أعلنت نيابة الجمهورية لدى محكمة الدار البيضاء الجزائرية، اليوم السبت، عن فتح تحقيق قضائي ضد أحد ضيوف قناة “سكاي نيوز عربية”، على خلفية بث مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي وُصف بأنه “يمس بالرموز الوطنية والوحدة الوطنية”.
وأوضح بيان رسمي صادر عن المحكمة أن المعني، ويدعى محمد الأمين بلغيث، ظهر في المقطع وهو يُجري مقابلة تلفزيونية “ضمن مشروع صحفي درامي”، وتضمّن كلامه، بحسب النيابة، “مساساً صريحاً بالرموز الوطنية والثوابت، وتحريفاً لهوية الأمة الجزائرية، وخرقاً لأحكام الدستور”.
وأضاف البيان أن محتوى الفيديو “تضمن خطابات كراهية تهدد السلم الوطني، وتضرب قيم الأمة الجزائرية”، مشيراً إلى أن المقطع تم تداوله على نطاق واسع، ما دفع النيابة إلى إصدار أمر بفتح تحقيق عاجل وتوقيف المشتبه فيه.
وتم تقديم محمد الأمين أمام وكيل الجمهورية، حيث خضع للاستجواب وأُحيل على قاضي التحقيق؛ الذي أمر بإيداعه الحبس المؤقت إلى حين استكمال إجراءات المتابعة القضائية.
واعتبرت النيابة العامة أن الوقائع المرتبطة بهذه القضية “تشكل انتهاكاً خطيراً للمبادئ العامة التي يقوم عليها المجتمع الجزائري، وتمس بشكل مباشر الوحدة الوطنية وسلامة الدولة”، رغم أن حقيقة الموضوع متعلقة فقط بإبداء الرأي في ملف الأمازيغية.
وكان تصريح المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث، الذي قال فيه إن الأمازيغية “مشروع أيديولوجي فرنسي-صهيوني”، وإن أصل البربر يعود إلى “عرب فينيقيين”، قد أثار موجة واسعة من الاستياء وجدلا حادا في الأوساط السياسية والثقافية في الجزائر. ورأى كثيرون في هذه التصريحات مساسا مباشرا بأحد مقومات الهوية الوطنية الثلاثة، كما نص عليها الدستور الجزائري: الإسلام، والعروبة، والأمازيغية.
وجاءت تصريحات بلغيث خلال مقابلة مع قناة “سكاي نيوز عربية”، حين طُلب منه توضيح آرائه المثيرة للجدل حول الهوية الأمازيغية، وما إذا كانت تلك المواقف تمثل طمسا لهوية شعب بأكمله. وردّ بالقول: “ليست هناك ثقافة. هذا مشروع أيديولوجي صهيوني فرنسي بامتياز. لا وجود لشيء اسمه أمازيغية، هناك بربر، وهم عرب قدماء وفق ما يدين به كبار المؤرخين في الشرق والغرب”.
وأضاف بلغيث أن “قضية الأمازيغية تُعد، بإجماع عقلاء ليبيا والجزائر والمغرب، مشروعا سياسيا هدفه تقويض وحدة المغرب العربي، خدمةً لمشروع فرنسي يسعى إلى فرض مغرب فرنكوفوني”. وختم حديثه بالقول: “نحن نعود في أصولنا إلى الفينيقيين الكنعانيين، وهذا هو السر بيننا وبين خصومنا في الداخل والخارج”.
وفور انتشار المقطع، واجه بلغيث موجة انتقادات حادة من نشطاء وباحثين وصحافيين، وصفوا تصريحاته بأنها استفزازية وتحمل خلفيات سياسية. وطالب عدد منهم بإحالته للتحقيق بتهمة التشكيك في الثوابت الوطنية، في مقارنة مع قضية الكاتب بوعلام صنصال، الذي يقبع حاليا في السجن بعد أن نُسبت إليه تصريحات اعتُبرت مسيئة للوحدة الترابية الجزائرية.
وتحدث البعض بأن بلغيث مارس ”تحريضا عرقيا” على منصة إعلامية خليجية لها سوابق في استهداف السيادة الجزائرية، وهو ما اعتبره سلوكاً يخرج من خانة حرية التعبير إلى خانة الطعن في وحدة الأمة. ونبّه المحامي هاشم ساسي إلى خطورة توقيت التصريحات ومكانها، مشيراً إلى أن بث هذا الكلام على قناة إماراتية، وفي ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة، يعطي الانطباع بأن ثمة “مسمار خيانة” يُدق من الداخل لتفكيك التماسك الوطني.
وفي تطورات القضية، هاجم التلفزيون الجزائري الرسمي، بضراوة الإمارات العربية المتحدة على خلفية استضافة قناة تابعة لها للمؤرخ وبث تصريحات اعتبرت أنها “استهداف خطير لثوابت الشعب الجزائري العريقة ومحاولة التشكيك في أصولها وتاريخها العميق”.
وأضاف بيان التلفزيون أن تهجم الإمارات على الجزائر ذات التاريخ المقاوم ليس سوى محاولة يائسة من كيانات هجينة تفتقر إلى الجذور والسيادة الحقيقية”، مبرزا أنها تحولت إلى مصانع للفتنة وبث السموم الإيديولوجية مستغلة تاجر إيديولوجيا في سوق التاريخ”، في إشارة مباشرة للمؤرخ محمد الأمين بلغيث.
ووصف التلفزيون العمومي “الطعن في وحدة الشعب الجزائري، بأنه ليس مجرد إساءة إعلامية بل عدوان يطال القيم والسيادة والمصير المشترك”، مؤكدا أنه “طعن يأتي فقط من أجل حصد المزيد من الولاء لمن يقض مضاجعهم استقرار الجزائر وتقدمها”. وأردف أن “الجزائر لن تقف باكية على أطلال ما قدمته للدويلة المصطنعة من دعم ونصرة لكنها وكما يفعل الشامخون سترد الصاع صاعين”.

