يعيش الاتحاد العام التونسي للشغل واحدة من أدق لحظاته التاريخية، وسط أزمة غير مسبوقة مع السلطة وفي خضم انقسامات داخلية تعكس جدلًا محتدمًا حول الأولويات: هل يتعين على النقابيين الاصطفاف أولًا في مواجهة السلطة والدفاع عن المنظمة مهما كان الخلاف مع القيادة الحالية، أم أن محاسبة هذه القيادة شرط لا غنى عنه قبل خوض أي معركة خارجية؟
يتبنى هذا الموقف عدد من النقابيين الذين يعتبرون أن لحظة الصراع مع السلطة لا تسمح بمزيد من الانقسامات الداخلية.
- الجيلاني الهمامي، الكاتب العام السابق لجامعة البريد وقيادي في حزب العمال، شدد على أن التصدي لهجوم السلطة وتحرير الاتحاد من البيروقراطية «مهمتان متلازمتان»، لكن النجاح في الأولى مشروط بالثانية. ومع ذلك، أوضح أن الدفاع عن المنظمة ضد هجوم السلطة «واجب أكيد على كل مواطن وخاصة كل نقابي مهما كان الخلاف مع القيادة».
- الحبيب جرجير، أحد قياديي المعارضة النقابية، رغم دعوته الصريحة لرحيل المكتب التنفيذي فورًا، أكد في حديثه لجريدة الشروق أنه «رغم معارضتنا لقيادتها سنكون في الصفوف الأولى للدفاع عنها وحمايتها من أي استهداف، السلطة أو غيرها».
هؤلاء يرون أن أولوية المرحلة هي حماية المنظمة من التفكك أو التصفية، على أن يُطرح ملف القيادة لاحقًا بعد تجاوز المعركة مع السلطة.
في المقابل، يرى فريق آخر أن أي مواجهة مع السلطة لا يمكن أن تدار بقيادة فقدت شرعيتها أو أضعفت ثقة القواعد النقابية فيها.
- لسعد اليعقوبي، الكاتب العام السابق لجامعة التعليم الثانوي، اعتبر أن خطورة ما صدر عن الحكومة لا تقل أهمية عن خطورة بقاء قيادة «متهالكة ومنتهية». وحذر من أن تركها تواصل تسيير المنظمة قد يدفعها نحو «معارك بالوكالة» تحت غطاء أن «المنظمة مستهدفة»، مما يهدد مكتسبات العمال.
- منجي بن مبارك، الكاتب العام السابق للجامعة العامة للاتصالات، ذهب أبعد من ذلك، إذ أعلن بوضوح: «لا و لن نساند المركزية النقابية الانقلابية»، معتبرًا أن استقلالية الاتحاد واسترجاع دوره الوطني والاجتماعي يتطلبان رحيل القيادة الحالية كشرط لحماية المنظمة.
بالنسبة إلى هذا التيار، فإن استمرار القيادة الحالية يمثل الخطر الأكبر، لأنه يفرغ الاتحاد من قدرته التفاوضية ويضعفه أمام السلطة، وبالتالي فإن التغيير الداخلي أولًا هو الضمانة الحقيقية لمواجهة الضغوط الخارجية.
بين هذين الموقفين، يجد الاتحاد نفسه في قلب أزمة وصفها كثيرون بأنها «كسر عظام»، حيث يتقاطع الضغط الخارجي مع الانقسام الداخلي. فالسلطة تسعى لتقليص نفوذها، فيما يعاني الاتحاد من قيادة فقدت ثقة عددا من النقابيين.
الأزمة الحالية ليست مجرد خلاف داخلي بل معركة متعددة الأبعاد؛ بين الاتحاد والسلطة، وبين القيادة وقواعدها، وبين نقابيين يريدون الدفاع عن المنظمة مهما كان الثمن وآخرين يرون أن التغيير شرط للبقاء. المسار الذي ستسلكه المنظمة في الأيام القادمة سيحدد ليس فقط مستقبلها، بل أيضًا جزءًا من ملامح المشهد الاجتماعي والسياسي في تونس.

