العلاقات التونسية – الصينية : ماذا تقول الأرقام

0
375

يعود اليوم وزير الخارجية الصيني وانغ يي الى تونس للمرة الثانية بعد أن زارها في ماي 2016

ولاعطاء الزيارة التي تستمر 3 أيام طابعا خاص وجّه رئيس الجمهورية قيس سعيّد رسالة تهنئة إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ، أعرب من خلالها، بالخصوص، “عن اعتزازه بإحياء هذه الذّكرى التاريخية وعن ارتياحه لمستوى علاقات التعاون المثمر بين البلدين، والتي تعزّزت خلال السنوات القليلة الماضية لا فقط على المستوى الثنائي ولكن أيضا في أطر 34 مليون دولار فقطقليمية ودولية، وذلك بفضل ما يجمع تونس والصين من إدراك قوي بأهمية مزيد تطوير هذه الأواصر وتنويعها.”
كما أكّد رئيس الجمهورية “على حرص تونس على تقوية وشائج الصداقة مع الصين والتأسيس لشراكات جديدة وواعدة في عدّة قطاعات مما سيساهم في الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى أرفع المراتب. “

ورغم مرور 6 عقود على إقامة العلاقات بين البلدين الا أن حجم الاستثمارات الصينية في تونس، لا يتجاوز 34 مليون دولار فقط.

وحسب المعهد الوطني للاحصاء تحتل الصين صدارة الدول التي تحقق فائضا لصالحها في تعاملها التجاري مع تونس على الرغم من تراجع واردات تونس من بكين بنسبة 8ر6 بالمائة مع موفي سبتمبر 2023،

وحسب العديد من الخبراء لم تحقق تونس بعد كامل إمكانياتها فيما يتعلق بعلاقاتها مع الصين. وعلى الرغم من الوعود بالمرونة وعدم التدخل، لم تُستثنَ بكين من تحديات العمل بنجاح في تونس. فالشراكة الناتجة عن هذا العمل تُعتبر ناقصة حتى بالمقارنة مع جيران تونس، الذين شهدوا مستويات أعلى من الاستثمار والتجارة الصينية. وعلى وجه الخصوص، الجزائر – التي توفر الهيدروكربونات التي تحتاجها الصين وتشارك معها بعض التقارب الأيديولوجي – والتي عززت علاقاتها الثنائية على مر السنين ودخلت في شراكة استراتيجية شاملة مع بكين في عام 2014. كما أطلقت الصين مشاريع استثمارية ضخمة في المغرب، مثل تطوير مدينة طنجة للتكنولوجيا، التي يُتوقع أن تستضيف 200 شركة صينية بحلول عام 2027. أما القطاعات الوحيدة التي تتفوق فيها الجهود الصينية في تونس على تلك التي تشهدها بلدان المغرب العربي الأخرى فهي وسائل التواصل الاجتماعي والدبلوماسية العامة، مما يعكس العقبات الهيكلية الرئيسية في تونس. وحتى الرئيس سعيّد، الذي تبنى خطاباً مناهضاً للغرب بشكل متزايد بعد انتخابه في عام 2019، تجنب جعل الصين جزءاً مهماً من سياسته الخارجية.

ومن الناحية النظرية، يمكن أن يتوسع النفوذ الصيني بسرعة إذا تخلفت تونس عن سداد ديونها العامة أو انهارت اقتصادياً. وكما يتضح في بعض البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى، استخدمت بكين أحياناً مكانتها كملاذ أخير للإقراض لكسب النفوذ محلياً. ومع ذلك، تُظهر الدراسات أن معظم عمليات الإنقاذ الضخمة هذه قد حدثت في بلدان تُعد فيها الصين مستثمراً كبيراً فعلاً، الأمر الذي لا ينطبق على تونس. بالإضافة إلى ذلك، حثت بكين الحكومة التونسية علناً على العمل مع “صندوق النقد الدولي” لتأمين حزمة قروض كانت معلقة منذ أكتوبر، مما يشير إلى أنها تفضل عدم التصرف كمقرض طارئ في هذه الحالة.

وكان سفير جمهورية الصين الشعبية بتونس وان لي أعلن خلال مؤتمر صحافي بمقر السفارة بتونس العاصمة يوم 31 ماي 2023 أنه من الصعب أن تجد تونس جهة مقرضة تعوض صندوق النقد الدولي.

