-نورالدين المباركي -اعلامي
خطاب الوحدة و التوافق على أهميته في هذه المرحلة التي تمر بها تونس ، يجب أن يكون واضحا أن هدفه الرئيس ليس ” وحدة الشعب التونسي” و “وحدة التونسيين”، إنما ” الوحدة والوفاق ” بين الفاعلين السياسيين حول ادارة الشأن العام في مرحلة ما بعد الانتخابات
هذا التوضيح ضروري لأن الشعب التونسي مُوحّد في عقيدته وفي انتمائه وفي لغته وأرضه و ليس في حاجة اليوم إلى أي من السياسيين يدعوه للوحدة أو ينبه من مخاطر ” تقسيم الشعب ” و بالتالي فان الحديث عن وحدة الشعب التونسي واعتبارها نقطة مركزية في الخطاب الانتخابي لبعض الاحزاب منها على وجه الخصوص حركة النهضة هي من نوع ” خلع الأبواب المفتوحة”
يقول السيد راشد الغنوشي “نحن نرفض محاولات تقسيم الشعب التونسي” (23-9-2014) في اشارة واضحة الى أن هناك من يدعو الى تقسيم التونسيين ، يقول:” انا استغرب الان كيف تُقابل يد النهضة الممدودة بالدعوة إلى الوفاق بدعوات تقسيم المجتمع الى حداثيين، وظلاميين، وديمقراطيين ورجعيين” (26-9-2014)
يبدو واضحا أن السيد راشد الغنوشي يخلط بين وحدة الشعب التونسي التي هي حقيقة موضوعية ( لا توجد فيه طوائف و لا اختلافات مذهبية ..) و بين التباينات التي تصل الى حد التضاد في مشاريع الأحزاب السياسية و برامجها
لكل حزب سياسي مشروعه الذي ينطلق من مرجعياته ، وهذه مسألة عادية ، لا يمكن لحركة النهضة اليوم أن تنفي مشروعها ( المشروع الاسلامي) وانها تعمل على تنزيله في ارض الواقع من خلال اداة الحكم ” إنّ السلطة وظيفة اجتماعية لحراسة الدين والدنيا والقيمّون على الدولة ليسوا إلاّ موظفين وخدّاما عند الأمة, والسلطة هي مدنيّة على كل وجه لا تختلف عن الديموقراطيات المعاصرة إلاّ من حيث علوية سيادة الشريعة الإسلامية أو التقنين الإلهي على كل سيادة أخرى في هذا النظام..” (راشد الغنوشي – كتاب الحريات العامة في الدولة الإسلامية)
كما لا يمكن للجبهة الشعبية أن تنفي أيضا انها تحمل مشروعا ( المشروع الاشتراكي) و تعمل على تنفيذه عنده وصولها الى السلطة ، و كذلك الشأن بالنسبة لحزب نداء تونس و الأحزاب الليبرالية عموما
وتقييم الأحزاب السياسية على خلفية مشاريعها وبرامجها هو تقييم سياسي ، فوصف برامج حركات الاسلام السياسي انها ظلامية لا يعني ذلك تقسيم الشعب الى ظلامي و غير ظلامي ووصف برامج الأحزاب العلمانية انها “معادية لهوية الشعب” لا يعني تقسيم الشعب الى ” معادي للهوية و مع الهوية”
هنا يكمن جوهر الخلط ( المقصود) في خطاب حركة النهضة خلال هذه الحملة الانتخابية ، هي تعتبر ان أي تقييم سياسي لبرامجها و مشروعها هو تقسيم للمجتمع و تقسيم للشعب ، وتقدم نفسها أنها ” راعية وحدة المجتمع و الشعب”
هو خلط مقصود لأن حركة النهضة تدرك أن خيار الوفاق السياسي والحوار الوطني في تونس بعد انتخابات 23 أكتوبر2011 تأسس تحت رعاية الرباعي للحوار الوطني ( الاتحاد التونسي للشغل ، اتحاد الصناعة والتجارة ، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الهيئة الوطنية للمحامين)، وتدرك ايضا أن مبادرتها من أجل ” رئيس توافقي” لم تنجح ورفضتها اغلب الأحزاب السياسية ، كما تدرك ان رؤيتها لـ”حكومة وحدة وطنية” بعد انتخابات 26 أكتوبر 2014 لا تلقى صدى ايجابيا لدى عديد الأطراف السياسية التي عبرت عن عدم استعداداها للتحالف مع احزاب الترويكا ومنها حركة النهضة
هذه العوامل الداخلية التي جعلت النهضة شبه معزولة سياسيا بالإضافة الى العوامل الاقليمية و الدولية التي تدفع قيادات النهضة منذ اشهر لإبراز انها حركة وفاق و حوار ، هي التي جعلت حركة النهضة تعمل من أجل ” خلع الأبواب المفتوحة ” والعزف على وتر ” وحدة التونسيين و الشعب التونسي”