أكّد رئيس الجمهورية قيس سعيّد، لدى استقباله عصر يوم 24 ديسمبر الجاري بقصر قرطاج، السيّدة سارة الزعفراني الزنزري رئيسة الحكومة، على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات. وبعد يوم واحد فقط من هذا اللقاء، دعت رئيسة الحكومة بدورها إلى مجلس وزاري، شدّدت في مستهلّ أشغاله على ضرورة مضاعفة الجهود وتسريع وتيرة العمل الحكومي، والمرور الى السرعة القصوى معتبرة أنّ الشعب التونسي منح يوم 17 ديسمبر من السنة الجارية تفويضًا جديدًا لرئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيّد.
كما أكّدت رئيسة الحكومة على ضرورة الانسجام التام داخل العمل الحكومي بما يضمن حسن سير المرفق العمومي وتحسين جودة الخدمات المقدّمة للمواطنين والمواطنات. غير أنّ هذا الخطاب المتقدّم يصطدم اليوم بواقع ميداني يتّسم بحالة من الغموض والشلل النسبي داخل عدد هام من المؤسسات والمنشآت العمومية، نتيجة استمرار العمل بصيغة التسيير المؤقت.
ففي القطاع البنكي العمومي، ما تزال البنوك الثلاثة: البنك الوطني الفلاحي، والشركة التونسية للبنك، وBH Bank، تُدار من قبل مديرين عامين يحملون صفة مكلّف بتسيير، وهي وضعية لا تخوّل لهم اتخاذ قرارات استراتيجية كبرى أو وضع تصوّرات بعيدة المدى، وهو ما يطرح بإلحاح مسؤولية وزارة المالية في الحسم السريع في هذا الملف الحيوي.
ولا يختلف الوضع كثيرًا في وزارة النقل، حيث لم يتم إلى حدّ الآن تثبيت المديرة العامة للخطوط التونسية في منصبها، رغم تراكم الملفات وثقل الانتظارات داخل الناقلة الوطنية التي تعاني من مشاكل هيكلية عميقة. كما أنّ الوزارة مطالبة كذلك بالإسراع في تعيين مدير عام قارّ على رأس الديوان الوطني للطيران المدني، علمًا وأنه في جانفي 2025 تم تكليف الحبيب التومي بالإشراف على تسيير هذه المؤسسة، مع مواصلة مهامه كرئيس للوكالة الفنية للنقل البري، في وضعية ازدواج وظيفي مؤقتة لا يمكن أن تستمر.
ولا يتوقّف الإشكال عند هذه القطاعات فحسب، إذ توجد مؤسسات ومنشآت عمومية أخرى تم استبعاد مسؤوليها دون تعويض فوري، ما عطّل سيرها الطبيعي وأضعف قدرتها على الإنجاز.
أما وزارة الشؤون الخارجية، فهي مطالبة اليوم ليس فقط بـ«السرعة القصوى»، بل بخطوات ماكوكية عاجلة عبر إطلاق حركة دبلوماسية طال انتظارها، خاصة وأنّ عدد السفارات التونسية الشاغرة بلغ إلى حدود نهاية الشهر 29 سفارة، من بينها بعثات في عواصم ذات أهمية استراتيجية قصوى لمصالح تونس والتونسيين، على غرار موسكو وواشنطن وبيرن والرياض وأبوظبي.
وفي هذا السياق، تكتسي مهام السفير أهمية محورية، باعتباره الممثل الرسمي للدولة في الخارج، والمسؤول الأول عن الدفاع عن مصالح تونس السياسية والاقتصادية، وحماية حقوق الجالية التونسية، ومرافقة المستثمرين، والتدخّل لدى سلطات الإقامة في القضايا الحسّاسة التي تهمّ المهاجرين. كما يلعب السفير دورًا أساسيًا في تحسين صورة البلاد، واستقطاب الشراكات، وضمان حضور فاعل لتونس في محيطها الإقليمي والدولي، وهو ما يجعل استمرار الشغور في هذه المواقع مسألة لا تحتمل مزيدًا من التأجيل.

