الرئيسيةحوار مع الحيطان

حوار مع الحيطان

أعتقد أنه من الحري بالطبقة السياسية والاعلامية في تونس أن تتمعن جيدا في جميع تصريحات رئيس الجمهورية قبل الحملة الانتخابية وخلالها الى حين وصوله الى قصر قرطاج لتتقر بعد ذلك ان كان من المفيد مواصلة هذا الحوار الشبيه بحوار مع الحيطان .

فالمتعمن الجيد لكل أقواله وأفعاله سيجد نفسه ازاء مراهق سياسي اكتشف عالم السياسة لتوه فمابالك بعالم ادارة شؤون بلاد تعيش حالة تحول تاريخية تتطلب رباطة جأش ورؤى واضحة قابلة للتطبيق .

اننا ازاء رئيس لا يعترف او لا يعرف اليمين واليسار وانما ابتدع لنفسه مفهوما سياسيا جديدا اسمه تحت وفوق .

والجدل الذي ينطلق مع كل مرة يتخذ فيها الرئيس موقفا او قرار يدفع المراقب المحايد الى التساؤل الى اين سيؤدي هذا الجدل فنحن ازاء نقاش بين طفل لم يتجاوز السادسة من عمره وكهل في الخمسينات محوره هيغل وسقراط او كانط وديكارت . والعاقل لا يلوم الطفل الذي لم يفهم شيئا مما يسمعه بل يلوم الخمسيني الذي فتح النقاش .

لم يعرف لرئيس الجمهورية قيس سعيد قبل دخوله قصر قرطاج اي نشاط حزبي أو نقابي او جمعياتي مهما كان نوعه ولم يخض اية تجربة

فالطبقتين السياسية والاعلامية تعيشان في واد والرئيس في واد اخر ان لم نقل في مجرة أخرى وما يقدمه لمريديه الذين مازالوا مبهورين وسيبقون بتلك العبارات المتكررة بلغة عربية يعتقدون انها عربية قحة انها لغة القران ولغة الصادقين الذين لا يخطؤون مطلقا ومن الصعب جدا الاعتقاد انهم سيكتشفون يوما ان الرجل الذي انتخبوه سيبقى يحرك قدر الحصاء ولن يقدم لهم شيئا

فالرئيس الذي بات يكرر على مسامعنا صباحا مساء دعواته للنأي بالمؤسستين العسكرية و الأمنية عن الشأن السياسي سيحسب له انه أول رئيس في تونس تحدث داخل ثكنة عسكرية عن المؤامرات السياسية والانقلابات والبيوت المظلمة

وكذلك الشأن بالنسبة لدعواته لاحترام الدستور الذي جاء به للحكم فهم مازال لم يهضم بعد احدى قواعده الاساسية وهي الفصل بين السلطات فهو لم يتوقف منذ وصوله قبل عام الى قصر قرطاج عن محاولة اقتحام اختصاصات رئيس الحكومة اضافة الى محاولته الاخيرة التدخل في شأن القضاء وهو يخوض في موضوع عقوبة الاعدام .

ان الشواهد كثيرة ومتعددة على التنقضات التي تتخبط فيها مؤسسة رئاسة الجمهورية ولا يمكن اعتبار ذلك نوعا من انواع الشعبوية وانما هي بالاساس مشكلة رئيسية على علاقة بالمراهقة السياسية

ويرجع علماء النفس ظاهرة المراهقة السياسيةإ لى أسباب عديدة،أهمها انعدام أو ضعف الخبرة السياسية – والخبرة هنا قد تكون الخبرة بالنشاط السياسي العلني كما في حاله الديمقراطيات ألناشئه-وضعف الوعي السياسي والثقافة السياسية، وشيوع أنماط التفكير الخرافي والاسطورى(وكلاهما نمط تفكير ذاتي ) – حتى في أوساط المتعلمين – في المجتمع، وتضخم الذات وشيوع النزعة الفردية “الانانيه” عند قطاع غالب من المثقفين والمتعلمين نتيجة لعوامل متعددة.”

أما عن خصائص المراهقة السياسية فانها حسب علماء النفس تقارب إلى حد بعيد الخصائص السلبية التي تصاحب المراهقة كمرحلة تنقل شخصيه الفرد من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد والبلوغ ومنها:
سيادة التفكير الانفعالي”العاطفي” والجنوح للخيال والذاتية ، وضمور التفكير العقلاني والواقعية والموضوعية ، وما يصاحب كل ذلك من تهور و تسرع في إصدار الأحكام ، وعدم التفكير في عواقب الأفعال.”

اما الدكتور خالد الحروب فكان اكثر دقة في طرحه للاثار المدمرة للمراهقة السياسية عندما ستبد بزعيم او قائد او صاحب قرار ” الأمر مختلف عندما تحل لعنة المراهقة السياسية والفكرية بقائد ما (وكذلك إن حلت به المراهقة الجنسية، والتي لا تقل بدورها انتشاراً وتأثيراً في تلك الأوساط عن المراهقات السياسية). فهنا يكون الثمن غالياً إذ يكون من الحساب الجاري للوطن وللشعب والخيارات الاستراتيجية والاقتصاد والسمعة العالمية. فعندها يرتهن الوطن إلى نزوات وقرارات حادة غير مبوصلة، ترتد بالشأن العام من اليمين إلى اليسار بوتيرة سريعة ومرهقة ومشتتة، يتساقط أثناءها كثير من الثوابت، وكثير من الإجماع السياسي، وكذا بالطبع تتساقط شعارات كانت إلى الأمس القريب تشكل الفضاء العام لمرحلة مراهقة سياسية سابقة لكن مختلفة.”

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!