بعد أشهر قليلة من دخول التعديلات الجديدة على قانون الشيكات حيز التنفيذ، تشهد السوق التونسية تحوّلًا جذريًا في أدوات الدفع، حيث برزت الكمبيالة كأداة بديلة للشيك، لكنها سرعان ما تحولت إلى مصدر قلق اقتصادي وقانوني، في ظل ضعف الضمانات وغياب آليات رقابة فعالة.
ووفقًا لما كشفه بلال دارناوي، المدير العام للشركة التونسية للمونيتكية، خلال تدخّل إذاعي حديث، فإن حجم الكمبيالات المتداولة في تونس بلغ خلال شهري فيفري ومارس 2025 حوالي 11 مليار دينار. إلا أن نحو 10% من هذه الكمبيالات، أي ما يعادل مليار دينار، تم رفضها بسبب عدم توفر المؤونة الكافية، ما يضع علامات استفهام جدية حول قدرة هذه الأداة على ضمان استقرار المعاملات المالية بين المؤسسات.
الكمبيالة: مرونة قانونية أم ثغرة خطيرة؟
الكمبيالة، رغم كونها أداة قانونية منظمة ضمن مجلة الالتزامات والعقود، تبقى أقل صرامة من الشيك على مستوى الإجراءات الزجرية. ففي حين يؤدي إصدار شيك بدون رصيد إلى تتبعات جزائية، لا تُواجه الكمبيالة المرتجعة سوى إجراءات مدنية طويلة ومعقدة، ما يجعلها بيئة خصبة للتعثر وسوء الاستعمال.
ويخشى اقتصاديون أن تكون الكمبيالة قد تحولت إلى ملاذ قانوني للهروب من العقوبات المرتبطة بالشيكات، خصوصًا في ظل غياب نظام وطني رقمي لمتابعة عمليات إصدارها وتداولها.
دعوات لإصلاح شامل للإطار القانوني للكمبيالات
في ظل هذه المعطيات، يدعو عدد من المختصين في المالية والقانون التجاري إلى:
- تحديث الإطار التشريعي المنظّم للكمبيالات لتقوية الضمانات المدنية.
- إحداث سجل وطني رقمي للكمبيالات على غرار منظومة الشيكات، يمكن من تتبع التعثرات والحد من التكرار.
- التفكير في اعتماد الكمبيالة الرقمية، المرتبطة مباشرة بمنظومة المدفوعات الإلكترونية.
- إدماج البنوك في آلية تحقق مسبق من الجدارة المالية لمصدري الكمبيالات.
التداعيات الاقتصادية: اختناق محتمل في سلاسل التوريد
الارتفاع غير المسبوق في حجم الكمبيالات المرتجعة، والذي بلغ مليار دينار في ظرف شهرين فقط، يُنذر بانعكاسات خطيرة على سلاسل التوريد، خصوصًا بين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد بشكل كبير على هذه الآلية لتأمين السيولة.
كما أن غياب ضمان قانوني فعّال يجعل الكمبيالة حاليًا أداة غير آمنة للدائنين، ما قد يؤدي إلى موجات متتالية من التعثر، تُضعف مناخ الثقة، وتعيق الدورة الاقتصادية في وقت تمر فيه البلاد بأزمة تضخمية وتراجع للقدرة الشرائية.