الرئيسيةأخبار تونستونس:السيادة في مواجهة الواقع المالي

تونس:السيادة في مواجهة الواقع المالي

قال أستاذ الاقتصاد الهاشمي علية في مقال تحليلي له بموقع “Economie.tn” أن تونس تشهد في الوقت الراهن أزمة تلوح في الأفق، وهي أزمة ميزان المدفوعات.

فالوضع الاقتصادي الراهن يكشف عن أزمة حقيقية في الحسابات الخارجية للبلاد، والتي باتت تعاني من ضغوط شديدة منذ بداية هذا العام، وسط آفاق غير مؤكدة ومخاوف متزايدة.

أزمة ميزان المدفوعات تتفاقم

وحسب الأستاذ علية “يشهد العجز في المعاملات الجارية لتونس – التي تشمل السلع والخدمات والتحويلات – تفاقمًا غير مسبوق، مما زاد من حدة الاعتماد على التمويل الخارجي. أصبح الخوف من تدهور الاقتصاد التونسي دافعًا للمستثمرين الأجانب إلى سحب رؤوس أموالهم، بينما باتت البلاد تعتمد على القروض الخارجية لتمويل العجز.

في بداية عام 2025، بدأت تونس في استنزاف احتياطاتها من العملة الأجنبية بوتيرة لم تشهدها من قبل، لتغطية عجز ميزان المدفوعات. لكن هذا المسار محدود زمنيًا، ويبدو أنه يحمل في طياته مخاطر جمة على القدرة الشرائية للتونسيين.

العجز التجاري الأعلى منذ خمس سنوات

تزايد العجز التجاري لتونس بشكل حاد في الربع الأول من عام 2025 ليبلغ نحو 8 مليارات دينار. وفي المقابل، تراجعت إيرادات الخدمات بنسبة 4.4 مليارات دينار، وهي أقل من متوسط السنوات الأخيرة. كذلك تراجع صافي تحويلات التونسيين بالخارج رغم زيادتها الطفيفة، لتبلغ حوالي 2.3 مليارات دينار.

استنزاف العملة الصعبة يقوّض السيادة

يؤدي العجز الكبير إلى استنزاف العملة الأجنبية، مما يجبر تونس على الاستدانة الخارجية. هذا الوضع يتعارض مع الخطاب الرسمي الذي يروج لسياسة “السيادة الاقتصادية” ويرفض الاستدانة. لكن الواقع يفرض العكس تمامًا، حيث تضطر الدولة للجوء إلى الأسواق المالية الدولية بشروط قاسية.

نزوح المستثمرين الأجانب

يشير الواقع إلى انسحاب المستثمرين الأجانب من البلاد، وهو ما تسبب في نزيف رؤوس الأموال. فخلال الربع الأول من عام 2025، تم سحب استثمارات بقيمة 716 ملايين دينار. وإذا كانت بعض الاستثمارات في الأوراق المالية (أسهم وسندات) لا تزال موجودة، فإن الحقيقة تكشف عن فقدان الثقة في الاقتصاد الوطني.

البدائل عن صندوق النقد… وخيمة

من أجل مواجهة هذه الأزمة، اختارت تونس منذ سنوات قطع العلاقات مع صندوق النقد الدولي والتوجه نحو التمويل البديل، خاصة من الدول الأفريقية. لكنها وجدت نفسها تدفع ثمن هذا الخيار، حيث حصلت على قروض مكلفة (بقيمة 700 مليون دولار من أفريإكسم بنك في عامي 2022 و2024)، بفوائد مرتفعة وشروط صعبة.

يمثل الدين الخارجي المتأتي من هذه القروض أكثر من ربع إجمالي مديونية تونس الخارجية حتى نهاية 2024، بنسبة 38.5%.

الدينار التونسي مهدّد

تفسير واضح لغياب تدفق الاستثمارات الأجنبية، وهو فقدان الثقة في قدرة تونس على تمويل نفسها. اليوم، لم يعد أمام تونس إلا الاعتماد على احتياطاتها من العملة الصعبة، التي تقلصت إلى نحو 4.2 مليارات دولار، ما يغطي بالكاد 3 أشهر من الواردات.

وهذا الوضع الخطير يفاقم شح السيولة الأجنبية، ويهدد قدرة البلاد على استيراد السلع الحيوية مثل الأغذية والأدوية، ويضغط على قيمة الدينار التونسي الذي يواصل تراجعه.

سلوك الدولة أنتج عجزًا تراكميًا

أدى غياب سياسة اقتصادية واضحة إلى تراكم العجز والدين الخارجي، وهو ما أنتج حالة من العجز البنيوي في ميزان المدفوعات. كما أن استمرار السياسة النقدية التوسعية ساهم في إبقاء معدلات التضخم مرتفعة (بلغ التضخم في الربع الأول من 2025 نسبة 11.3%).

وفي غياب أي خطة إنقاذ أو إصلاح، تجد تونس نفسها أمام معادلة صعبة: إما العودة إلى صندوق النقد الدولي بشروطه، أو الدخول في دوامة خانقة من التدهور الاقتصادي والعزلة المالية.

السيادة أو العزلة

تواجه تونس اليوم خيارًا وجوديًا: إما التمسك بشعار “السيادة” مع الانغلاق والعزلة المالية، أو العودة إلى التفاوض مع المؤسسات الدولية مع ما يتطلبه ذلك من إصلاحات اقتصادية مؤلمة ولكن ضرورية.

فكل تأخير في اتخاذ القرار المناسب يهدد النمو، ويفاقم البطالة، ويزيد من معاناة الشباب، ويعمّق الفقر.

***في عام 2025، ستقوم تونس بسداد ديون خارجية تقدر بـ 8.4 مليار دينار، بالإضافة إلى ديون داخلية بقيمة 9.7 مليار دينار. كما تبلغ خدمة الدين العمومي، أي الدين الخارجي والداخلي، حوالي 18.2 مليار دينار. 

تفاصيل إضافية:

  • الدين الخارجي:ستقوم تونس بسداد ما يقارب 40% من ديونها الخارجية في عام 2025. 
  • الدين الداخلي:ستقوم تونس بسداد ما يقارب 9.7 مليار دينار من الديون الداخلية. 
  • إجمالي خدمة الدين:يتوقع أن تبلغ خدمة الدين العمومي، أي الديون الخارجية والداخلية، حوالي 18.2 مليار دينار في عام 2025. 
  • تراجع نسبة الدين الخارجي:انخفضت حصة الدين الخارجي من إجمالي الدين العام لتونس من 70% في عام 2019 إلى 50% في عام 2025. 
  • توفير احتياطيات النقد الأجنبي:تمكنت تونس من سداد ديونها الخارجية بالكامل، مستفيدة من رصيد العملة الذي وفره القطاع الخارجي، ولا سيما عائدات قطاعي السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج وصادرات زيت الزيتون. 
مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!