الرئيسيةآخر الأخبارالرئيس السابق للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين من ياسمين الحمامات : هل أنا...

الرئيس السابق للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين من ياسمين الحمامات : هل أنا فعلا في تونس ؟

هل أنا فعلاً في تونس؟ هذا السؤال راودني بينما كانت قدماي تغوصان في مياه دافئة داخل فندق خمس نجوم، محاط بجدران ناصعة البياض، وبرك سباحة، وكوكتيلات حلوة المذاق، ونُدُلٍ مبالغين في التهذيب، وزبائن بَشَرةُ وجوههم وردية أكثر من اللازم هذا ما يقوله السيد الياس بلاغة إلياس بلاغة الرئيس السابق للهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين .
ياسمين الحمامات… يضيف بلاغة مشهد لفانتازيا متوسطية تحت السيطرة: نخلٌ مُروّض، نساءٌ متنكّرات، وفقرٌ مُبعَد.

ابتسم لي أحد السيّاح بدهشة حين سمعني أتحدث بالعربية. ظنّني دليلاً سياحيًّا، أو منشّطاً محلّياً.
لكنني مهندس معماري. أنا في وطني. ومع ذلك، لا أتعرف على شيء.

لا أتعرف على هذه “التونس” المزيّفة، ولا على هذا الفضاء الاستعماريّ المُعاد إنتاجه، حيث يتزيّن الإسمنت باللون الأبيض ليُحاكي “الأصالة”.
لا أتعرف على هذا العمران بلا ذاكرة، ولا على هذه المدينة المُختلقة لإرضاء من هربوا من خرابهم.

أين أبناء الحي؟ أين رائحة الخبز الطازج؟ أين الصراخ، الأسواق، التناقضات؟
كلّ شيء قد مُسِحَ، نُظّف، وعُقّم ليُرضي المستثمرين.

في ياسمين الحمامات، أصبح الفولكلور منتجاً، والثقافة ذريعة، والعمارة ديكوراً لمسرح زائف.
لقد فُرّغت تونس من خشونتها، من حقيقتها، من شعبها.

ونحن، المعماريّين، غالباً ما كنا شركاء في هذه الجريمة.
رسمنا الجدران التي تفصل، والمخططات التي تفرز، والواجهات التي تُخفي.
قبلنا أن نُزيّن نزع الملكيّة، وأن نجمّل الكذب.

لذلك، أطرح السؤال بمرارة:
هل أنا فعلاً في تونس؟
أم في مجسّم مصمَّم خصيصاً لمستثمرين عطشى لـ”الغرابة”؟

أريد تونساً مأهولة، لا مزروعة على عجل للزيارة.
أريد عمارة صادقة، لا واجهات للترويج.
أريد أن نبني مع الناس، لا ضدّهم.
أريد أن نتوقّف عن الخيانة مقابل بعض العقود وبوفيه مفتوح.

أريد أن ننظر في المرآة، حتى وإن كانت بلا مساحيق.

وأكثر من ذلك، أريد أن نستعيد قيمنا وأصالتنا،
أن نرفض أن تتحول مدننا إلى مجرد حدائق ملاهي للأثرياء،
أن نعيد للمعمار دوره كمرآة للمجتمع وروحه الحيّة،
لا كواجهة زائفة تخفي خلفها جراح الفقر والغياب.

إن العمارة ليست مجرد بناء،
هي كتابة تاريخنا على الجدران،
هي تعبير عن كرامتنا،
هي ذاكرة تجمعنا رغم اختلافاتنا.

كيف لنا أن نصنع حضارة،
ونحن نغلق أبواب الأحياء الشعبية،
ونفضّل جدران الفنادق على بيوت الأهل؟
كيف لنا أن نبدع،
ونحن نرتضي أن نكون مجرد منفّذين لأوامر تستهدف الطمس والطمس؟

إنه وقت الثورة،
ثورة الوعي، ثورة التصميم، ثورة التضامن،
لنقول لا لعمارة التمييز والابتعاد،
ونقول نعم لعمارة الإنسان والكرامة.

فلنرفع رؤوسنا،
ولنعود إلى ما نحن عليه حقاً:
معماريون، فنانون، حُماة ثقافتنا،
حراس ذاكرة هذا البلد،
وشركاء حقيقيون في بناء مستقبله.

فهل أنتم معي في هذا المسار؟
هل ستعيدون التفكير في أدواركم؟
هل سنتحدى سوياً الوهم المرسوم فوق أرضنا؟

لنكتب فصلاً جديداً،
ونبني تونس التي تستحقها الأجيال القادمة،
تونس الحقيقية، تونس الحيّة، تونس الكريمة

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!