انتهت مساء اليوم انتخابات عمادة المحامين لسنة 2025 بفوز كاسح لبوبكر بالثابت من الدور الأول، متحصلا على 2193 صوتًا من أصل 3781 أي بنسبة 58%، في سابقة لم تحدث منذ انتخاب العميد عبد الوهاب الباهي سنة 1995. هذا الحسم المبكر عكس رغبة واضحة لدى القاعدة الانتخابية للمحامين في طيّ صفحة الجمود والبحث عن قيادة جديدة قادرة على استعادة دور المحاماة كقوة اقتراح وضغط داخل المشهد الوطني.
لقد عرفت انتخابات اليوم تأرجحا بين خيار مهني صرف يركز على تحسين أوضاع القطاع، وخيار سياسي يراعي موازين القوى مع السلطة الحاكمة. هذا التأرجح لم يكن يأت من فراغ ، بل فرضته طبيعة العلاقة بين المهنة والدولة، التي تعاقبت عليها فترات انفراج وتوتر، انعكست بدورها على صناديق الاقتراع في قاعة الانتخابات.
إذا عدنا إلى نتائج العقود الثلاثة الأخيرة، يتضح أن انتخاب عميد المحامين لم يكن يومًا معزولًا عن السياق السياسي العام.
- 1995 و1998: مرحلة المهادنة
اختار المحامون تجديد الثقة في العميد عبد الوهاب الباهي ثم انتخاب العميد عبد الجليل بوراوي، في سياق شعور نسبي بتحسن العلاقة مع السلطة بعد إصلاحات تشريعية هامة، مثل تحرير عقود العقارات المسجلة. - 2001: التصويت العقابي
خيّب غياب المكاسب المهنية آمال المحامين، فجاء التصويت لصالح العميد البشير الصيد رغم مقاومة السلطة لهذا الخيار. كانت تلك السنوات الثلاث سنوات صدام متواصلة، عكست رفض المحامين لأي محاولة لترويض هياكلهم المهنية. - 2004 و2007: بين المناورة والرد
انتُخب عبد الستار بن موسى في محاولة لاستعادة التوازن، لكن السلطة استغلت الظرف السياسي للتحضير للانتخابات الرئاسية، ما أدى إلى عودة التصويت العقابي سنة 2007 وصعود البشير الصيد مجددًا. - 2010: صعود التيار الإسلامي
قبل الثورة مباشرة، حملت صناديق الاقتراع عبد الرزاق الكيلاني، المحسوب على التيار الإسلامي، إلى عمادة المحامين، في مؤشر على اتساع جبهة المعارضة السياسية في تلك الفترة.
مرحلة ما بعد 2011: الغلبة للخيار المهني
بعد الثورة، ومع انفراج المناخ السياسي، مالت الكفة نحو خيار مهني يهدف إلى تحسين أوضاع القطاع بعيدًا عن الاصطفافات الحزبية، فتم انتخاب عمداء مثل عبد الرزاق محفوظ، ثم العميد محمد الفاضل محفوظ المحرزي، ثم إبراهيم بودربالة الذي نجح بعد محاولات متكررة منذ أواخر التسعينات، وأخيرًا حاتم المزيو.
لكن هذه المرحلة، خصوصًا في عهد بودربالة والمزيو، شهدت انتقادات واسعة بسبب ضعف موقف الهياكل المهنية أمام تضييق الحريات وتراجع المشهد السياسي، حيث اتُهمت العمادة بالتقاعس عن الدفاع عن الحقوق الأساسية ومعركة استقلال القضاء.
نتائج 2025 بالأرقام
أظهرت النتائج الرسمية ما يلي:
- بوبكر بالثابت: 2193 صوتًا (58%) – فوز من الدور الأول
- محمد محجوب: 498 صوتًا
- محمد الهادفي: 422 صوتًا
- حسان التوكابري: 308 أصوات
- نجلاء التريكي: 184 صوتًا
- عبد الرؤوف العيادي: 150 صوتًا
- بدر الدين مهيري: 33 صوتًا
- نضال كريم: 5 أصوات
هذه النتائج تؤكد أن القاعدة الانتخابية للمحامين اختارت الحسم وتجنّبت المرور إلى دورة ثانية، موجهة رسالة سياسية قوية مفادها أن المرحلة المقبلة يجب أن تكون مرحلة استعادة الدور التاريخي للمحاماة في حماية الحقوق والحريات.
دلالات انتخاب بوبكر بالثابت
- رسالة سياسية واضحة: التصويت من الدور الأول يعكس رغبة في القطع مع حالة الركود وتوجيه رسالة مباشرة للسلطة بأن المحاماة لن تكون طرفًا صامتًا.
- رهان على المواجهة: اختيار شخصية يُنظر إليها كقادرة على الصدام قد يعني أن المحامين مستعدون لمرحلة من التصعيد لاستعادة مكانتهم كقوة ضغط في المشهد العام.
- عودة التسييس: على عكس ما عرفته سنوات ما بعد الثورة، يبدو أن الهاجس السياسي عاد بقوة إلى صناديق اقتراع المحامين، في ظل انسداد الأفق السياسي وغياب الحوار الوطني.
انتخابات عمادة المحامين لسنة 2025 لم تكن مجرد استحقاق مهني روتيني، بل جسدت عودة المحاماة إلى لعب دورها التقليدي كقوة توازن وضغط داخل المجتمع. فوز بوبكر بالثابت من الدور الأول هو مؤشر على مزاج مهني وسياسي جديد، قد يعيد رسم العلاقة بين المحاماة والسلطة، ويعيد لها دورها التاريخي كدرع للحقوق والحريات في تونس.

