Accueilالاولىعماد بن حليمة : هل تجاوز الفخفاخ حدود التفويض حول حضور...

عماد بن حليمة : هل تجاوز الفخفاخ حدود التفويض حول حضور المتهمين بجلسات المحاكمة

أسند مجلس النواب تفويضا لرئيس الحكومة في اصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا( كوفيد 19) و تامين السير العادي للمرافق الحيوية و ذلك بمقتضى القانون عدد 19 لسنة 2020 المؤرخ في 12 افريل 2020 المنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 31 بنفس التاريخ.

اصدرت رئاسة الحكومة الى حد الان 15 مرسوما من بينها المرسوم عدد 12 بتاريخ 27 افريل 2020 المتعلق باتمام مجلة الاجراءات الجزائية و ذلك باضافة الفصل 141 مكرر .
المعلوم ان الفصل 141 من مجلة الاجراءات الجزائية ينظم حضور المتهمين بجلسات المحاكمة و يفرض حضور المتهم بقاعة الجلسة حتى يتسنى له الدفاع عن نفسه و يمكن لمحاميه الترافع في حقه في الصورة التي يكون محالا فيها على المحاكمة من اجل جريمة عقابها سالب للحرية اما اذا كانت الجريمة لا تتضمن الا عقوبة الخطية فيحق للمحامي الدفاع عن موكله بدون التوقف على حضوره امام المحكمة و اذا كان المتهم موقوفا في ذات القضية او في قضية اخرى فان النيابة العمومية تتكفل بجلبه لحضور الجلسة.

مع انتشار وباء كورونا و خوفا من انتقال العدوى للمتهم الموقوف عند اخراجه من السجن و مخاطر ذلك على صحة بقية الموقوفين عند عودته لمركز الايقاف رات الحكومة ضرورة اتاحة الفرصة لاستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري لحضور جلسات المحاكمة عن بعد ضمانا لاستمرار عمل المرفق العام القضائي و ربما تجنبا لمضاعفات التململ الذي بدا يظهر في السجون نتيجة تعليق انعقاد الجلسات.

جاء بالفصل الاول من المرسوم المشار اليه الذي تضمن اضافة فصل جديد لمجلة الاجراءات الجزائية وهو الفصل141 مكرر ما يلي :
” يمكن للمحكمة ان تقرر من تلقاء نفسها او بطلب من النيابة العمومية او المتهم حضور المتهم المودع بالسجن بجلسات المحاكمة و التصريح بالحكم الصادر في شانه باستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري المؤمنة للتواصل بين قاعة الجلسة المنتصبة بها المحكمة و الفضاء السجني المجهز للغرض و ذلك بعد عرض الامر على النيابة العمومية لابداء الراي و شرط موافقة المتهم على ذلك.
و يجوز للمحكمة في حالة الخطر الملم او لغاية التوقي من احدى الامراض السارية ان تقرر العمل بهذا الاجراء دون التوقف على موافقة المتهم المودع بالسجن ” .

