قال الخبير التونسي سامي جلولي، الذي عمل في تحرير والإشراف التنفيذي لبعض العقود الدولية في قطاع المواد الأولية بمشاركة شركات صينية، إن التعامل مع الشركات الصينية يتطلب حذرًا شديدًا، مشيرًا إلى أن الصين تعتبر الطرف المقابل خصمًا لا شريكًا.
وأوضح جلولي أن الصينيين يمارسون سياسة إرهاق واستنزاف للخصم، حيث يتنصلون من التزاماتهم بسرعة ويعيدون الأطراف الأخرى إلى مراحل سابقة من المفاوضات، معتبراً أن هذا أسلوب متعمد لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية. وأضاف أن الشركات الصينية تميل إلى شراء ما لا تنتجه بأسعار أقل من السوق الدولي، وأن إنتاجها موجه للتصدير الخارجي أكثر من الاستهلاك المحلي.
وحذر جلولي من أن التعامل مع الصين في أفريقيا، وخاصة في قطاع البنية التحتية، غالبًا ما يقابله استهداف لقطاعات استراتيجية أخرى مثل التعدين، موضحًا أن الشركات الصينية تعمل كمجموعات متكاملة تحت إشراف الدولة المركزية، حتى في توريد المواد الأولية مثل الرمل لمشاريع الطرقات مقابل عدم الشراء من الشركات المحلية.
وعن المقارنة بين الصين وكوريا الجنوبية، أكد جلولي أنه يفضل التعامل مع الكوريين على الصينيين، مشددًا على أن الصين ليست جمعية خيرية وأن مبدأ التعامل التجاري يجب أن يُبنى على وعي بالغايات الاستراتيجية للطرف الصيني.
وفي وقت سابق دعا الجلولي الى وقف المفاوضات مع الصينيين : “أوقفوا المفاوضات قبل الكارثة!”، موضحًا أن المفاوضات الجارية بين تونس والصين ليست لبناء مصانع دفاعية أو صناعات إلكترونية، ولا لإنشاء بنية تحتية مثل الجسور أو القطارات أو مترو صفاقس، وإنما لإبرام اتفاقية للتبادل التجاري الحر ورفع جميع القيود والأداءات الديوانية إلى صفر.
وأضاف جلولي أن الهدف المعلن للصينيين هو فتح السوق الصيني للمنتوجات الفلاحية التونسية، لكنه اعتبر ذلك غير واقعي نظرًا لأن الصين أصبحت أحد أكبر المنتجين في القطاع الفلاحي، بما في ذلك زراعة الزيتون، موضحًا أن الصين قامت بغرس 60 مليون زيتونة حتى عام 2020.
وحذر جلولي من تداعيات هذه الاتفاقية على الاقتصاد التونسي، مشيرًا إلى أن العجز التجاري مع الصين وصل إلى 8.4 مليار دينار سنة 2023، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر في السنوات المقبلة، محذرًا من أن الاتفاقية قد تؤدي إلى تفريغ السوق المحلية من الإنتاج الوطني وزيادة الاعتماد على الواردات الصينية، مما يهدد القدرة الشرائية للمواطنين ويدفع الفقراء إلى الشوارع.
فيما يخص قطاع الفسفاط في تونس، اعتبر جلولي أن القطاع استراتيجي ويحقق أرباحًا كبيرة، لكنه يعاني من فساد مستشري على طول مراحل الإنتاج والتسويق. وأكد أن أي عملية إصلاح غير راديكالية لن تكون مجدية، داعيًا إلى خطة إصلاح شاملة تمتد من المناجم إلى التصدير لضمان السيادة الوطنية وتحقيق الاستفادة القصوى من هذا المورد الحيوي.
وقال جلولي: “افتحوا بحثًا وستقفون على كوارث”، في إشارة إلى المشاكل الهيكلية والإدارية التي تواجه القطاع.

