Accueilالاولىعماد بن حليمة يدعو المجلس الأعلى للقضاء لالتزام حدوده وتجنب السطو على...

عماد بن حليمة يدعو المجلس الأعلى للقضاء لالتزام حدوده وتجنب السطو على اختصاصات أخرى


ليس من دورالمجلس الاعلى للقضاء تنظيم انعقاد الجلسات و عليه ان يحترم حدود نظره و تجنب السطو على اختصاصات سلطة اخرى و مطلوب من رئيس الحكومة ان يتدخل بمرسوم

على شاكلة النزاعات التي تحدث بين الدول حول رسم الحدود تظهر من حين الى اخر في بلادنا اشكالات تتعلق بضبط الخيوط الفاصلة بين اختصاصات كل سلطة من السلط الثلاث في الدولة بشكل يضمن التوازن و خاصة استبعاد الفوضى المتعلقة بتنازع الاختصاص خاصة و نحن في زمن تحول دستوري اعاد التنظيم السياسي و الاداري للدولة.
كنا الى حد زمن غير بعيد نعاني من التدخل السافر للسلطة التنفيذية في المجال القضائي بشكل واقعي و هيكلي كذلك على اعتبار ان المجلس الاعلى للقضاء كان يتراسه رئيس الجمهورية وهو راس السلطة التنفيذية و يتحكم في النقل و الترقيات الخاصة بالقضاة و عزلهم.
اعطى دستور 2014 اكثر ضمانات لاستقلال السلطة القضائية لكن هذا على حد رايي لا يكفي لان الاستقلالية هي ثقافة و عقلية و ممارسة و من اوكد نتائجها هو التزام الهياكل القضائية بعدم التدخل في عمل السلطة التنفيذية خارج الاطار الذي يسمح به القانون.

الحقيقة اننا ما زلنا في مرحلة مخاض و سيستمر الوضع على ما هو عليه لسنوات الى حين ترسيخ عقلية جديدة و كذلك الى حين تركيز المحكمة الدستورية وهي الجهة المختصة بفصل النزاعات المتعلقة باختصاص السلط.

دعما لاستقلال القضاء اعاد دستور 2014 تنظيم المجلس الاعلى للقضاء و اخرج السلطة القضائية من جلباب السلطة التنفيذية و اضحى ذلك المجلس بتركيبة مختلطة لكن باغلبية قضائية بالثلثين و يتكون حسب الفصل 112 من الدستور من اربعة هياكل وهي مجلس القضاء العدلي و مجلس القضاء الاداري و مجلس القضاء المالي و الجلسة العامة التي تضم المجالس الثلاث و قد جاء بالفصل المشار اليه ان رئيس المجلس يكون من الاعضاء من القضاة الاعلى رتبة وهو خلاف الوضع الحالي الان الذي يتراسه قاض من الرتبة الثانية و يعمل تحت اشرافه الرئيس الاول لمحكمة التعقيب و وكيل الدولة العام بها و الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بتونس و رئيس المحكمة العقارية و الرئيس الاول للمحكمة الادارية و رئيس محكمة المحاسباة وهو امر غير مقبول و مخالف للدستور.

اوكل الدستور للقانون امر تنظيم المجلس الاعلى للقضاء وللغرض صدرالقانون الاساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 افريل 2016 الذي ضبط طرق انتخاب و سير عمل المجلس و اختصاصاته و الاجراءات المتبعة امامه و قد اعاد الفصل الاول من القانون الاساسي المذكور عبارات الفصل 114 من الدستور وهي ان المجلس مؤسسة دستورية ضامنة في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء و استقلال السلطة القضائية.

الكلمة المفتاح في هذا الفصل هي ” في نطاق صلاحياتها ” فهذه العبارة تحدد نطاق سلطة المجلس الاعلى للقضاء رجوعا للاختصاصات المنصوص عليها بالقانون المنظم له حتى لا تكون عبارة ضمان حسن سير القضاء في المطلق سببا في الاعتداء على اختصاصات السلطة التنفيذية و التدخل في مجالات خارج الاختصاص.

بالاطلاع على القانون الاساسي المنظم للمجلس الاعلى للقضاء نلاحظ ان هذا الهيكل يتمتع بنوعين من الاختصاصات فهو من ناحية سلطة اصلية حصرية تبت في مجالات محددة حصرا وهو من ناحية اخرى جهة لها راي استشاري غير ملزم في الاغلبية الساحقة من الحالات عدى صورة اصدار الراي المطابق و تقديم الترشيح الحصري طبق الفصل 106 من الدستور.
عملا باحكام الفصول43 و 45 و 58 من القانون الاساسي يختص المجلس كسلطة اصلية بضبط المنح المسندة لاعضائه و تعيين اربعة اعضاء من المحكمة الدستورية و مناقشة مشروع ميزانيته و البت في المسار المهني للقضاة من جهة التسمية و الترقية و النقلة و الالحاق و الاستقالة و الاحالة على عدم المباشرة او على التقاعد المبكرو التاديب و البت في الانظمة الاساسية للقضاة.

