تحرّك القضاء التونسي بشكل لافت في واحدة من أكبر القضايا المالية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، والمتعلّقة بشركة “TSI” (الشركة التونسية السعودية للاستثمار)، حيث باشر القطب القضائي الاقتصادي والمالي تحقيقاً واسع النطاق شمل 20 شخصية بارزة بين رجال أعمال، رؤساء مؤسسات مالية، موظفين ببنوك، وإطارات حكومية، تم إعلامهم رسمياً بفتح تحقيق قضائي ضدهم ومنعهم من مغادرة التراب التونسي.
ورغم أنّ المعنيين لا يزالون في حالة سراح ولم تُوجّه لهم تهم رسمية بعد، فإنّهم باتوا مشمولين بتحقيق قضائي يشمل اتهامات خطيرة على غرار تكوين شبكة منظمة لغسل الأموال، استغلال الصفات الوظيفية لتحقيق منافع شخصية، التزوير، والتحايل المالي.
المتهمون الرئيسيون… خارج البلاد
في تطور مثير، أكدت مصادر قضائية أن المدير العام السابق لشركة TSI، حافظ السبع، والمساهم الرئيسي فيها هادي بن عياد، غادرا البلاد منذ أشهر، قبل انطلاق التحقيقات، ما يطرح تساؤلات جدية حول التأخر في اتخاذ الإجراءات التحفظية. ويعتقد أن الهادي بن عياد يوجد حاليا في المملكة المغربية اما حافظ السبع فانه يعتقد انه في دولة الامارات .
ويشتبه في أن الرجلين كانا العقل المدبر لشبكة مالية مشبوهة، جمعت مبالغ ضخمة تقدّر بين 250 و400 مليون دينار، عبر إصدار سندات خزينة بلا ضمانات، في خرق واضح لتعليمات البنك المركزي.
نظام “بونزي” ومؤسسات وهمية
تشير التحقيقات الأولية إلى أن الشركة اعتمدت على نموذج شبيه بـ”نظام بونزي”، حيث كانت تجذب المستثمرين بعوائد مغرية، وتستخدم أموالهم لسداد التزاماتها تجاه مستثمرين سابقين، دون وجود نشاط اقتصادي حقيقي يدعم تلك العوائد.
المبالغ التي تم جمعها استُخدمت لتمويل شركات وهمية أو مملوكة لأطراف من داخل المنظومة، على غرار مصحة المجد وAfrican Auto Distribution، في حين لم تكن هذه الكيانات قادرة على السداد، مما أدى إلى انهيار النظام عند توقف تدفق الأموال الجديدة.
القضاء أمر بتجميد الحسابات البنكية لشركة TSI وعدد من الشركات المتعاملة معها، بالإضافة إلى حسابات شخصية تعود لحافظ السبع وعدد من أقاربه. وتم أيضاً تعيين خبراء مستقلين لإجراء تدقيق مالي شامل للكشف عن طبيعة التحويلات والمسؤوليات.
مؤسسات رقابية متّهمة بالصمت
الفضيحة كشفت أيضاً عن خلل خطير في آليات الرقابة المالية، حيث وُجّهت أصابع الاتهام إلى مكتب التدقيق الدولي BDO الذي راقب الشركة لمدة 8 سنوات دون أن يُبلّغ عن التجاوزات، بالإضافة إلى مجلس السوق المالية، الذي ظل صامتاً طيلة فترة ارتكاب المخالفات، رغم خطورتها.
ويُنتظر أن يتم استدعاء الرئيس السابق للمجلس، صلاح السايِل، للتحقيق، خاصةً بعد بقائه على رأس هذه المؤسسة لمدة 13 سنة بعد تمتعه بالتمديد لثلاث سنوات وبلوغه سن ال65 دون اتخاذ أي إجراء وقائي أو رقابي.
وعين الصايل على رأس هذه الهيئة في مارس 2012 زمن حكومة حمادي الجبالي
وقد شهدت نيابته وضع الهيئة تحت يد الرقابة العامة للمالية ” سي جي أف ” منذ شهر مارس 2024 لشبهات جدية في تجاوزات مالية وادارية .
وكان رئيس الجمهورية أكد خلال لقاء مع الصايل يوم 7أكتوبر 2021 الذي رفع إليه التقرير السنوي 25 للهيئة لسنة 2020، أن تونس اليوم « بحاجة إلى سوق مالية تقوم على قواعد واضحة ».
وبحسب ما نقله بلاغ إعلامي للرئاسة، قال سعيد خلال اللقاء، إنه « هناك قضايا جارية متصلة بالسوق المالية، ولا بد من تطهير جميع المؤسسات تلبية لإرادة الشعب ومحاسبة الضالعين في تلك القضايا، وتطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة ».
كما شدد على ضرورة « وضع حد للاختيارات والممارسات السابقة، ولكل مظاهر الفساد والتلاعب بقوت التونسيين ». .
الملف ما يزال في بدايته، لكن الرهانات كبيرة: مئات الضحايا، وملايين الدينارات المفقودة، ومؤسسات دولة متهمة بالتقصير أو التواطؤ. ومع أن الإجراءات القضائية بدأت متأخرة، فإن الرأي العام يترقّب معرفة ما إذا كانت العدالة ستتمكن من تفكيك المنظومة، استرجاع الأموال، ومحاسبة المتورّطين.