اول ما يسترعي الانتباه هو تفرقة النص بين التواصل مع المتهم الموقوف بالسجن بواسطة وسائل الاتصال السمعي البصري في الوضع العادي الهادىء وبين التواصل في وضع الخطر الملم او لغاية التوقي من الامراض السارية.
الملاحظة الاولى ان هذا النص المضاف يخرج عن نطاق التكليف الممنوح من البرلمان لرئيس الحكومة و الذي اقتصر على الترخيص في سن اجراءات استثنائية في علاقة بمجابهة تداعيات الانتشار الوبائي و بالتالي فانه من غير المقبول قانونا ان يتجاوز رئيس الحكومة حدود التفويض و يضيف احكاما تتعلق باجراءات تواصل المتهم الموقوف مع المحكمة بواسطة ادوات الاتصال السمعي البصري خارج صورة الحالة الوبائية مثلما فعل بالفصل 141 مكرر بان تحدث عن التواصل عن بعد في الوضع العادي او كذلك في حالة الخطر الملم و المقصود بحالة الخطر الملم هو وجود تهديد لسلامة عملية نقل السجين من مركز ايقافه للمحكمة و يبدو ان النص يعني بالاساس المتورطين في جرائم ارهابية بدليل اشارة المرسوم في طالعه للقانون الاساسي لمكافحة الارهاب لسنة 2015 الذي لم يتضمن اجراءا خاصا بعقد الجلسات على خلاف سابقه وهو قانون مكافحة الارهاب المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 الذي اتاح امكانية عقد الجلسة في الجرائم الارهابية في اي مكان تقرره المحكمة و قد يكون السجن الذي يقيم به المتهم.
الملاحظة الثانية ان هذا القانون يجب ان يضمن المساواة بين جميع المتهمين الموقوفين بما يعني ضرورة تجهيز كل محاكم الجمهورية بمختلف درجاتها و كل السجون بمعدات الاتصال السمعي البصري حتى لا تقع التفرقة بين الجهات و هذا امر يتطلب كثيرا من الوقت و خاصة من المال و ينطوي على خطر خرق مبدا المساواة امام المرفق العام.
الملاحظة الثالثة التي اسوقها ; لماذا وقع حصر التواصل بادوات الاتصال السمعي البصري في مرحلة الحضور بقاعة جلسة المحاكمة بينما خطر انتشار الوباء يمكن ان يكون عند كل خروج للسجين الذي يمكن ان يطلب سماعه قاضي التحقيق او تحرر عليه دائرة الاتهام او يجري مكافحة مكتبية مع غيره او يقع سماعه كشاهد في قضية اخرى او لحضور جلسة صلحية في مادة الطلاق او النفقة و عليه كان من الواجب تعميم اجراء التواصل عن بعد في كل الاجراءات القضائية دون حصرها في حالة وحيدة وهي حضور جلسة المحاكمة حتى تحصل الفائدة و تتحقق الغاية من الاجراء.

يتم اعتماد وسائل الاتصال السمعي البصري بقرار كتابي معلل من المحكمة المتعهدة بالنظر في القضية غير قابل للطعن و لا ادري ما الغاية من اشتراط التعليل اذا كان غير قابل للطعن فالتعليل تكون الغاية منه اجراء الرقابة من الهيكل القضائي الاعلى.
يتوقف قرار عقد الجلسة عن بعد على موافقة المتهم في حالة المحاكمة في الوضع العادي احتراما للمعطيات الشخصية و دون موافقته في حالة المحاكمة في ظل وجود خطر ملم او عند الوضع الوبائي ويعتبر الفضاء السجني المخصص امتدادا لقاعة الجلسة بما يعني ان الحكم يصدر حضوريا و ان كل مخالفة ترتكب بذلك الفضاء اثناء انعقاد الجلسة تعتبر جريمة مجلسية تنطبق عليها الاجراءات المقررة لذلك النوع من الجرائم و يحق للمحامي الحضور الى جانب موكله بالفضاء السجني المخصص او بقاعة الجلسة بالمحكمة للدفاع عنه و يقع اشعاره مسبقا في صورة ما اذا قررت المحكمة عقد جلسة عن بعد.
الحقيقة هذا القانون يثير سيلا من التعليقات و الانتقادات في علاقة بمدى احترامه لنواميس المحاكمة العادلة كما ينطوي على مشاكل تطبيقية عديدة منها خاصة الجانب اللوجستي و الكلفة المالية هذا فضلا على ان المرسوم المشار اليه لم يتضمن اجراءات استثنائية مرتبطة بوباء كورونا و انما تضمن اجراءات اعتيادية لم يسبق التخطيط لها و دراستها و استشارة اهل الذكر فيها و من المتجه ان يسقطه مجلس النواب عند تمريره على المصادقة اللاحقة.

الاستاذ عماد بن حليمة 02 ماي 2020

مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة