Accueilالاولىكيف تتعاطى رئاسة الجمهورية مع المعلومة الأمنية

كيف تتعاطى رئاسة الجمهورية مع المعلومة الأمنية

كشف اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيد بكبار القيادات الأمنية والعسكرية عن وجود هنات في تعاطي مؤسسة الرئاسة مع المعلومات الأمنية التي تصلها اذ تبين أن المؤاخذات والتي تحولت الى ما يشبه الادانة تعوزها الدقة وسرعان ما دحضتها عدة مصادر متطابقة مما يحملنا على التساؤل ان كانت التقارير التي تصل الى رئيس الجمهورية قد مرت على غربال التدقيق للتثبت من صدقيتها كما كان معمول به في السابق .

فالمعلومة الخاطئة تؤدي بصاحب السلطة الى اتخاذ قرارات خاطئة ومن هنا تكمن أهمية غربلة المعلومة والتفحص فيها وتحليلها وهو ما يطلق عليه أصحاب الاختصاص في هذا المجال بالتحليل النقدي الذي هو مهارة ضرورية في جميع جوانب العمل الأمني ويعرّف الخبير في المجال الأمني براون وكيلي التحليل النقدي على أنه عملية تفكيك ما يتم قرائته, ثم الكتابة والاستماع بطريقة عقلانية ومنطقية . يتطلب التحليل النقدي تجاوز الوصف والتركيز على التحليل للتقييم، والانتقاد والاستناد إلى ما يتم القيام به. ومع ذلك ، في حين أن التحليل النقدي يشجع على النقد ، يجب أن يكون الرد دائمًا على علم واستنادا إلى أساس جيد في البحث والقراءة الواسعة. التحليل النقدي يتجاوز مجرد وصف موضوع معين في مجالات التحليل والتقييم.

فخلال 21 دقيقة كشف رئيس الجمهورية عن 3 معلومات قال أنها تتعلق بالأمن القومي ولكن هذه المعلومات أسقطها المعنيون بها مباشرة في الماء وقدموا براهين لدحضها .

فرئيس الجمهورية أخبرنا ليلتها إن قاضيا في قفصة لا يعرف على أي ساق يرقص” حكم بتخطئة “مهرب ” بألف دينار وأعاد إليه البضاعة المحجوزة عنه والمقدرة قيمتها ب 300 ألف دينار وهو أمر غر مقبول بالمرة حسب وجهة نظر رئيس الجمهورية ولكن بعد التمحص في هذه المعلومة تبين أنها غير دقيقة بالمرة وأن القاضي لم يخالف القانون والأهم من كل هذا فان القرار لم يتخذه لوحده بل برفقة قاضيين اخرين .

فحسب الأستاذ صلاح البرقاوي وهومحاما وقاض سابق فان ملابسات الحكم كانت على النحو التالي :

أولا: أن من أصدر الحكم هي هيأة مؤلفة من ثلاثة قضاة وليس قاضيا منفردا.

ثانيا: أن المتهم تاجر صاحب باتيندة وليس “كناتري”.

ثالثا: أن المخالفة التي ارتكبها الرجل تتمثل في عدم التصريح بالمستودع الذي يخزّن به البضاعة وليس التهريب.

رابعا: أن المتهم قدّم للمحكمة الفاتورات التي اقتنى بها البضاعة ولم تكن مجهولة المصدر.

لهذه الأسباب قضت المحكمة بتخطئة المتهم من أجل عدم التصريح بالمستودع وأرجعت إليه بضاعته بعد أن أثبت لها أنشرعية مصدرها.

علما وان أن وكيل الجمهورية كما الديوانة يمكنهما استئناف هذا الحكم إذا تبين لهما أن اجتهاد القضاة كان مخالفا للقانون.

وفي تلك الليلة أيضا اتهم رئيس الجمهورية قيس سعيد عددا من المحللين و الخبراء بعدد من وسائل الإعلام بالإستفادة من هبة بقيمة 40 مليون دينار، باسم اصلاح الإعلام، تم تقديمها من قبل شركة إلى رئاسة الحكومة سنة 2017 واصفا إياهم بالمرتزقة الذين يقدمون التحاليل الكاذبة وقال  ”المتباكون على حرية التعبير ليس لديهم حرية التفكير بل هم مرتزقة لن أقول الأسماء وسيعرفون أنفسهم”

ولكن بعد التمحيص تبين انه لا وجود لهذه الشركة مطلقا ولا وجود أيضا لهذه الهبة وكل ما في الأمر انها اشاعة تم تداولها خلال حكومة يوسف الشاهد والشخص الذي أطلقها وقع ايقافه والتحقيق معه اذ تحدثت الالسن وقتها عن هبة من الحكومة البريطانية لدعم الاعلام في تونس ولكن تبين انه لا وجود لهذه الهبة اصلا اما اذا كان رئيس الجمهورية يقصد الهبة التي قدمها الاتحاد الأوروبي لتونس فان الجهة التي تلقتها وهي المركز الافريقي لتدريب ورسكلة الصحافيين فان الاشراف عليه يعود الى رئاسة الحكومة حتى ان المركز بعد انتشار اشاعات حول المستفيدين من هذه الأموال اضطر لنشر بيان توضيحي يوم 8 جويلية 2021 جاء فيه ”  أن الحديث عن اقتسام كعكة هو طرح مجانب للصواب بما أن كل العمليات المالية كانت خاضعة للمتابعة والاشراف المباشرمن طرف بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس. كما لا يخفى على أحد أن المركز هو منشأة عمومية ذات صبغة إدارية ولا يحق له قانونيا وإداريا التصرف المالي في هذا البرنامج.”

لقد كشفت التصريحات المتعددة لرئيس الجمهورية ان المعلومات التي كشف عنها تعوزها الدقة ليس فقط فيما يتعلق بالأرقام والتواريخ فحسب بل أن المعلومة بمجملها تعوزها هي الاخرى الدقة فالمتحدث ليس رجلا عاديا فهو رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأمنية والعسكرية وبالتالي فانه لديه من الأجهزة والخبرات ما يمكنه من الوصول الى المعلومة بكل سلاسة شريطة ان تكون قد مرت على مراحل عدة قبل الوصول اليه اذ يتطلب الأمر تنويع المصادر ثم التأكد من صدقيتها وأهميتها اذ لا يعقل على سبيل المثال ان يتضمن التقرير الأمني اليومي الذي يصل الى مكتب رئيس الجمهورية تحركات موظف داخل ادارته فهذا من مسؤولية رئيسه المباشر ورئيس الجمهورية ليس لديه وقتا لمثل هذه المواضيع الجانبية .

فهل يعقل ان يتحول رئيس الجمهورية في ساعة متأخرة من الليل من قصر الرئاسة الى منطقة المرسى للوقوف على ” نفق ” بجانب منزل السفير الفرنسي لنكتشف فيما بعد أنها مجموعة من الحفر الصغيرة من عمل مجموعة من الباحثين عن الكنوز . كان حري على المشرفين على هذا “الاكتشاف الخطير “ان يتبينوا حقيقة الأمر قبل ازعاج رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة وبقية أعضاء الحكومة ليتنقلوا الى ذلك المكان .

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل انتقل الى تواتر ” الكشف ” عن المؤامرات الخارجية التي تحدث عنها الرئيس في أكثر من مناسبة ولكن المؤامرة الأكثر خطورة التي كشف عنها الرئيس تعود الى السنة الماضية اذ حذر يومها من مؤامرات في تونس تصل إلى حدّ اقتراح بعضهم الاغتيال، مضيفا أنّ بعض الخَوَنة باعوا ضَمائرهم للمخابرات الأجنبية، لاغتيال عدد من المسؤولين، حسب تعبيره.

وأضاف سعيّد خلال إشرافه مساء 23 ديسمبر 2021 بقصر قرطاج، على اجتماع مجلس الوزراء”نحن على عِلم بما يُدبّرون في الداخل وفي الخارج، ثمّ توجه بكلامه لوزير الداخلية بالقول “هناك مكالمة هاتفية تتحدّث حتّى عن يوم الاغتيال”، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل. 

ورغم خطورة ما كشف عنه رئيس الجمهورية توقف الأمر عند ذلك الحد دون أية متابعة وكانما الأمر يتعلق بمخالفة مرورية عادية سرعان ما نسيها الجميع .

ليس كل ما يعرف يقال

فلنتفق جدلا أن كل المعلومات ” الخطيرة ” التي كشف عنها رئيس الجمهورية دقيقة وسليمة وموثقة بالدليل والبرهان فهل يجوز الكشف عنها على الهواء مباشرة فهل فكر رئيس الجمهورية أو أي مسؤول في الدولة في التبعات التي تترتب على البوح بهذه الأسرار وسنذكر عددا منها على سبيل الذكر لا الحصر

فتواتر الحديث عن المؤمرات والاغتيالات يبعث برسالة سلبية في الداخل والخارج مفادها ان هذا البلد يقف فوق فوهة بركان وانه غير مستقر وهذا سيؤدي لا محالة الى نفور المستثمر الأجنبي الذي يحتاجه اقتصادنا الوطني .. كما ان الكشف عن معلومات قبل اوانها سيمنح المتأمرين فرصة لتغيير خططهم وبرامجهم .

وتواتر الحديث عن المؤامرات والدسائس ” التي تهدد الأمن القومي ” و” تستهدف تفكيك مؤسسات الدولة ” دون الكشف عن المتامرين او حتى ملاحقتهم قضائيا سيفقدها الجدية و نخشى كل ما نخشاه ان تفقد هذه الاتهمات مصداقيتها وقد نكرر تجربة ذلك الرجل الذي اوهم الناس بغرقه في مناسبتين وحين غرقا فعلا وطلب النجدة فلم يلتفت اليه أحد .

+++ ملاحظة لابد منها

قلة قليلة من التونسيين لا يعرفون أن وزير الداخلية الحقيقي زمن بن علي وطوال 23 سنة كان بن علي نفسه الذي كان يمتلك خبرة واسعة في المجال الأمني وفي مجال الاستعلامات واشتغل في المجال الأمني والعسكري طوال سنوات طويلة حتى انه كان يمتلك أكثر من جهاز لجمع المعلومات وتحليلها ويمتلك أيضا في القصر جهاز تنصت متطور ولكن هذا لم يمنعه في اخر خطاب له وهو في السلطة يوم 13 جانفي 2011 ان يعلن صراحة وعلى الهواء مباشرة ” غلطوني ” .

Jamel Arfaoui
Présentation
مقالات ذات صلة

الأكثر شهرة