خلال المواسم السياحية الأخيرة، لاحظ عدد من المتابعين لقطاع النقل الجوي اعتماد شركة الخطوط التونسية بشكل متزايد على طائرات مستأجرة لضمان استمرار رحلاتها واحترام مواعيد السفر، خاصة في فترات الذروة التي يرتفع فيها عدد المسافرين بشكل يفوق طاقة أسطولها المتوفر.
ويعود هذا التوجه أساسًا إلى إشكال متكرر تعيشه تونس كل سنة، يتمثل في الارتفاع الكبير في الطلب على السفر خلال فصل الصيف، لا سيما نحو الدول الأوروبية، مقابل تراجع ملحوظ في عدد المسافرين خلال فصل الشتاء. هذا التفاوت الموسمي يضع شركة الطيران أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما اقتناء طائرات إضافية تبقى معطّلة لعدة أشهر، أو القبول بنقص في عدد الرحلات خلال فترات الذروة، وما يرافق ذلك من تأخيرات وإلغاءات وغضب المسافرين.
حلّ ظرفي لواقع صعب
أمام هذا الواقع، لجأت الخطوط التونسية إلى كراء طائرات جاهزة للعمل، بطواقمها وصيانتها وتأمينها، وهو حل يسمح بتعزيز عدد الرحلات بسرعة ودون التزامات طويلة المدى. وقد مكّن هذا الخيار، عمليًا، من تفادي إلغاء عدد كبير من الرحلات والحفاظ على حدّ أدنى من الاستقرار خلال المواسم السياحية.
غير أن هذا النجاح الظرفي فتح نقاشًا واسعًا: هل يبقى كراء الطائرات حلًّا استثنائيًا ومؤقتًا، أم تحوّل تدريجيًا إلى أسلوب دائم في تسيير الشركة؟
بين الضرورة والكلفة
يرى مختصون أن كراء الطائرات يظل حلًّا مفيدًا عند حدوث نقص مفاجئ في الأسطول أو ارتفاع غير متوقّع في الطلب، لكنه لا يمكن أن يكون خيارًا دائمًا. فتكلفته مرتفعة مقارنة بتشغيل طائرات تابعة للشركة نفسها، كما أنه لا يضمن دائمًا نفس مستوى الخدمة ولا يعكس صورة الناقل الوطني وهويته.
ويحذّر هؤلاء من أن الاعتماد المفرط على هذا الحل قد يفاقم الأزمة المالية للشركة، بدل معالجتها من جذورها.
أين أسطول الخطوط التونسية؟
في المقابل، يؤكد عدد من الخبراء أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في كراء الطائرات، بل في الوضع المتردي لأسطول الخطوط التونسية، حيث تبقى عدة طائرات خارج الخدمة بسبب الأعطاب أو نقص الصيانة. ويعتبرون أن الأولوية القصوى يجب أن تكون إعادة أكبر عدد ممكن من الطائرات إلى الجاهزية، ووضع برنامج رحلات يستغل كل طائرة بمعدل لا يقل عن عشر ساعات طيران يوميًا.
وحسب هذا الرأي، لا ينبغي اللجوء إلى كراء الطائرات إلا بعد استنفاد كل الإمكانات الذاتية.
هل تضيع تونس فرصة أكبر؟
في خضم هذا الجدل، يطرح بعض المهنيين تساؤلًا أعمق: لماذا لا تستثمر تونس خبراتها البشرية في مجال الطيران بشكل أفضل؟ فالبلاد تزخر بإطارات فنية وطيارين ومهندسين يعمل كثير منهم في الخارج، ويتمتعون بخبرة واسعة في تشغيل الطائرات وصيانتها.
ويرى هؤلاء أن تونس تملك مقومات حقيقية لتصبح، على المدى المتوسط، نقطة دعم إقليمية للنقل الجوي، خاصة بحكم موقعها الجغرافي وقربها من أوروبا وانفتاحها على إفريقيا، إلى جانب كلفة التشغيل المقبولة مقارنة بدول أخرى.
بين الواقعية والطموح
غير أن هذا الطموح يصطدم بعدة عراقيل، من بينها التعقيدات الإدارية، وطول الإجراءات، وضعف وضوح الرؤية الاستراتيجية في قطاع النقل الجوي. ورغم ذلك، يؤكد مختصون أن بناء أي موقع إقليمي في هذا المجال لا يتم بين عشية وضحاها، بل يبدأ بخطوات تدريجية ورؤية واضحة وشراكة حقيقية بين الدولة والفاعلين في القطاع.
لقد أثبت كراء الطائرات أنه أنقذ المواسم السياحية من الأسوأ، لكن السؤال المطروح اليوم هو:
هل يبقى هذا الحل مسكّنًا مؤقتًا، أم يتحول إلى جزء من سياسة مدروسة لإصلاح قطاع النقل الجوي في تونس؟
في ظل تنامي الطلب على السفر الجوي في إفريقيا وتزايد المنافسة، تبقى المرونة عنصرًا حاسمًا، وقد تكون تونس أقرب إلى هذه الفرصة مما يعتقد الكثيرون.

