مع استمرار تدفق المهاجرين واللاجئين في مناطق مختلفة من العالم، يبرز سؤال محوري: كيف يمكن للدول مثل تونس الاستفادة من الدروس الدولية لإدارة حركة الهجرة؟ تحليل حديث للباحثتين آنا مارغريتيس وبيرفين نور أوسّو يكشف أن تصنيف الهجرة كأزمة له تبعات كبيرة على السياسات والحقوق، وأن الطريقة التي تتعامل بها المؤسسات مع هذه التدفقات تحدد نتائج طويلة الأمد.
الأزمة الأوروبية: إدارة متسللة وليس مجرد موجة لاجئين
في عام 2015، وصل أكثر من 1.8 مليون شخص من الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا إلى الاتحاد الأوروبي طلبًا للحماية، ووصفتها المؤسسات الأوروبية والإعلام بأنها “أزمة لاجئين”. هذه التسمية، بحسب الباحثتين، حولت الأزمة الإنسانية إلى مسألة أمنية، وأسفرت عن تشديد قيود الوصول إلى الحماية، وسرعة عمليات العودة، وتوسيع الرقابة لتشمل الجوانب القانونية والاجتماعية.
النتيجة كانت أزمة إدارة هجرة متسللة، إذ تحولت الإجراءات الطارئة إلى سياسات دائمة، بما فيها سياجات جديدة، قيود على التأشيرات، وإجراءات عودة سريعة. هذه التجربة تكشف أن التعامل مع تدفقات بشرية ضخمة دون إطار مؤسسي متماسك يولد آثارًا طويلة الأمد على المهاجرين، ويحدّ من قدرتهم على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي.
تجربة أمريكا اللاتينية: شراكات إقليمية لإدارة أزمة مطوّلة
على النقيض، واجهت دول أمريكا اللاتينية منذ 2016 موجة الهجرة الفنزويلية المستمرة، والتي اعتبرت “أزمة نزوح مطوّلة”. بسبب محدودية القدرات الوطنية، تولّت المنظمات الدولية مثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة دورًا محوريًا في تنسيق الاستجابة، وأُنشئت منصة R4V بمشاركة نحو 250 جهة حكومية وغير حكومية.
هذه المنصة وفرت الخدمات الأساسية للمهاجرين مثل الأمن الغذائي والصحة والمأوى، وعملت على توسيع نطاق الدعم ليشمل المهاجرين من جنسيات أخرى ضمن نفس المسارات. تُظهر التجربة أن التعاون متعدد الأطراف والشراكات الإقليمية يمكن أن يوفر حلولًا أكثر فعالية واستدامة من التركيز فقط على ضبط الحدود أو التصنيفات الأمنية.
تونس بين التدفقات الإقليمية والدروس الدولية
تعد تونس نقطة عبور رئيسية للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء باتجاه أوروبا، ما يجعلها معرضة لتأثيرات السياسات الأوروبية المتشددة، مثل الإجراءات الموضوعة ضمن الاتفاقيات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وتونس. دروس الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية تظهر أن تصنيف الهجرة كأزمة قد يولد سياسات تقييدية تؤثر على حقوق المهاجرين، بينما التعاون الإقليمي والمنصات متعددة الأطراف يمكن أن تعزز القدرة على إدارة التدفقات وتقديم خدمات إنسانية.
تشير التحليلات إلى أن تونس يمكن أن تتبنى عدة عناصر من هذه التجارب، من بينها:
- تطوير أطر قانونية واضحة توازن بين الأمن وحقوق المهاجرين.
- تعزيز التعاون الإقليمي مع دول شمال أفريقيا ودول المنشأ والعبور لتنسيق الخدمات الإنسانية.
- تفعيل الشراكات مع المنظمات الدولية لتقديم الدعم المباشر للمهاجرين، بما يشمل الصحة والتعليم والإسكان.
- توسيع المراقبة القانونية والاجتماعية بما يحمي حقوق المهاجرين دون تحويلهم إلى تهديد أمني دائم.
دراسة الباحثتين تؤكد أن تصنيف الهجرة كأزمة دون تحديد دقيق يؤدي إلى سياسات مؤقتة أو عقابية قد تضر بالمهاجرين والدول على حد سواء. تونس، بوصفها حلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا، يمكن أن تستفيد من الدروس الأوروبية واللاتينية لبناء استجابة وطنية وإقليمية أكثر استدامة، تجمع بين احترام حقوق الإنسان وتحقيق الأمن الاجتماعي والسياسي.

