الرئيسيةآخر الأخبارالخطوط التونسية بين السيادة والواقعية

الخطوط التونسية بين السيادة والواقعية

منذ أكثر من نصف قرن، أجاب الملياردير الأمريكي والطيّار هوارد هيوز ابن أخيه عن سؤال حول سر ثروته قائلاً بسخرية: «كن مليارديراً ثم أسّس شركة طيران، ستصبح مليونيراً بسرعة». هذه المقولة الساخرة تبدو اليوم كأنها كتبت خصيصاً لوصف حال الخطوط التونسية، الناقلة الوطنية التي دخلت عامها الـ77 مثقلة بالديون والمشاكل، ومهدّدة بفقدان موقعها في سماء المتوسط.

تراجع الأسطول وتردي الخدمات

الرئيس قيس سعيّد نفسه لم يُخفِ غضبه خلال استقباله مؤخرًا وزير النقل والمكلّفة بتسيير الشركة حليمة خواجة. فقد كشف أنّ أسطول «التونيسار» تقلّص من 24 طائرة إلى 10 فقط، وأنّ الفحص الفني الذي لا يستغرق أكثر من عشرة أيام في الشركات العالمية بات يتطلب في تونس أكثر من 123 يوماً، وهو ما كبّد المؤسسة خسائر بعشرات المليارات. كما انتقد الرئيس بشدّة الانتدابات المبنية على المحسوبية وتدهور الخدمات على متن الطائرات والتأخيرات المتكرّرة.

لكنّه في المقابل شدّد على أنّه «لن يتمّ التفريط في الناقلة الوطنية ولا في مطار تونس قرطاج»، ما يعكس حساسية الملفّ ورمزيته السيادية.

مقترحات الإنقاذ

الحديث عن إصلاح الخطوط التونسية ليس جديدًا، لكنه هذه المرّة يطرق أبوابًا أكثر جرأة:

  • شراكات أجنبية مع الحفاظ على 51% من الملكية للدولة، على غرار تجربة «لوفتهانزا» الألمانية مع شركاء محليين.
  • إعادة هيكلة مالية عبر دمج الديون العمومية ورفع رأس المال إلى ملياري دينار، مع إمكانية إدخال مساهمين بنسبة 20%.
  • إصلاح الحوكمة من خلال الفصل بين مهام رئيس مجلس الإدارة والمدير العام، وتفعيل دور المجلس في الرقابة والتخطيط.
  • مراجعة الموارد البشرية عبر تدقيق شامل في الانتدابات وتخفيف كتلة الأجور مع ضمان بقاء الكفاءات.
  • خطة مرحلية عاجلة في حدود خمسة أشهر تحدد بدقة دور «التونيسار» وموقعها في الاقتصاد الوطني.

تجارب عالمية مقارنة

الأزمة التونسية لا تُقرأ بمعزل عن تجارب دول أخرى. إيطاليا، مثلاً، اختارت إعلان وفاة «أليطاليا» لتولد «إيتا» في اليوم نفسه بهيكل نظيف من الديون. في المقابل، تمكنت شركات مثل طيران الشرق الأوسط اللبناني والخطوط الإثيوبية و البرتغالية من تجاوز أزماتها عبر إصلاحات في الحوكمة وتحالفات مدروسة.

أما في المنطقة العربية فقد استفادت المغرب ومصر من سياسة «السماوات المفتوحة» (Open Sky) التي سمحت لهما بالاندماج مع المنظومة الأوروبية واستقطاب شركات منخفضة الكلفة مثل «رايان إير» و«إيزي جِت». تونس، على العكس، ظلت مترددة، ما جعل شركات كبرى مثل «Eurowings» تتجه إلى المغرب بدل مطاراتنا.

بين السيادة والواقعية

يبقى السؤال: هل تستطيع تونس إنقاذ ناقلتها الوطنية دون المرور بمسار صادم مثل إعلان الإفلاس؟ الواضح أنّ «التونيسار» لا تحتاج فقط إلى سيولة عاجلة، بل إلى شجاعة سياسية وإصلاح جذري يعيد تعريف دورها: هل هي مؤسسة سيادية تُعنى برفع الراية الوطنية في السماء، أم شركة تجارية يجب أن تنافس بمنطق السوق؟

مستقبل «الغزالة» مرهون بقدرة التونسيين على تجاوز الشعارات والانخراط في إصلاح عميق. قد لا نحتاج إلى أن نكرّر السيناريو الإيطالي بحذافيره، لكننا بالتأكيد في حاجة إلى إرادة سياسية واضحة ورؤية اقتصادية جريئة. فإما أن تصبح «التونيسار» قصة نجاح جديدة، وإما أن تبقى دليلاً آخر على صحة مقولة هوارد هيوز بأنّ الطيران هو أقصر طريق لخسارة الثروة.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!