بات جليا وواضحا أن الفاعلين السياسيين في البلاد سلطة ومعارضة لم يعد أمامهم من خيارات سوى التعايش مع الأزمة التي تعيش على وقعها البلاد منذ أن قرر رئيس الحكومة هشام المشيشي اجراء تحوير وزاري طال 11 حقيبة وزارية .
اذ بعد أن باءت كل محاولات حل الأزمة أو ادارتها باءت بالفشل فرئيس الجمهورية بقي ثابتا على موقفه الرافض للقبول بالتحوير الوزاري الذي قام به المشيشي من جهته ثبت هذا الاخير على موقفه بعد أن أيقن أن محاولاته المتكررة لايجاد أرضية التقاء مع رئيس الجمهورية باءت جميعها بالفشل
حتى ان الدعوات المتكررة لرحيل المشيشي وحكومته الصادرة عن أقطاب المعارضة اضافة الى عدد من المنظمات الوطنية لم تحرك ساكنا لدى ساكن القصبة اذ واصل عمله اليومي دون اي ارتباك أو ارباك حتى أن وتيرة تحركاته الميدانية تضاعفت وتيرتها خلال الأيام الماضية حتى انه لم يتردد في الاعلان صراحة تمسكه بعدم الاستقالة، قائلا إن البلاد في حاجة إلى استقرار والحكومة منكبة على العمل لإصلاح الاقتصاد واستجلاب التلاقيح وعلى الحوار مع الشركاء الاجتماعيين حول قيادة هذه الإصلاحات، وهو ما يلهيها عن المناكفات السياسية وتسجيل النقاط.
كما جاء على لسانه: “المعركة ضد طواحين الريح لا أجيدها ولا اهتم بالمناكفات السياسية “، مضيفا أن الحكومة منفتحة على الحوار.
ولكن أمام هذه المواقف التي لم تترك مكانا لشعرة معاوية هل يمكن الحديث اليوم عن مرض مزمن يستحيل علاجه ولا خيار سوى التعايش معه ككل الأمراض المزمنة الأخرى وهل يمكن الذهاب الى انتخابات سابقة لاوانها كما يدعو الى ذلك العديد من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في تونس على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل هو الحل الأوحد والوحيد
يبدو ان الاجابة على هذا السؤال مستعصية كاستعصاء حل الأزمة القائمة وهي أزمة عامة شملت كل مفاصل المؤسسات التي ترتكز عليها الدولة التونسية
فالدعوة الى انتخابات سابقة لأوانها ليس بالأمر الهين اذ يعني ذلك الدخول في منطقة ضبابية في غياب اي ضمانات تمكن المشرعين الحاليين الذين بيدهم لوحدهم الكلمة الفصل في الذهاب الى هذه الانتخابات اذ لا شيئ يضمن لهم تحقيق ما حققوه من نتائج خلال التشريعية السابقة فشبح حزب الرئيس يخيم على الجميع وقد يأتي على الأخضر واليابس مقارنة بما شهدناه خلال الانتخابات الرئاسية الاخيرة حيث حصد الرئيس قيس سعيد 2.7 مليون صوت ويكفي هذا التيار الذي قاده الى الفوز نصف هذه الحصيلة لسحق جميع المنافسين في تشريعية سابقة لاوانها والاستحواذ على مقدرات السلطات التشريعية في البلاد .وبالتالي فان تكرار ما حصل خلال الأسابيع الماضية يعد من قبيل المغامرة المتهورة
واذا ما اعتبرنا ان شبح حزب الرئيس هو شبح في حد ذاته وهو مشروع هلامي نفته مؤسسة الرئاسة في أكثر من مناسبة فان الصعود الصاروخي للحزب الدستوري الحر هو مصدر قلق كبير لبقية الأحزاب الأخرى بما في ذلك حركة النهضة ومن يتحالف معها اليوم للابقاء على المشهد الحالي وبالتالي فان الذهاب لصناديق الاقتراع في الوضع الحالي هو مغامرة محفوفة بالمخاطر يصعب حصولها اليوم ولم يبق سوى التعود على التعايش مع هذا المرض المزمن والسعي الى التخفيف من الأوجاع قدر الامكان .