رغم نفي النائب فاطمة المسدي وجود أي مشروع قانون حول إباحة تعدد الزوجات في تونس، إلا أن تدوينة المحامي عماد العيساوي حول الموضوع فجّرت نقاشًا صاخبًا على شبكات التواصل الاجتماعي، بين من اعتبرها شجاعة في الطرح، ومن رأى فيها نكسة لمدنية الدولة وضربًا لمكتسبات المرأة.
وقد حظيت التدوينة بمئات التعليقات التي عكست انقسامًا حادًا في الرؤى والمواقف، بين مَن يتمسّك بمجلة الأحوال الشخصية كخط أحمر، ومن يعتبر أن الواقع الاجتماعي الحالي يتطلب إعادة النظر في بعض التشريعات “المقدّسة”.

بعض المعلّقين أثنوا على طرح الأستاذ العيساوي، واعتبروه جريئًا في تعرية المسكوت عنه، كما كتبت Abla Shimi: “أنيق في تعرية الحقائق المقبورة عنوة… شكراً على شجاعتك”.
في المقابل، ردّت نورهان بنمحمد بسخرية لاذعة:”الحمد لله كان عندي غثيان، بعد قراءة منشورك رديت تفرهدت”.
ردود فعل غاضبة: “مجلة الأحوال الشخصية خط أحمر”
جملة واحدة كانت كفيلة بتلخيص موقف شريحة واسعة من التونسيين:“مجلة الأحوال الشخصية خط أحمر… على جثتنا!”، بحسب ما كتبت Chaabane Neila، التي لم تكتفِ بذلك، بل أضافت توصيفًا لاذعًا للفكر الداعي للتعدد:
“فئة من البشر عقولها في شراويلها”.
ثم انتقلت لتحليل الواقع بلغة شعبية صادمة:
“الشاب التونسي اليوم يبلغ 40 عامًا ولا يقدر حتى على الزواج بواحدة… البقية متزوجون وأطفالهم محرومون من العيش الكريم”.
وأضافت: “الرجل زمان يتزوج باثنتين أو ثلاث… القوت موجود، فلاح يعيش على الزيت والقمح والخضرة والهواء النقي… أما اليوم، من الدار للكرهبة للبيرو، بدنو خايخ بالستراس وقلة الغذاء، ركايبو طايحة بالدخان والشراب والزطلة… والمراة الواحدة تتزوج بثلاثة منو، وشوف تحصلش على راجل!”
معادلات مقلوبة: ماذا عن تعدد الأزواج؟
عدد من المعلّقات قلبن الطرح رأسًا على عقب، وتساءلن إن كانت نفس المبررات التي تُقدَّم لتعدد الزوجات يمكن إسقاطها على المرأة، كما كتبت Zinet Bouhageb:”بنفس المنطق، هل يُسمح للمرأة بزوجين عندما لا يكون الرجل قادرًا على الإنجاب؟”
وأضافت:”النفاق هو الكيل بمكيالين”.
وردّت Leila Ghrissa بلهجة أكثر حدة:”يا سلام على الدين الذي لا هدف له إلا إذلال المرأة لصالح سيدها الرجل. دين أبوكم إيه؟
الواقع أقوى من الأحلام
كثير من التونسيين انتقدوا الطرح باعتباره منفصلًا عن الواقع المعيشي.
كتب أحدهم:”الشاب التونسي اليوم يبلغ 40 عامًا ولا يقدر حتى على الزواج بواحدة… فما بالك باثنتين؟”
في حين اعتبرت Narjes Cherni أن مثل هذه النقاشات تُستعمل لتخدير المواطن وإبعاده عن القضايا الجوهرية:”المهم يخدروه بش لا يثور، لا يحاسب، لا يهز راسو… من سيستفيد من هذا القانون؟ الأغنياء طبعًا”.
ما بين الحلال والمواخير
ولم تخلُ التعليقات من الإشارة إلى المفارقة بين منع التعدد، مقابل وجود واقع اجتماعي هشّ، كما كتب محمد الأمين لطيفي:”منعوا الحلال وفتحوا المواخير”.
في حين ردّت Henda Zoghlami بمرارة:”الي عندو شهوة يعملها في عشاه، والي مقتنع بالتعدد، يقنع بيه أمو، وأختو، ومرتو، وبنته”.
ومهما يكن، فإن مجرد طرح المسألة بهذا الشكل يكشف أن معركة القيم في تونس لم تُحسم بعد.
في تدوينته المثيرة للجدل، يطرح المحامي عماد عيساوي تساؤلات وانتقادات حادة للموقف القانوني والاجتماعي في تونس من مسألة تعدد الزوجات، ويُشكّك في مدى واقعية استمرار تجريم هذا التعدد في مجتمع يعيش تحولات عميقة منذ زمن بورقيبة.
علما وأن المحامي عماد العيساوي إلى إعادة النظر في الموقف القانوني والاجتماعي من مسألة تعدد الزوجات في تونس، مشككًا في واقعية استمرار تجريم التعدد وسط تحولات اجتماعية عميقة تمرّ بها البلاد منذ الاستقلال.
العيساوي اعتبر أن القانون الذي يمنع التعدد منذ سنة 1956 لم يعد يعكس الواقع الاجتماعي المعقّد في تونس، بل خلق ازدواجية واضحة بين نصوص قانونية “حداثية” وممارسات تقليدية تُمارس في الخفاء.
وأشار إلى ما وصفه بـ”النفاق القانوني والاجتماعي”، إذ تُدان الزيجات الثانية قانونًا، في حين يتم التغاضي عن الخيانة الزوجية والعلاقات غير الشرعية.
تناولت تدوينة العيساوي واقعًا يصفه بـ”المسكوت عنه”، مشيرًا إلى رجال يُعانون من العقم أو مشاكل في العلاقة الزوجية، ويجدون أنفسهم بين خيارين: الطلاق أو الخيانة.
كما سلّط الضوء على نساء مطلقات أو عازبات يعانين من الإقصاء المجتمعي، ويواجهن صعوبات في تكوين أسرة.
ورغم أن العيساوي لم يدعُ إلى فتح الباب على مصراعيه، فإنه اقترح تقنين التعدد ضمن شروط صارمة، من بينها:
- توفر القدرة المادية والمعنوية للرجل؛
- وجود أسباب موضوعية مثل العقم أو المرض؛
- موافقة الزوجة الأولى؛
- إشراف قضائي دقيق يضمن احترام كل الأطراف.
وجّه العيساوي انتقادات لاذعة لبعض النخب القانونية والحقوقية، متهمًا إياها بالتعامل مع القضية من منطلقات أيديولوجية أو عاطفية، بدلًا من الانطلاق من الواقع الاجتماعي والإنساني.
كما انتقد ما وصفه بـ”الخطاب النسوي المتطرف”، الذي “يشيطن الرجل ويختزل المرأة في دور الضحية”. دعوة لفتح نقاش وطني صريح
وفي ختام تدوينته، دعا العيساوي إلى فتح نقاش وطني صادق، بعيدًا عن الشعارات والأقنعة، بل وحتى إمكانية الذهاب نحو استفتاء شعبي لحسم المسألة.
وقال إن “الواقع التونسي لم يعد يحتمل قوانين متكلّسة وابتسامات اجتماعية مزيّفة”.

