الرئيسيةآخر الأخبارتراجع عدد الطلبة الأفارقة وتركيا تلقي بشباكها في تونس

تراجع عدد الطلبة الأفارقة وتركيا تلقي بشباكها في تونس

حتى وقت قريب، كانت تونس تُعد وجهة مفضلة للطلبة القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، بفضل جامعاتها وتقاليدها الراسخة في التعليم العالي، وارتباطها الثقافي واللغوي بالدول الناطقة بالفرنسية. لكن هذه المكانة آخذة في التراجع، فيما تتحول تونس نفسها إلى سوقٍ مفتوحة للجامعات الأجنبية الباحثة عن طلبة جدد.

التحوّل تجلّى مؤخرًا من خلال تنظيم معرض “الدراسة في تركيا” يوم 26 جويلية 2025 في العاصمة التونسية، بمشاركة ممثلين عن 20 من أبرز الجامعات التركية. وشهد المعرض إقبالًا لافتًا من الطلبة التونسيين، في مؤشر على تبدّل الأولويات وتراجع جاذبية التعليم المحلي.

وقال السفير التركي لدى تونس، أحمد مصباح دميرجان، خلال حفل الافتتاح، إن تركيا أصبحت مركزًا إقليميًا للتعليم العالي، وتستقطب حاليًا أكثر من 370 ألف طالب دولي، مضيفًا: “الطلبة الأجانب الذين يدرسون في تركيا يعودون إلى بلدانهم سفراء للنوايا الحسنة، ما يعزز الروابط الثقافية والاقتصادية بين الدول”.

دميرجان وصف التعليم بأنه أداة دبلوماسية قوية، وأكد أن تركيا تضع التعليم الدولي في قلب استراتيجيتها الجيوسياسية الناعمة، مستفيدة من بنيتها الجامعية الحديثة وتكلفة التعليم المقبولة مقارنة بدول أوروبا الغربية.

تراجع الدور التونسي في إفريقيا

هذا التحوّل لا يمرّ دون مفارقة لافتة: فبينما كانت تونس قبلة لآلاف الطلبة الأفارقة، باتت اليوم من بين الدول التي تستهدفها مشاريع “الدبلوماسية التعليمية” التركية.

تُظهر بيانات وزارة التعليم العالي التونسية تراجعًا سنويًا مستمرًا في أعداد الطلبة الأفارقة الوافدين على الجامعات التونسية. فبعد أن بلغ عددهم قرابة 13,200 طالب في 2016، تقلص العدد إلى 11,400 في 2018، ثم إلى 9,200 في 2020، ليصل في 2024 إلى نحو 7,000 فقط.

هذا التراجع الحاد، الذي تجاوز نسبة 45% خلال أقل من عشر سنوات، يُعزى إلى عدة أسباب، من بينها تدهور البنية التحتية الجامعية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتعقيدات الإقامة القانونية، وتكرار حوادث التمييز العنصري التي طالت طلبة من إفريقيا جنوب الصحراء في السنوات الأخيرة.

في ديسمبر 2023، أنشأت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي “الوكالة التونسية للطلبة الدوليين”، بهدف تيسير استقبال الطلبة الأجانب ومرافقتهم وإدماجهم. وقد اعتُبر هذا المشروع ركيزةً لـ”دبلوماسية المعرفة” التي تطمح تونس لتفعيلها. كما أقرت الوزارة زيادة بنسبة 25% في عدد المقاعد الجامعية المخصصة للطلبة من دول إفريقيا جنوب الصحراء للسنة الجامعية 2024-2025.

ورغم أن التعليم الجامعي الخاص لا يزال يجتذب عددًا لا بأس به من الطلبة الأفارقة، إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من 8 آلاف طالب من دول إفريقيا جنوب الصحراء يدرسون في الجامعات التونسية الخاصة، إلا أن هذا الرقم لا يعوّض التراجع العام في الجاذبية، خصوصًا مع ضعف التنسيق المؤسساتي.

من جهته، أشار البروفيسور نهاد إينانش، رئيس جامعة الخليج التركية، إلى أن أقل من 10% من الطلبة التونسيين الذين يدرسون في الخارج يختارون تركيا كوجهة تعليمية، معتبرًا أن “هذه النسبة يجب أن ترتفع عبر شراكات أكاديمية أعمق”.

أما البروفيسور يشار حاجي صليحوغلو، رئيس جامعة “يني يوزيل” في إسطنبول، فأكد أن حوالي 300 طالب تونسي يدرسون حاليًا في جامعته، مشيدًا بمساهمتهم الأكاديمية والاجتماعية، ومشيرًا إلى أن “التعليم هو أساس السلام والعدالة، وهو ما يساعد على تكوين جيلٍ قادر على الوقوف في وجه الظلم”.

في المحصلة، فإن معرض “الدراسة في تركيا” في تونس لم يكن مجرد فعالية تعليمية، بل مؤشرًا على انقلاب في الأدوار: من بلد مضيّف إلى بلد مصدر. ففيما تشتد المنافسة الدولية على استقطاب الطلبة، يبدو أن تونس، التي كانت ذات يوم مركزًا إقليميًا للتعليم، أصبحت اليوم ساحةً لاستقطاب أبنائها من قبل جامعات أجنبية طموحة.

فهل تتمكن “الوكالة التونسية للطلبة الدوليين” من قلب المعادلة واستعادة الدور المفقود؟ أم أن تونس ستظل في موقع المتفرج على حراك تعليمي دولي سريع ومتغير؟

مقالات ذات صلة
- Advertisment -

الأكثر شهرة

مواضيع أخرى

error: Content is protected !!