شهادة نادرة لعبيد الخليفي عن الراحل بلقاسم بوقْنة

0
140

في شهادة نادرة بعيد وفاة الفنان الكبير بلقاسم بوقنة كتب عبيد خليفي الكاتب والمفكر التونسي المختص في الفكر الإسلامي وحركات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية وأحد مساجين انتفاضة الحوض المنجمي 2008 هذه الكلمات على صفحته بالفايسبوك صباح اليوم

بلقْاسم بوقْنة دغدغة الرمل

لم أكن أعرف الفنان بلقاسم بوقْنة قبل ذاك العام، سنة 2008..

في ذلك الصيف الحار حين كنت في سجن رجيم معتوق ألفح الهاجرة، كانت لدينا في آريا السجن إذاعة داخلية يشرف عليها عبد الله الحامي أحد أعوان السجون رجل ستيني أصيل مدينة الحامة.. أسود البشرة فقد ثلاثة أرباع أسنانه متعب من الصحراء والمساجين، كان يقضي حراسته الليلية في تمتق اللاقْمي، ليُصبح ثملا بين السكرة والتعب، وكان مسؤولا على تشغيل الإذاعة ساعة واحدة في الصباح مع الآريا.. والحقيقة أنه كان محبوبا من كل المساجين لطرافته ونوادره..

كل صباح كنت أغادر غرفتي نحو الآريا، وبعد تعداد المساجين، يصدع مكبر الصوت: “عندي سبعة سنين تعدوا.. خلوقْي فدّوا.. مكاتيبي هزوا ما ردوا..”، فأنطلق سيرا حافي القدمين على رمال ذهبية تتوهج عشقا، تنتهي الأغنية، فيجترها عبد الله الحامي ثانية وثالثة ورابعة.. حتى تنتهي فسحتي..

كنت محروما من سماع أي موسيقى داخل السجن مذ كنت في سجن قفصة، فسجن قفصة لا إذاعة فيه ولا موسيقى، ووجدت في نقرات عود بلقاسم بوقنة في هذا السجن الصحراوي بعضا من شدو الحياة وعذوبة الروح حين أشنف أذناي سماعا وأغرس قدماي في الرمل، فتتسلل حبات الرمل بين أصابعي طرية كنهد غض لصبيّة يافعة..

– يا عبد الله.. شكون هاللي يغني؟

– بوقْنة.. بلقْاسم بوقْنة يا بغل.. ما تعرفوش؟

– والله أول مرة نسمعو، ياخي عندو كان غناية سبعة سنين تعدو وخلوقْي فدو؟

– عندو برشا اغاني.. أما أنا نحب هذي فقط، خاطر عندي سبعة سنين وأنا نطلب في النقلة لحبس قابس، وما عطونيش.. وباش تبقى تسمع فيها سبعة سنين معايا..

– بر في راسك يا عبودة، راني محكوم بأربعة سنين.. وعديت عام ونص…

– هيا حساب.. حساب.. وأغلق عبد الله الحامي صوت الإذاعة ثم أسكت بوقْنة..