أمر رئيس الحكومة هشام المشيشي صباح اليوم وهو يلتقي وزراء العدل والدفاع والداخلية بضرورة التحرّك الفوري لبسط سلطة القانون والتدخّل بالتنسيق مع النيابة العمومية لفتح الطرقات وإعادة تشغيل مواقع الإنتاج التي أدّى غلقها إلى صعوبات في التزوّد بالمواد الأساسية لدى عموم التونسيين والإضرار بمصالحهم الحيوية وأمنهم العام وأمن البلاد القومي.
ويبدو ان هذا القرار الذي سبقه جدل واسع بين مختلف الأطياف السياسية والمنظمات المدنية حول احقية الدولة في ادارة الشأن العام والحفاظ على السلم الاهلية عبر ممارسة ما يسمى بالعنف الشرعي
يبدو جليا ان هذا القرار ليس سهلا وستكون له تبعات لا محالة سياسية وامنية و حقوقية الا ان العديد من المراقبين لاحظوا أن الأمر زاد على حده ونحن نعيش وجها جديدا لحرب اهلية بلا سلاح لم تتعود عليها الشعوب مطلقها وكأنها من ابداع التونسيين .
اذ بتنا نعيش يوميا على وقع تحركات جهوية تستهدف جهات أخرى دون أن تعلن عن ذلك صراحة ولنا في ذلك مثال قضية الغاز المنزلي اضافة الى محاولات احدى الجهات قطع الماء على بقية الجهات الأخرى وهكذا دواليك ونحن نستذكر كيف قطعت جهات بالجنوب التونسي مداخيل تعتمد عليها الدولة وكافة الشعب التونسي – انتاج الفسفاط والغاز والبترول –
اتضح جليا ان التحذيرات التي تواصلت على امتداد الأسبوع الماضي ومطلع هذا الأسبوع من حقيقة انتشار ما سمي بالتنسيقيات التي أطلق عليها الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي باللجان الشعبية في اشارة الى اللجان الشعبية التي اطلقها الراحل معمر القذافي في ثمانينات القرن الماضي وادت الى سقوط وتفكيك كل مؤسسات الدولة الليبية والتي حولتها الى جمهورية للفوضى تعاني تبعاتها الى حد اليوم .
المشيشي اختار أن يتكلم بهدوء في مواجهة كل هذه التحركات التي بدأت تشل الدولة عن اي تحرك الى الأمام ولكن هذه المرة تكلم بهدوء وحمل معه عصا غليضة كما نصح بذلك قبل نحو 115 عاما الرئيس الأمريكي الراحل فرنكلن روزفلت لتصبح المقولة ايديولجية العصا الغليظة .
وايديولوجيا العصا الغليظة يبدو أنه مستوحى من التبرير لاستعمال العنف وحصر شرعية ممارسته بالدولة الذي ابتدعه ميكافيلي الذي نصح كل أمير بضرورة الجمع بين القانون واستعمال القوة والعنف، فلا حكم إلا لمن يستطيع الجمع بين القوة، والمكر، والخداع.
هذا التبرير الميكافللي سانده بعد ذلك السوسيولوجي الالماني ماكس فيبر من خلال تاكيده، أن الدولة باعتبارها تجمعًا سياسيًا غير قابلة للتعريف إلا من خلال العنف، فالعنف المادي يعتبر الوسيلة الوحيدة التي تسمح للدولة بممارسة سيادتها، وبدون العنف ستعم الفوضى. كما يؤكد بأن الدولة تملك الحق في استعمال العنف، فهو إذن عنف مشروع لا يمكن أن يمارسه أي فرد دون موافقة الدولة.
لكن اخرين في نظرتهم للدولة قد طوروا مفاهيم وتصورات يكون العنف فيها في المرتبة الثانية او ادنى من ذلك، عن طريق ما يسمى بالاكراهات الزجرية، يتقدم على ذلك كما يرى بول ريكور أن حقيقة الدولة تتجلى في قدرتها على الجمع بين ما هو عقلاني واقتصادي.