طرابلس لمدة أطول، زادت احتمالات اشتعال صراع جديد حول العاصمة.

ترتيبات أمنية جديدة
رأت الدراسة الألمانية أن «مظاهر الاستقرار في طرابلس خادعة، والطريقة التي تحققت بها تنذر بإشعال صراع جديد»، وحذرت من أن «وجود (كارتل الميليشيات) في مؤسسات الدولة يمثل عقبة أمام أي تسوية سياسية».

وهاجمت الدراسة الأمم المتحدة والحكومات الغربية، واعتبرت أنها تتقاسم مسؤولية الوضع القائم في طرابلس، موضحة أنهم «دعَّموا بشكل ضمني إقامة هذا الوضع، في اعتقاد خاطئ أن ذلك قد يساعد حكومة الوفاق الوطني في تأسيس حكمها».

ولهذا طالب المعهد الألماني في دراسته بتغيير مسار عاجل، مطالبًا الأمم المتحدة بالتوسط بين الأطراف الفاعلة داخل وحول العاصمة، والتفاوض من أجل وضع ترتيبات أمنية جديدة. ورأى أيضاً أن الترتيبات الأمنية لا يمكنها انتظار تحقيق تقدم في المسار السياسي، بل بالأحرى هي شرط مسبق من أجل حدوث هذا التقدم.

وقالت الدراسة إنه لا توجد حلول سريعة أو مباشرة لوضع الترتيبات الأمنية في طرابلس، إذ إنه لا يمكن تشكيل قوات أمنية نظامية تتولى المسؤولية دون التوصل إلى اتفاق سياسي دائم، لكن الوضع السياسي الحالي لا يسمح سوى بحلول موقتة.

واقترحت الدراسة نشر قوتين أو ثلاث بشكل دوري وتبادلي، حول المواقع الرئيسة، وفي حال نجحت يتم تعميم هذا النهج على كامل طرابلس. لكنها قالت إن «وضع استراتيجية طويلة الأجل للتعامل مع المجموعات المسلحة في ليبيا تنتج من جهود جدية لمواجهة التحديات التي تمثلها تلك المجموعات».

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة