تعليقا على اعلان وزارة المالية بأن ميزانيّة الدولة سجّلت فائضا، بقيمة 2 مليار دينار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2025، قال أستاذ الاقتصاد سجّلت بأن هذا الرقم لا معنى له ولا يمكن أن يعبر عن حوكمة رشيدة للمالية العمومية
“عودة على الأرقام الأخيرة لفائض ميزانية الدولة خلال الثلاثي الأول لسنة 2025 وللعجز التجاري خلال ال5 أشهر الأولى لسنة 2025 :
1 – فائض ميزانية الدولة خلال الثلاثي الأول لسنة 2025 : 078.5 2 مليون دينار
– هذا الرقم لا معنى له ولا يمكن أن يعبّر عن حوكمة رشيدة للمالية العمومية، فميزانية الدولة يحكمها مبدأ أساسي مهم وهو مبدأ السنوية، إذ لا يمكن الحكم على طريقة التصرف في المالية العمومية خلال بضع أشهر ولا بد من التريّث الى انتهاء السنة لتقييم المالية العمومية
– خلال السنة الماضية، كما في السنوات السابقة الأخرى، سجلت ميزانية الدولة خلال الثلاثي الأول، فائضا ماليا ب 192.4 1 مليون دينار. لكننا أغلقنا السنة بعجز مالي كبير قدّر ب 078.4 10 مليون دينار وسنغلق هذه السنة كذلك بعجز مالي.
– فائض ميزانية الدولة ب 078.5 2 مليون دينار خلال الثلاثة أشهر الأولى لهذه السنة، يعني أننا تسلّمنا موارد مالية لكننا تقاعسنا في استعمالها ولم نوجهها الوجهة المطلوبة حتى تؤدي ميزانية الدولة دورها في تحقيق الأهداف الاقتصادية من نمو وتشغيل وتحكم في التضخم المالي.
فالموارد المالية خلال هذه الفترة من هذه السنة تطوّرت بصفة عادية، إذ مثّلت على الأقل ربع المبلغ المقدّر في ميزانية الدولة لسنة 2025، على ثلاثة أشهر أي خلال الربع الأول من هذه السنة.
فالدولة تمكّنت من تعبئة 11.2 مليار دينار كموارد جبائية على 45.2 مليار دينار مقدرة في ميزانية الدولة لسنة 2025 أي الربع (24.7 في المائة) وموارد غير جبائية ب1.2 مليار دينار على 4,8 مليار دينار (25 في المائة) وموارد اقتراض داخلي ب 6.3 مليار دينار على 21.9 (28.7 في المائة) وموارد اقتراض خارجي ب 2 مليار دينار على 6.1 مليار دينار (32.3 في المائة)
لكن على مستوى النفقات، فالإنجاز كان ضعيفا أي أقل بكثير من 25 في المائة. فالدولة صرفت 5.5 مليار دينار كأجور على 24.5 مليار دينار (22.4 في المائة) و1.5 مليار دينار فقط كدعم على 11.6 مليار دينار وخاصة وهذا هو الأخطر، 0.5 مليار دينار فقط كنفقات استثمار عمومي على 5.4 مليار دينار مقدّرة في ميزانية الدولة.
الخلاصة : أن الدولة خلال الثلاثي الأول من هذه السنة تحصّلت بما فيه الكفاية على الموارد خاصة ممنها موارد الاقتراض، لكنها لم تنجز ما هو مطلوب منها أي تنفيذ نفقات الدولة حتى تحقق الأهداف التي سطّرتها لنفسها، فهل هذا الفائض يعتبر إنجاز اقتصادي؟ العكس هو الصحيح، فائض ميزانية الدولة المسجل خلال الربع الأول من هذه السنة يعكس ضعف في إنجاز ميزانية الدولة، فالموارد التي تمكنت الدولة من تعبئتها مجعولة لصرفه ولا لإدخارها.
2 – تفاقم العجز التجاري خلال الخمس أشهر الأولى لسنة 2025 : 8.4 مليار دينار مقابل 6.4 مليار دينار خلال نفس الفترة من سنة 2024 أي بزيادة ب 2 مليار دينار كاملة
– تفاقم هذا العجز التجاري كان بسبب ارتفاع الواردات بنفس النبلغ أي 2 مليار دينار (من 33.2 مليار دينار الى 35.2 مليار دينار)
– الخطير فعلا هو أن الصادرات لم تتحرّك بالمرة خلال 5 أشهر كاملة : 26.8 مليار دينار خلال ال5 أشهر الأولى من هذه السنة كما في نفس الفترة من السنة الماضية وهذا مؤشر سلبي للغاية ولا بد من الانتباه له.
– نسبة تغطية الواردات بالصادرات تراجعت بأربع نقاط ونصف كاملة، من 80.7 في المائة الى 76.2 في المائة.
– صادرات المواد الفلاحية والغذائية تراجعت ب18.5 في المائة من جراء تراجع صادرات زيت الزيتون.
– لكن بالرغم من هذا المنحدر الخطير، هناك بوادر خير لا بد من الارتكاز عليها : فصادرا الفسفاط تحسّنت ب 12.9 في المائة، وصادرات النسيج تحسّنت ب 2 في المائة وصادرات الصناعات الميكانيكية والكهربائية تحسّنت ب 6.4 في المائة.
– المعطى الإيجابي الأهم هو ارتفاع واردات مواد التجهيز ب 22.2 في المائة وواردات المواد الأولية ونصف المصنعة ب 8.4 في المائة وهذا يعني أن المستثمرين في تونس لهم الاستعداد التام والنية للاستثمار، لكن مناخ الاعمال، غير الملائم هو الذي يعيق تحوّل هذه النية الى واقع ملموس.
– معطى إيجابي كذلك : هو تراجع العجز الطاقي من 5 مليار دينار خلال ال5 أشهر الأولة من السنة الماضية الى 4.3 مليار دينار خلال نفس الفترة من هذه السنة. لكن لا ننسى أن هذا المؤشر الإيجابي لا يعكس جهود الدولة في التقدّم في الطاقات المتجددة بل هو نتيجة لتراجع الأسعار العالمية للنفط.