الرئيسيةاقتصادبين القيمة الاسمية والقيمة الحقيقية:جدل حول "قوة الدينار التونسي"

بين القيمة الاسمية والقيمة الحقيقية:جدل حول “قوة الدينار التونسي”

أكدت رئيسة الحكومة سارة الزعفراني الزنرري خلال جلسة عامة مشتركة لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026، أن الدينار التونسي يُعدّ أقوى عملة في إفريقيا من حيث القيمة الاسمية مقابل الدولار، رغم غياب الثروات النفطية أو الصادرات ذات القيمة العالية التي تتمتع بها دول أخرى في المنطقة.

وأضافت الزنرري أن الحكومة تواصل العمل على التحكم في العجز التجاري، وضبط سعر الصرف، وتعزيز المخزون الاحتياطي من العملة الأجنبية، في محاولة لدعم استقرار الدينار والحفاظ على التوازنات المالية الكبرى.

لكنّ هذا التصريح، الذي أثار اهتمام الرأي العام، فتح في المقابل بابًا واسعًا للنقاش الاقتصادي حول معنى “القوة” الحقيقية للعملة، وحول مدى واقعية المقارنة بين القيمة الاسمية وسعر الصرف الفعلي في السوق.

آرام بلحاج: لا يكفي أن تكون الأرقام مرتفعة على الورق

في تعليق نشره على صفحاته الرسمية، أوضح الخبير الاقتصادي آرام بلحاج أن ما قالته رئيسة الحكومة صحيح من الناحية التقنية البحتة — أي أن الدينار التونسي يملك قيمة اسمية مرتفعة مقابل الدولار مقارنة ببعض العملات الإفريقية (على سبيل المثال، 1 دينار ≈ 0.32 دولار، في حين أن 1 نيرة نيجيرية أو 1 شيلينغ كيني يساوي أقل من سنت أمريكي).

إلا أن بلحاج ذكّر بأن القيمة الاسمية (valeur nominale) لا تعبّر بالضرورة عن القوة الشرائية الفعلية أو القيمة الحقيقية (valeur réelle) للعملة.
وشبّه الوضع بمواطن يتقاضى “شهريًا ثلاثة ملايين ولا يعمل إلا نصف الشهر”، في إشارة إلى أن الرقم وحده لا يعكس حقيقة القدرة الشرائية أو التوازن الاقتصادي.

القيمة الحقيقية.. المعيار الغائب

ويطرح هذا الجدل سؤالًا جوهريًا:
هل يمكن اعتبار الدينار التونسي قويًا حقًا إذا كان ضعيف القدرة الشرائية داخليًا، وغير مطلوب عالميًا، وغير قابل للتحويل الحرّ في الأسواق الدولية؟

الخبراء يؤكدون أن القوة الحقيقية لأي عملة تُقاس أساسًا بقدرتها على شراء السلع والخدمات داخل البلد وخارجه، وبمستوى الثقة الدولية فيها، وبمدى الطلب عليها في المبادلات التجارية والمالية.

ففي الوقت الذي يُعتبر فيه الدينار التونسي “مرتفع القيمة الاسمية”، يظل واقع الاقتصاد التونسي رهين العجز التجاري وضعف الإنتاجية وتراجع الاستثمار الخارجي، وهي مؤشرات تعكس هشاشة القيمة الفعلية للعملة مقارنة بالمعايير الدولية.

— بين القيمة الاسمية والقيمة الحقيقية:جدل حول "قوة الدينار التونسي"

بين التصريحات والسياسات

تصريح رئيسة الحكومة يعكس من جهة رغبة سياسية في بثّ رسائل طمأنة حول استقرار العملة الوطنية، لكنه من جهة أخرى يذكّر بصعوبة الفصل بين لغة الأرقام ولغة الواقع.
فالقيمة الاسمية، مهما بدت “قوية” على الورق، تبقى مجرد واجهة حسابية إذا لم تُدعّمها مؤشرات اقتصادية حقيقية تدعم القوة الشرائية والثقة في الاقتصاد.

ويبقى التحدي الأساسي أمام الحكومة في الأشهر القادمة هو تحويل هذه القوة “الاسمية” إلى قوة “فعلية”، أي دينار قادر على حماية القدرة الشرائية للمواطن، وتحفيز الاستثمار، واسترجاع الثقة في السوقين المحلية والدولية.

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!