الرئيسيةآخر الأخباراليوم يتقرّر مصير أقدم سجين سياسي …إختبار حاسم لإستقلالية القضاء الفرنسي

اليوم يتقرّر مصير أقدم سجين سياسي …إختبار حاسم لإستقلالية القضاء الفرنسي

يُنتظر أن تُصدر محكمة الاستئناف في باريس اليوم، الخميس 19 جوان 2025، قرارها بشأن طلب الإفراج المشروط عن المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، المعتقل منذ أكثر من أربعين عامًا في فرنسا، في واحدة من أكثر القضايا السياسية والقضائية إثارة للجدل في تاريخ العدالة الفرنسية الحديثة.

عبد الله، المدان عام 1987 بالسجن المؤبد بتهمة التواطؤ في اغتيال دبلوماسيين اثنين في باريس عام 1982 – هما الملحق العسكري الأمريكي تشارلز راي، والدبلوماسي الإسرائيلي يعقوب بارسيمانطوف – بات مؤهلًا للإفراج منذ عام 1999.
ورغم ذلك، لم تُقبل أي من طلباته العديدة للإفراج، حيث اصطدمت جميعها برفض السلطات الفرنسية، وسط حديث متزايد عن ضغوط أمريكية وإسرائيلية لعرقلة إطلاق سراحه.

وكانت محكمة باريس قد أجّلت في 20 فيفري الماضي البتّ في طلب الإفراج الجديد، وأعادت جدولة الجلسة إلى هذا اليوم، مطالبة عبد الله بـ”دفع تعويضات للضحايا بحسب قدرته المالية”.

جورج عبد الله أعلن رفضه المبدئي لفكرة تعويض الولايات المتحدة، قائلاً:“لن أُعوّض من يرسل القنابل على الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين.”
لكنه أبدى انفتاحًا على الفكرة في حال قامت الدولة اللبنانية بالدفع نيابة عنه.

محاميه، Maître Chalanset قال في تصريحات إعلامية:”ما يجري هو خضوع متجدد للإملاءات الأمريكية، لا أكثر.”

“انتقام سياسي”

الصحفي اللبناني بيار أبي صعب، الملمّ بتفاصيل الملف، وصف استمرار احتجاز عبد الله بأنه:“انتقام سياسي من رجل دفع ثمن تمرده على الهيمنة الأميركية.”

وأضاف:“الولايات المتحدة تتدخل في السيادة القضائية الفرنسية، وتفرض وصايتها على قرارات يفترض أن تكون مستقلة.

يبقى مصير جورج عبد الله اليوم رهين قرار قضائي يتجاوز طابعه القانوني البحت، ليعكس موازين القوى الدولية، وحدود استقلالية القضاء الفرنسي أمام الضغوط الأميركية.

فهل سيُفرج اليوم عن أقدم سجين سياسي في أوروبا؟ أم ستُمدد معاناته مجددًا تحت ذرائع قانونية تمليها السياسة؟

البداية

منذ بداية قضية جورج إبراهيم عبد الله قبل أكثر من أربعين عامًا، تؤكد هيئة دفاعه أن واشنطن تقف وراء بقائه في السجون الفرنسية. ويقول الدبلوماسي الأمريكي السابق ستيف كاشكِت، الذي شغل منصب ضابط مكافحة الإرهاب في السفارة الأميركية بباريس عام 1986: «عندما وصلت إلى السفارة، أصبحت قضية عبد الله أولوية مطلقة. كان من الواضح لنا أن الحكومة الفرنسية، التي كانت تحاول تجنب الهجمات في الشرق الأوسط ضد أهداف فرنسية، لم تكن تنوي ملاحقته بشكل جدي».

منذ ذلك الحين، دخلت الولايات المتحدة كطرف مدني في القضية، وعيّنت المحامي الفرنسي الشهير جورج كيجمان لتمثيلها. ومنذ ذلك الوقت، بدا أن واشنطن تُعارض بشكل منهجي الإفراج عن جورج عبد الله.

ضغوط متواصلة منذ عقود

تراكمت قائمة الضغوط الأميركية على باريس بمرور الوقت، إذ ترى الولايات المتحدة في عبد الله تهديدًا مستمرًا رغم بلوغه سن 74. ويقول الصحفي اللبناني بيار أبي صعب: «فرنسا تريد التخلص من هذا الملف المحرج، لكنها تبدو مترددة. هناك ترهيب وتدخل واضح في السيادة الفرنسية. منذ عام 1999، عبد الله محتجز خارج منطق القانون، في سابقة خطيرة».

علاقة غامضة مع الاستخبارات

في تطور مثير، اعترف محاميه الأول جان بول مازورييه، الذي كان يعمل في الحقيقة لصالح المخابرات الفرنسية، في مقابلة عام 2024: «لقد خضعنا للضغوط الأميركية الرافضة للإفراج عنه». أما المحامي جاك فيرجيس، فقد وصف الموقف الفرنسي بأنه خضوع لـ”ديكتات أميركي”، معتبراً أن فرنسا صارت “تابعة للولايات المتحدة”.

وثائق سرّية ورسائل كلينتون

كشفت وثائق أميركية رفعت عنها السرية أن واشنطن مارست ضغوطًا على باريس منذ عام 1986، محذرة من أن جماعة الفِرَق المسلحة الثورية اللبنانية (FARL)، التي ينتمي إليها عبد الله، قد تهاجم مصالح أميركية بسبب محاكمته. وفي وثيقة أخرى من عام 1987، ورد أن “هجمات ضد أهداف أميركية محتملة نتيجة الدور الأميركي في الضغط لمحاكمته”.

كما أظهرت تسريبات ويكيليكس أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون طلبت صراحة من نظيرها الفرنسي لوران فابيوس عام 2013 إيجاد وسيلة لمنع الإفراج عنه. في ذلك الوقت، رفض وزير الداخلية مانويل فالس توقيع أمر طرده من فرنسا.

كاشكِت علّق على ذلك بقوله: «الفرنسيون هم من طلبوا رأي الأميركيين لأنهم كانوا طرفًا مدنيًا في المحاكمة. ما ورد في ويكيليكس لا يُعد تدخلاً، بل ردًا على طلب فرنسي رسمي».

وأين إسرائيل؟

رغم أن أحد الضحايا في القضية كان دبلوماسيًا إسرائيليًا، لم تُقدم تل أبيب على تسجيل نفسها كطرف مدني في المحاكمة، واكتفت بترك المهمة للولايات المتحدة، بحسب كاشكت.

ما التالي؟

يوصف جورج عبد الله اليوم بأنه أقدم سجين سياسي في أوروبا. فهل يتم الإفراج عنه اليوم الخميس 19 جوان 2025؟ وهل تتكفل الدولة اللبنانية بدفع التعويضات التي اشترطتها المحكمة؟

محاميه شالانسيه صرّح يوم 17 جوان أن «جميع شروط المحكمة مستوفاة، ونحن ننتظر قرار الإفراج». وذكر أن في حساب موكّله مبلغًا يقارب 16 ألف يورو يمكن دفعه للجهات المدنية في حال طلبت ذلك.

تجدر الإشارة إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اعتبرت في 2021 أن السجن المؤبد دون أفق واقعي للإفراج يتعارض مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. فهل يُطوى هذا الملف الطويل؟ أم يُدفن صاحبه خلف القضبان باسم “مصلحة” لا أحد يجرؤ على تسميتها؟

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!