تشهد السوق الليبية تنافساً متزايداً بين قوى إقليمية كبرى على موقع الشريك الاقتصادي الأول، وسط حضور تركي ومصري ومغربي قوي، فيما تبدو تونس – الجار الأقرب جغرافياً – في موقع متأخر نسبياً، رغم إمكانيات التقارب الطبيعي والتاريخي مع ليبيا.
تركيا.. الحضور الأبعد والأقوى
بأكثر من 2.5 مليار دولار حجم صادرات إلى ليبيا في عام 2024، رسّخت تركيا موقعها كثالث أكبر شريك تجاري لليبيا على مستوى القارة الإفريقية بعد مصر والمغرب. وتواصل أنقرة توسيع نفوذها من خلال اتفاقيات أمنية واقتصادية موقعة منذ عام 2019، تشمل دعم القدرات العسكرية الليبية وتقديم استثمارات استراتيجية.
هذا الأداء يعكس نجاحاً تركياً في الجمع بين التجارة والنفوذ السياسي، وتحقيق مكاسب اقتصادية رغم البُعد الجغرافي، مما يطرح تساؤلات جدية حول دور تونس في هذا المشهد المتغير.
مصر.. شريك حدودي بمصالح متداخلة
تقدّر المبادلات التجارية بين مصر وليبيا بأكثر من 3 مليارات دولار سنوياً، مع تركيز خاص على تصدير العمالة والمنتجات الغذائية ومواد البناء. وتستفيد القاهرة من حدود برية ممتدة، وعلاقات قوية خاصة مع شرق ليبيا، إضافة إلى مشاريع ضخمة في البنية التحتية وإعادة الإعمار.
مصر تستثمر في ليبيا ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تأمين مصالح أمنية واقتصادية في العمق الليبي، بما يعزز من حضورها الإقليمي.
المغرب.. الاختراق البعيد
رغم غياب حدود مشتركة، تمكن المغرب من ترسيخ حضوره داخل السوق الليبية عبر بوابة الشركات متعددة الجنسيات، خاصة في مجالات الصناعات الغذائية والدوائية والمقاولات. وقد فاق حجم التبادل المغربي الليبي 2.6 مليار دولار سنة 2024، بحسب تقديرات دولية، مدفوعاً بجهود دبلوماسية اقتصادية متواصلة.
نجاح المغرب يسلّط الضوء على ضعف الحضور التونسي مقارنة بدول لا تمتلك الامتيازات الجغرافية ذاتها.
تونس.. فرص مهدورة رغم القرب
في المقابل، بلغ حجم المبادلات التجارية بين تونس وليبيا حوالي 2 مليار دينار تونسي (ما يعادل 650 مليون دولار) في عام 2024، رغم إغلاق معبر رأس جدير لفترات طويلة. وتمثل الصادرات التونسية النسبة الأكبر من هذا التبادل، بينما تبقى الواردات محدودة.
ورغم إعلان تونس عن خطة لبلوغ 4 مليارات دينار من الصادرات نحو ليبيا في 2025، فإن هذه الأرقام تظل متواضعة مقارنة بالحضور التركي والمصري.
تكشف هذه المقارنة عن ضرورة استعجال تونس بإعادة صياغة علاقتها الاقتصادية مع ليبيا، بما يتجاوز المبادرات الظرفية إلى سياسة استراتيجية مستدامة. فمن دون استثمارات مباشرة، وتحسين البنية اللوجستية، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، قد تجد تونس نفسها على هامش المشهد الليبي، في وقت تتسابق فيه قوى إقليمية كبرى لترسيخ مواقعها في قلب الاقتصاد الليبي.
فهل تتحرك تونس في الوقت المناسب لاستعادة موقعها الطبيعي؟ أم تواصل خسارة حصة من سوق تعتبر امتداداً حيوياً لأمنها واقتصادها؟