خارج هذه الاختصاصات الحصرية يعتبر المجلس الاعلى للقضاء جهة استشارية في مجالات اخرى فهو يقترح الاصلاحات الضرورية لاحترام حسن سير القضاء و احترام استقلاله و يبدي الراي بخصوص مشاريع و مقترحات القوانين المتعلقة بتنظيم العدالة و ادارة القضاء و اختصاصات المحاكم و الاجراءات المتبعة اضافة الى ابداء الراي في برنامج انتداب القضاة و تكوينهم.

من الواضح اذا ان تنظيم العدالة و ادارة القضاء و الاجراءات المتبعة ليست من
مشمولات اختصاصات المجلس الاعلى للقضاء و بالتالي فان اصداره لمذكرة بتاريخ 28 افريل 2020 حول تنظيم سير مرفق العدالة مع بداية الرفع التدريجي للحجر الصحي يعد خرقا واضحا للقانون و تدخل في مجال اختصاص سلطة اخرى و على حد رايي فان رئيس الحكومة بصفته مفوضا من المجلس لاصدارالمراسيم هو الجهة المختصة بسن مرسوم ينظم سير مرفق العدالة مثلما اصدر المرسوم المتعلق بمحاكمة المتهم الموقوف عن بعد من داخل السجن.
ان المذكرة التي اصدرها المجلس الاعلى للقضاء تعيد للذاكرة الصراع الذي كان دائرا بين الاجنحة السياسية و العدلية حول تصورات ارساء مرفق عدالة جديد بمناسبة وضع دستور 2014 و كذلك عند سن القانون الاساسي للمجلس و الدور الذي لعبته هيئة تسيير جمعية القضاة المدعومة انذاك من تيار الاخوان في الدفع نحو ارساء دكتاتورية حكومة القضاة و التي لا زال يسيطر عليها للاسف نفس الشق الى اليوم و ممعن في الاعتداء على اختصاصات المجلس و متدخلا كذلك في اختصاصات وزير العدل.

اثار صدور مذكرة المجلس الاعلى للقضاء سخط عديد الجهات و اهمها هيئة المحامين الذين فهموا ان عقول البعض من مديري الشان القضائي لم يقع تحيينها بعد و تعديل اوتارها على مقتضيات دستور 2014 الذي يعتير المحاماة شريكة في اقامة العدل بالمعنى الكامل للعبارة بما يعني ضرورة ادراك الواقع قبل اخذ القرارات الاعتباطية.

المعلوم ان كل نزاع قضائي يخلق حالة احتقان لا ينهيها الا الاسراع بالفصل فضلا على ان بعض انواع النزاع لها صبغة معاشية مثل قضايا النفقة و النزاعات الشغلية و غيرها اضافة الى ان جانب هام من النزاعات انابة المحامي فيها وجوبية و لا يحضر جلساتها عموم الناس وهي القضايا المدنية و التجارية و الاستحقاقية و غيرها و لا توجد مخاطر للاكتظاظ و يمكن حتى تفعيل مؤسسة القاضي المقرر بشانها المنصوص عليها بمجلة المرافعات المدنية و التجارية تجنبا لعقد الجلسات التحضيرية بقاعة الجلسة.

الحقيقة ان المذكرة الصادرة عن المجلس الاعلى للقضاء تؤسس لانكار العدالة و تضرب مبدا ديمومة المرفق العمومي بعد ان تم الاعلان عن رفع تدريجي للحجر الصحي و ارتقاب صدور امر ينظم عمل اعوان الدولة و المنشئات و شخصيا لا ارى اي حجية لنفاذ تلك المذكرة لصدورها عن جهة غير مختصة و يمكن ان ترتب المسؤولية المدنية عن خطا مرفقي جسيم في صورة الاصرار على تعطيل مرفق العدالة بدون وجه حق اعتمادا على مذكرة ولدت ميتة.
انا على اعتقاد راسخ ان بعض الاطراف من الموالين لتنظيم الاخوان و المتداخلين في سير العمل القضائي لعبوا دورا مهما في صدور المذكرة المشار اليها و يدفعون نحو تازيم الوضع بين القضاة و المحامين و لا بد من اعمال صوت الحكمة و حلحلة الوضع بالشكل الضامن لتوازن المصالح و احترام مقومات السلامة الصحية و ادعو رئيس الحكومة الى تنظيم سير مرفق العدالة طيلة الفترة المتبقية قبل صدور الامر الرافع للحجر الصحي العام بمقتضى مرسوم تشرك في صياغته الاطراف المتداخلة في الموضوع لضمان النجاعة فاهل الميدان تدرى بالواقع من الذين ياخذون القرارات في مكاتب مغلقة و معزولة عن الواقع المعاش.

الاستاذ عماد بن حليمة 30 افريل 2020

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة