يقدّم الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي قراءة شاملة في أحدث بيانات المعهد الوطني للإحصاء حول النمو الاقتصادي والتشغيل والعجز التجاري، ليطرح سؤالًا محوريًا: هل استفادت تونس فعليًا من التقارب السياسي والاقتصادي مع دول مجموعة البريكس؟
I – النمو الاقتصادي: تقدّم محدود ومخاطر هيكلية
- نمو سنوي بـ2.4% خلال الثلاثي الثالث من 2025 مقابل 2.1% قبل سنة، لكنه صفر بالمائة مقارنة بالثلاثي الثاني، أي أنّ الاقتصاد فقد الزخم الذي كان لديه سابقًا.
- النمو مبني أساسًا على قطاعين ظرفيين:
- الفلاحة: +11.5% (مرتبطة بالمناخ)
- السياحة: +7.1% (مرتبطة بالظرف الدولي)
- عودة قوية لقطاع المناجم: +31.7%، وهو مؤشر إيجابي، لكن غير كافٍ لتعويض ضعف بقية القطاعات.
- تراجع قطاعات أساسية:
- الصناعات الميكانيكية والكهربائية: من 9.7% إلى 4.9%
- الصناعات الكيميائية: من 11.9% إلى 2.4%
- البناء: من 9% إلى 3.9%
- تحقيق نسبة النمو المستهدفة في قانون المالية (3.2%) أصبح مستحيلًا، وحتى نسبة البنك الدولي (2.6%) تحتاج نموًا بـ3.2% في الثلاثي الرابع وهو أمر غير واقعي.
- تراجع خطير في قطاع البنوك: نمو سلبي مستمر (–11% في الثلاثي الثالث)، ما يعني أنّ القطاع المالي فقد دوره في تمويل الاقتصاد.
- قطاع النسيج والملابس والجلد يواصل الانهيار منذ 2023.
II – التشغيل والبطالة: ضغوط اجتماعية تتفاقم
- نسبة النشاط تتراجع بـ0.1 نقطة (نقص 600 شخص).
- عدد المشتغلين ينخفض بـ3,200 شخص، مع:
- نقص كبير لدى النساء: –38 ألف
- زيادة لدى الرجال: +35 ألف
- البطالة ترتفع من 15.3% إلى 15.4% (+2,600 عاطل جديد).
- بطالة النساء ترتفع بـ1.5 نقطة
- بطالة الرجال تتراجع بنصف نقطة
- الشباب أكبر المتضررين:
- ارتفاع البطالة من 36.8% إلى 40.1% (+3.3 نقاط)
- بطالة الشابات ترتفع بـ5 نقاط كاملة
- البطالة لدى أصحاب الشهادات العليا ترتفع من 24% إلى 24.9%.
III – العجز التجاري: الارتفاع الأخطر منذ سنوات
- العجز التجاري يقفز إلى 18.4 مليار دينار مقابل 15.7 مليارًا في 2024 (+2.7 مليار دينار).
هذا الرقم يهدد مدخرات العملة الصعبة وقيمة الدينار. - الصادرات شبه جامدة (+1.1%) بسبب:
- انهيار صادرات زيت الزيتون (–26.7%)
- تراجع صادرات الفلاحة والغذاء (–13.8%)
- تراجع صادرات النسيج (–0.9%)
رغم تحسن الفسفاط (+9.4%) والميكانيك والكهرباء (+7.7%)
- الواردات ترتفع بـ4.9% وخاصة:
- معدات التجهيز: +14.5%
- المواد الأولية: +6.7%
ما يعكس رغبة للاستثمار، لكنها معطلة بسبب الجباية والبيروقراطية وارتفاع الفائدة.
- انخفاض واردات المواد الأساسية (حبوب، سكر، قهوة، أدوية…) نتيجة تطبيق تقشفي غير معلن لسياسة الدعم وفق شروط صندوق النقد الدولي.
- العجز الطاقي وحده يمثل نصف العجز الكلي: 9.2 مليار دينار.
- الفوائض مع فرنسا وألمانيا وليبيا وإيطاليا والمغرب جنّبت تونس عجزًا كان سيتجاوز 26 مليار دينار.
- المعطى المفصلي:
أكثر من 60% من العجز التجاري مصدره دول البريكس:- الصين: 9.2 مليار دينار
- روسيا: 3.8 مليار دينار
- الهند: 1 مليار دينار
- السعودية: 600 مليون دينار
- مصر: 800 مليون دينار
وفق تحليل الشكندالي، تُظهر الأرقام بوضوح أنّ:
- تونس لا تستفيد تجاريًا من دول البريكس،
بل تستعمل فائضها التجاري مع أوروبا وليبيا لتغطية عجزها معهم. - الميزان يميل بشكل ساحق لصالح الصين وروسيا والهند والسعودية ومصر.
- هذا التوجّه لا يدعم سيادة البلاد الاقتصادية ولا يساعد على إعادة التوازن الخارجي.
- الاندفاع السياسي نحو البريكس لم يُترجم بأي مكاسب اقتصادية.
وبذلك يخلص الخبير إلى أن مراجعة هذا التمشي أصبحت ضرورة وطنية، لأنّ استمرار العلاقات التجارية في شكلها الحالي يستنزف الاقتصاد التونسي بدل أن يخدمه.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد تعرّض أول أمس خلال لقائهه بوزير الخارجية محمد علي النفطي ” إلى ضرورة مراجعة عدد من الاتفاقيات التي لم تستفد منها تونس إذ لم تكن متوازنة ولا في صالح الوطن بل كان لها الأثر الوخيم على اقتصادنا في عديد المجالات.”

