عاد ملف نقص الأدوية إلى واجهة النقاش العام في تونس بعد تأكيدات جديدة من نقابة الصيادلة ومن خبراء في القطاع الصحي حول خطورة الوضع وتعدد أسبابه.
فقد أوضح أيمن خليفي، الأمين العام المساعد لنقابة الصيادلة أصحاب الصيدليات (SPOT)، في مداخلة له يوم 31 أوت 2025 ببرنامج هنا تونس على إذاعة ديوان أف.أم، أن أزمة الأدوية ليست محلية فقط بل ترتبط أحيانًا بعوامل عالمية، من بينها نقص المواد الأولية وتوقف بعض المخابر الدولية عن تصنيع أصناف معينة لغياب الجدوى المالية. وأكد أن البحث عن بدائل دوائية يتطلب المرور عبر إجراءات إدارية معقدة كالحصول على تراخيص جديدة للتسويق.
وأشار خليفي إلى أن الأزمة تتفاقم بسبب الوضعية المالية الحرجة لـ الصيدلية المركزية التونسية، التي تحتكر توريد وتوزيع الأدوية. فهذه المؤسسة، المثقلة بالديون، لم تعد قادرة على تجديد كامل مخزوناتها أو التزود بانتظام من الخارج، ما أدى إلى فقدان بعض الأدوية المستوردة.
من جانبه، قدم الدكتور رفيق بوجدراية، الرئيس السابق لقسم الاستعجالي بمستشفى محمود الماطري بأريانة، قراءة معمّقة للأزمة مذكّرًا بأنها ليست جديدة بل تكررت سنوات 2014 و2018 و2023، وها هي اليوم تعلن رسميًا من جديد على لسان وزير الصحة.
الأسباب الظاهرة للأزمة
- عجز مالي متواصل للصيدلية المركزية ورفض بعض المخابر الأجنبية التعامل معها قبل تسديد الديون، مع استثناء المخابر الاسكندنافية التي واصلت تزويد تونس.
- انسحاب بعض المخابر من تونس لأسباب اقتصادية، وتوقف أخرى عن إنتاج بعض الأدوية.
- الاستهلاك المفرط للأدوية داخل تونس، حيث تصرف العديد منها دون وصفة طبية، خاصة المضادات الحيوية، ما جعل تونس تتصدر إفريقيا في هذا المجال، في وقت تُطبق فيه دول أوروبية مثل فرنسا ضوابط صارمة.
الأسباب الباطنة وغير المعلنة
- عجز الصناديق الاجتماعية وانعكاسه المباشر على عجز المستشفيات العمومية والصيدلية المركزية، حيث تخلدت ديون ثقيلة لم تُسدد رغم وعود حكومية سابقة بدعم مالي سنوي.
- ارتفاع كلفة العلاجات الحديثة، خاصة في مجالات السرطان وأمراض القلب والأمراض العصبية، ما يفرض على الدولة اقتناء أدوية ومعدات باهظة الثمن لضمان مبدأ المساواة في العلاج.
- ظاهرة تهريب الأدوية نحو بلدان الجوار، حيث تباع بأسعار مضاعفة، مما يشجع شبكات التهريب ويعمّق النقص في السوق المحلية.
نحو مقاربة شاملة
يرى الدكتور بوجدراية أن الأزمة أصبحت دورية وتعود للسطح كل سنتين تقريبًا، داعيًا إلى مقاربة شاملة تشمل إصلاحات هيكلية للصيدلية المركزية، ترشيد الاستهلاك الطبي، وتعزيز الثقة بين مختلف المتدخلين في القطاع.
وأكد أن تونس تمتلك إمكانيات بشرية وصناعية قادرة على تجاوز الأزمة، شرط توفر رؤية واضحة وإرادة سياسية وشجاعة في طرح الملفات، بما يضمن حق التونسيين في الحصول على العلاج والأدوية بانتظام.

