كشف تحقيق صحفي أعدته الصحفية سماح الغرسلي لموقع الكتيبة عن توتر متزايد في قطاع صيد وتصدير التنّ الأحمر في تونس، بين صغار البحّارة والعائلات التي تحتكر الحصص منذ عقود، وسط غياب الشفافية ومظاهر الاحتكار التي تثقل كاهل العاملين في هذا المجال الحيوي.
عبد القادر النقبي، بحّار من منطقة طبلبة في محافظة المنستير، أبدى مخاوفه من مستقبل القطاع، مشيراً إلى أن العديد من البحّارة يضطرون لتراكم الديون عبر القروض البنكية أو السلف من الأصدقاء لتجهيز مراكبهم لموسم الصيد، مؤكداً أن بعضهم أُجبر على بيع ممتلكاته أو رهن عقارات لتسديد ديونهم.
وبحسب بيانات وزارة الفلاحة والصيد البحري، بلغت قيمة صادرات تونس من التنّ الأحمر في 2023 نحو 167.5 مليون دينار، وسعر الكيلوغرام الواحد الموجه للتصدير 43 ديناراً، بينما يصل سعر علبة تنّ المنار المعلّب محلياً إلى 91 ديناراً، رغم أنها أقل جودة من التنّ الأحمر الأصلي.
تاريخياً، احتلت تونس موقعاً استراتيجياً في صيد التنّ الأحمر، وانضمت في 1997 إلى منظمة ICCAT الدولية لصون التنيات، التي تحدد حصص الصيد السنوية للدول الأعضاء. وقد بلغت حصّة تونس 2326 طناً في 1999، وارتفعت تدريجياً إلى 3000 طن سنوياً حالياً، مع تراجع ملحوظ بين 2011 و2014 إلى 1100 طن بسبب الصيد العشوائي.
إجراءات وزارة الفلاحة لتوسيع قاعدة المنتفعين بالرخص خلال 2018 و2019 لم تُخفف الأزمة، إذ قُدّمت 20 رخصة جديدة عبر نظام القرعة، مع إلزامية دفع 40% من مداخيل كل مركب لأصحاب المراكب غير المنتفعين، لكن هذا النظام بقي حبرًا على ورق، ما زاد من الاحتقان واللجوء إلى القضاء والاحتجاجات.
تحكم أقل من 10 عائلات منذ أكثر من 30 عاماً في رخص وصيد التنّ الأحمر، أبرزها عائلات: رشاد الحرشاني، عبد الوهاب بن رمضان (والابن حسّان بعد وفاته)، رضا سلاّم، حامد سلاّم، شيحة، الشعري، النيفر وبن حميدة. ففي 2015 منحت تونس 1248 طنّ، استأثرت هذه العائلات بما يزيد عن 900 طن.
وتشير الوثائق الرسمية إلى أن بعض الممتلكات المصادرة بعد ثورة 2011، مثل مركب “جنّات1” وحصته السنوية (حوالي 32 طن بقيمة نحو 900 ألف دينار)، تمّ إعادة تخصيصها لاحقاً لفائدة هذه العائلات، إضافة إلى تفويت شركة “ماد باش” في 2022 لصالح حسّان بن رمضان مقابل 20.8 مليون دينار.
ويؤكد الخبراء والمختصون على ضرورة إصلاح القطاع بشكل شامل، وضمان توزيع عادل للرخص والحصص، بما يسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي والحد من الاحتكار والريع، وهو ما يطالب به صغار البحّارة منذ سنوات دون أن تتحقق خطوات فعّالة حتى الآن.

