حين أعلن الموفد الأميركي ستيف ويتكوف في 19 أكتوبر أن “اتفاق سلام” بين المغرب والجزائر قد يُوقّع خلال ستين يومًا، بدت المنطقة وكأنها توقفت عن التنفس للحظة.
ستون يومًا فقط؟ بين جارين فرقتهما أكثر من نصف قرن من الشكوك والحدود المغلقة والجليد الأيديولوجي؟
لكن لواشنطن مفهومها الخاص للوقت — إنه وقت العناوين الصحفية، لا التاريخ هذا ما يراه عبد العزيز الخميس الكاتب السعودي، المعروف عبر موقع MiddleEast24.
دبلوماسية البريق الأميركي
الإدارة الأميركية الثانية للرئيس دونالد ترامب عادت من جديد إلى سياسة “صناعة المعجزات”، وهذه المرة وجهتها شمال أفريقيا.
فبعد أن قدّمت للعالم “وقف إطلاق النار في غزة” كإنجاز دبلوماسي، تسعى الآن إلى تسويق “اتفاق سلام مغاربي” باعتباره فصلًا جديدًا من إنجيلها السياسي حول “السلام عبر الصفقات”.
الوسيطان ويتكوف ومسعد بولس (Paulos) يتحركان بسرعة، مقتنعَين بأن “عدوى السلام” يمكن أن تنتقل من المشرق إلى المغرب. فكرة شاعرية من الناحية النظرية، لكنها تتجاهل حقيقة جوهرية:
جراح المغرب العربي ليست لوجستية، بل تاريخية. ولا يمكن مداواتها بعرض باوربوينت أو بمصافحة أمام الكاميرات.
رباط بثقة هادئة
في خطابه الأخير، تحدث الملك محمد السادس بنبرة تصالحية، سارع البيت الأبيض إلى تفسيرها كبادرة انفتاح.
لكن الرباط اليوم تمسك بأوراق أقوى:
- تنامٍ في الاعتراف الدولي بسيادتها على الصحراء الغربية،
- نفوذ اقتصادي متصاعد في غرب أفريقيا،
- ودبلوماسية تتحرك بخطوات هادئة ومدروسة، لا عبر قفزات استعراضية.
المغرب منفتح على المصالحة — لكن بشروطه هو، لا وفق رزنامة انتخابية أميركية.
هدوء الجزائر المحسوب
أما الجزائر، فصمتها أبلغ من الكلام. فتصريحات المبعوث الأميركي مسعد بولس حول “استعداد الرئيس تبون لبناء الثقة مع الشعب المغربي” لم تأتِ من فراغ، بل تعكس تحولًا دقيقًا في التكتيك، لا في المزاج.
الجزائر تدرك أن رقعة الشطرنج العالمية تتبدل:
واشنطن تبحث عن الغاز،
أوروبا عن البدائل،
وبكين تطرق الأبواب من الجنوب.
لذلك فإن “انفتاح” الجزائر ليس حنينًا للماضي بقدر ما هو محاولة لتموضع ذكي في عالم أصبحت فيه الحيادية عملةً نادرة للقوة.
إغراء الاقتصاد
العرض الأميركي بسيط:
ربط دول المغرب العربي بشبكات البنية التحتية والطاقة والمعادن النادرة، وربط مستقبل المنطقة بالأسواق الغربية.
“السلام مفيد للأعمال”، تقول واشنطن.
لكن التاريخ في هذه المنطقة أثبت أن التجارة لا تصنع الثقة دائمًا.
فبين الرباط والجزائر تمتد ذاكرة من الخطابات الحربية والكبرياء الإيديولوجي وحدود مرسومة بخطوط يصعب محوها بأنبوب غاز.
ستون يومًا لإعادة كتابة التاريخ؟
مهلة الستين يومًا ليست سوى عرض سياسي مصمم لشدّ انتباه الإعلام أكثر مما يستهدف الأمم المتحدة.
فهي تتزامن مع العدّ التنازلي لانتخابات منتصف الولاية الأميركية، ومع اقتراب موعد تجديد تفويض بعثة المينورسو في الصحراء الغربية.
في الواقع، لن يكون هناك اتفاق سلام بحلول عيد الميلاد.
الحد الأقصى المتوقع هو إطار تفاهم أولي — ترتيبات أمنية واقتصادية يمكن أن تتطور لاحقًا إلى حوار سياسي برعاية أميركية ومغاربية مشتركة. إنها فن ما قبل الصفقة، لا الصفقة نفسها.
بين الطموح والحسابات
الرهان الأميركي واضح:
تهدئة النزاعات، إزاحة موسكو وبكين، وإعادة رسم مناطق النفوذ من المتوسط إلى الساحل الأفريقي.
لكن الخلل في هذه الخطة أن واشنطن ما زالت تؤمن بإمكانية شراء السلام عبر الأرباح، معتقدةً أن الغاز يمكن أن يحل محل الثقة، وأن المصالح المشتركة يمكن أن تعوّض التاريخ المشترك.
ذلك هو المنطق التجاري الذي بنى كثيرًا من تحالفات أميركا — ثم كسرها لاحقًا.
معجزة مؤجلة
قد تستطيع الولايات المتحدة شراء الوقت، لكنها لا تستطيع شراء الثقة.
المغرب والجزائر يدركان أن السلام الذي يولد تحت الضغط الأميركي قصير العمر.
ومع ذلك، فإن صمتهما ليس رفضًا، بل مراقبة.
إنهما يترقبان ما إذا كان هذا “اتفاق العقد” مشروعًا ذا عمق حقيقي، أم مجرد مشهد مضاء جيدًا أمام عدسات العالم.
فإن تحقق الصلح يومًا، فلن يكون استيرادًا أميركيًا،
بل صناعة مغاربية خالصة — مكتوبة بلغة الجغرافيا والكبرياء والضرورة.