وقال السفير خلال مؤتمر انعقد بمناسبة وفد الحزب الشيوعي الصيني برئاسة تشيوي تشنغ شان رئيس معهد تاريخ وأدبيات الحزب التابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إنه لا بديل عن الصندوق النقد الدولي باعتباره جهة مُقرضة.

وحسب تقرير للويس دوجيت جروس الدبلوماسي الفرنسي وسابينا هينبرغ من “كلية الدراسات الدولية المتقدمة” في “جامعة جونز هوبكنز”، تُعد تونس شريكاً قيماً للصين بفضل موقعها في وسط ساحل شمال أفريقيا، وإمكانية وصولها إلى الأسواق الأوروبية والأفريقية وقربها من طرق الشحن الحيوية. ودفع هذا الواقع بكين إلى إدراج تونس في “مبادرة الحزام والطريق”، والتي وقّعت الحكومتان مذكرة تفاهم بشأنها عام 2018. وكما هو الحال مع البلدان الأخرى في “مبادرة الحزام والطريق”، تدّعي الصين بناء الشراكة استناداً إلى مبدأين رئيسيين: الأول هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية التونسية والثاني هو الانتهازية المطلقة. ويُقصد من هذين المبدأين أن يتناقضان مع النهج الغربي من خلال تعزيز صنع القرار المباشر والسريع بالإضافة إلى توفير العمالة والتمويل بتكلفة منخفضة. وأبدت بكين أيضاً رغبة قوية في الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الواسعة النطاق في تونس، لكن هذه المشاريع لا تزال طموحات إلى حد كبير حتى الآن.

وعلى الرغم من أن تونس تشارك في هيئات متعددة الأطراف مثل “منتدى التعاون الصيني العربي” و “منتدى التعاون الصيني الأفريقي”، إلّا أن بكين لا تزال تتعامل معها في الغالب من خلال إطار ثنائي، كما هو الحال مع دول المغرب العربي الأخرى. وظل تواتر التبادلات الدبلوماسية ثابتاً نسبياً خلال العقد الماضي. ومن بين الاجتماعات الأخرى رفيعة المستوى، عقد الرئيسان قيس سعيّد وشي جين بينغ محادثات في الرياض في ديسمبر الماضي. ولكن محادثاتهما جرت على هامش قمة متعددة الأطراف، وبالتالي لا تشير بالضرورة إلى تطور العلاقات. كما نشط السفراء الصينيون المتعاقبون في وسائل الإعلام التونسية، حيث سلطوا الضوء على دعم بكين للتنمية الاقتصادية في البلاد، وأشادوا بنمو التعاون الثقافي، وأكدوا على الاحترام المتبادل والمساواة بين البلدين.

على الرغم من المكاسب الدبلوماسية، بين تونس والصين اقتصر الوجود العملي لبكين في تونس إلى حد كبير على المشاريع الرمزية حتى الآن. وترسم بعض الإحصائيات صورة رائعة للوهلة الأولى – على سبيل المثال، كانت الصين ثالث أكبر مورّد للسلع الاستهلاكية لتونس اعتباراً من عام 2021، حيث بلغت الواردات السنوية 2.2 مليار دولار في ذلك العام. ومع ذلك، لم تحتل الصين سوى المرتبة الخامسة والثلاثين في قائمة الدول التي تستثمر بنشاط في تونس. ولم تكن سوى حوالي اثني عشرة من شركاتها ناشطة هناك في عام 2020، وبلغت استثماراتها 34 مليون دولار فقط – وهو مبلغ ضئيل مقارنة بفرنسا، التي هي أكبر مستثمر في تونس، حيث بلغت استثماراتها 2.4 مليار دولار في ذلك العام.

ولطالما كانت الولايات المتحدة شريكاً قديماً لتونس، وبالتالي يمكنها المساهمة في تنميتها من خلال مواصلة التركيز على استعادة مسارها الديمقراطي واستقرارها الاقتصادي على المدى الطويل. وكما يُظهر عرض إريكسون المعني بتكنولوجيا الجيل الخامس، تتمثل إحدى أفضل الطرق لتنافس الولايات المتحدة وأوروبا مع الصين بتقديم بدائل في القطاعات التي تطرح فيها اختراقات بكين إشكالية كبيرة. وفي حالات أخرى، يجب أن يحاول أصحاب المصلحة الغربيون استكمال الاستثمارات الصينية والتركيز على القطاعات التي يكونون فيها أكثر تنافسية، مثل قطاع الخدمات.